أودعها الوزير أمام البرلمان الموازنة الجديدة.. هل تغيَّر الحال؟ لنحو ساعتين، أودع أمس وزير المالية بدر الدين عباس أمام أعضاء المجلس الوطني (البرلمان)، مشروع موازنة العام 2015م، توطئة لإجازتها والقوانين المصاحبة لها. الموازنة - التي مرَّت بمراحل الإجازة الروتينية عبر الجهاز التنفيذي - جاءت باردة نوعاً ما، بروداً أشبه بطقس الخرطوم هذه الأيام، إذ لم يكن فيها ما يثير الغضب، مثل زيادة الضرائب أو رفع الدعم عن المحروقات، ما يمهد الطريق لإجازة سلسلة من قبل نواب البرلمان، الذين كان حضورهم أمس 235 عضواً، وهو حضور غير مسبوق، كما قال بذلك رئيس المجلس الوطني الدكتور الفاتح عز الدين. //////////////////////// أبرزها تحسين مستوى المعيشة وتوفير "60" ألف وظيفة: "28" بشارة ووعداً من الوزير للمواطن حدد وزير المالية، بدر الدين محمود عباس، "28" بشارة يتوقع تحقيقها خلال موازنة العام الجديد من أجل زيادة الإنتاج وزيادة الصادر وتحسين مستوى المعيشة. (السوداني) لخصت تلك البشريات: *عدم تضمين هذه الموازنة فرض أي ضرائب جديدة خلال العام 2015م، والاستمرار في دعم المواد البترولية والقمح، والاستمرار في توفير الموارد اللازمة لاستيرادها، مع الإشراف على استيرادها وضبط توزيعها لضمان وصولها للمواطنين من ناحية، والحد من تهريبها من ناحية أخرى. *زيادة الإيرادات من موارد حقيقية عن طريق رفع كفاءة التحصيل، وتوسيع المظلة الضريبيَّة، وترشيد الإعفاءات، واستخدام التقنية الإلكترونية في التحصيل الضريبي والجمركي. *توجيه الإنفاق العام نحو أولويات الموازنة العامة والبرنامج الخماسي، وفتح فرص العمل في القطاع العام، باستيعاب "60" ألف وظيفة، تشمل 20 ألف وظيفة للخريجين، وزيادة حجم الدعم المباشر للأسر الفقيرة والبالغ عددها المستهدف 500 ألف أسرة، وخفْض معدل البطالة. *توفير الموارد اللازمة لإنجاح الموسم الزراعي الشتوي وتركيز أسعار المنتجات الزراعية كالذرة والسمسم والقمح، بهدف عدم تعريض المزارعين للخسائر المالية، وتشجيع إنتاجها في العام القادم، وزيادة إنتاج البترول والمعادن، خاصة الذهب، وتحسين موارد البلاد من العملات الأجنبية بزيادة الصادرات غير البترولية، وزيادة التجارة مع دول الجوار. قد تستعصي على الفهم: الموازنة في أرقام أكد وزير المالية، بدر الدين محمود، أن جملة الإيرادات العامة والمِنَح الأجنبية في موازنة العام المقبل، حوالي 61.6 مليار جنيه، بمعدل زيادة قدرها 33% عن العام 2014، فيما زادت المصروفات العامة بنسبة 30%، ويقدر أن تبلغ 59.8 مليار جنيه خلال 2015، مشيراً إلى زيادة مصروفات تعويضات العاملين بنسبة 17% عن موازنة 2014، بينما زادت مصروفات شراء السلع والخدمات بنسبة 40% عن اعتمادات موازنة العام 2014، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الزيادة في دعم السلع الإستراتيجية 57% ومصروفات المنافع الاجتماعية نسبة 29% عن العام 2014، لمقابلة الصرف على الصحة والدعم المباشر للأسر الفقيرة، ولم يحدد الوزير التقديرات الجديدة واكتفى بالمقارنة النسبية مع السابق. وأشار محمود خلال استعراضه موازنة العام المقبل بالمجلس الوطني أمس، لتقدير تحويلات الولايات بنسبة زيادة قدرها 33% عن اعتمادات 2014 والتي تشمل التحويلات الجارية والتي ارتفعت إلى نسبة 8% والتحويلات الرسمية بنسبة 77%، مؤكداً زيادة نصيب الولايات المنتجة للبترول بنسبة 44%، وقدرت تحويلات الولايات بمبلغ 16.5 مليار جنيه معلناً عن احتساب نصيب الولايات المنتجة للبترول بالسعر العالمي لأول مرة، مشيراً لزيادة تقديرات ميزانية التنمية بنسبة 27% أي 7.4 مليار جنيه، بزيادة اعتمادات القطاعات الإنتاجية بنسبة 33%، وقطاعات البنيات الأساسية بنسبة 18%، والتنمية الاجتماعية بنسبة 45%، وإحلال الآليات والمعدات وتأهيل المباني بنسبة 39%، متوقعاً أن يكون حصر عجز الموازنة في حدود 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي حتى يتسق مع أهداف البرنامج الخماسي ومتطلبات السلامة المالية. ==== السؤال الأهم: أموال الميزانية... أين ستذهب؟ السؤال الأهم بالنسبة للموطن هو: أين تصرف الحكومة إيرادات الموازنة، أي الأموال العامة؟ حدد بدر الدين محمود عباس وزير المالية أوجه الصرف في الموازنة الجديدة وفقاً للأولويات، إذ قال الوزير إن الأولوية تُعطى للصرف على متطلبات تحسين المعيشة والخدمات الرئيسية للمواطنين، وزيادة مساحات تغطية الرعاية الاجتماعية والوفاء باحتياجات المؤسسات الدفاعية لبسط هيبة الدولة والمحافظة على الأمن والاستقرار، فضلاً عن توجيه الصرف الحكومي نحو القطاعات الإنتاجية والخدمية ذات الأثر المباشر على زيادة الإيرادات، وتغطية استحقاقات العاملين وفقاً للهياكل التنظيمية والوظيفية وشروط الخدمة المُجازة، ورصد استحقاقات المعاشيين وصناديق الضمان الاجتماعي والصحي، والسعي لتحسين مرتبات العاملين مع ضبط ومراجعة الصرف على تعويضات العاملين من خلال سداد المرتبات آلياً وعن طريق الرقم الوطني، ومقابلة متطلبات تسيير دولاب العمل ومقابلة مطلوبات انتخابات عام 2015م. الوزير كذلك أعطى الأولوية للاستمرار في تغطية دعم السلع الأساسية واستيعاب الزيادة في معدلات استهلاكها، وتوزيع قوت العاملين والدعم المباشر للأسر الفقيرة، وتغطية الزيادة في تكاليف الصرف الصحي، ودعم الأدوية المُنقذة للحياة، بجانب دعم المستشفيات ودعم العلاج بالحوادث، ودعم مشروع توطين العلاج بالداخل. سياسات مالية ونقدية تشديد على مكافحة التهرب الضريبي وترشيد الإعفاءات وفي مجال السياسات المالية والنقدية ركزت الميزانية بحسب وزير المالية على تكثيف الجهود لمكافحة التهرب الضريبي وتسريع زيادة إنتاج خام البترول المحلي إلى جانب الاستمرار في ترشيد الإعفاءات الضريبية والجمركية فضلاً عن اتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان تحقيق عائدات ترحيل نفط حكومة جنوب السودان عبر أنابيب البترول وتحصيل عائد الترتيبات المالية الانتقالية علاوة على زيادة إيرادات العوائد من الذهب والمعادن الأخرى فضلاً عن رفع كفاءة الأداء المؤسسي والإداري والفني في مجال الضرائب المباشرة وغير المباشرة والاستمرار في التحصيل الإلكتروني لرسوم وخدمات الوحدات الإيرادية عبر الجهاز المصرفي وتكملة حوسبة العمل بديوان الضرائب إلى جانب تحقيق وحدة التشريع الضريبي لمنع التقاطعات التشريعية والاستمرار في إجراءات الإصلاح المالي والهيكلي للهيئات والشركات الحكومية ومشروع توطين العلاج بالداخل والرعاية الصحية الأولية في الريف وتوسيع التأمين الصحي. وفيما يتعلق بتحويلات الولايات ارتكزت على الاستمرار في تحويلات الولايات الجارية والرأسمالية وفقاً لقانون تخصيص الموارد بما فيها نصيب الولايات المنتجة للبترول. وفيما يتعلق بمجال التنمية القومية أشارت الميزانية لاستيعاب تكلفة مشروعات التنمية القومية والولائية المستمرة والمشروعات الجديدة وإعطاء أولوية للمشروعات الإنتاجية والبنيات التحتية والخدمية والمرتبطة بأولويات البرنامج الخماسي. وفي مجال الديْن الداخلي أكدت على التوسع في إصدارات الصكوك وشهامة والضمانات بما يتماشى مع احتياجات تغطية عجز الموازنة ومقدرة الدولة على سداد التزامات الدين وسداد استحقاقات الدين الداخلي. وفي مجال التمويل الخارجي ارتكزت على استمرار السحب من مصادر التمويل الخارجي بالتركيز على دولة الصين والبنك الإسلامي للتنمية والصناديق العربية وروسيا الاتحادية والعمل على سداد الديون الخارجية الحرجة واستحداث آليات وأساليب تمويل خارجية جديدة لضمان تمويل مشروعات البرنامج الخماسي الإنتاجية فيما ركزت الموازنة في الاستمرار في السياسة النقدية الترشيدية لامتصاص السيولة الفائضة في الاقتصاد لخفض معدلات التضخم وترشيد الطلب على النقد الأجنبي خاصة في مجال الاستيراد الحكومي فضلاً عن الاستمرار في سياسات استقطاب مدخرات السودانيين العاملين بالخارج واستمرار الجهود لاستقرار سعر الصرف وتوحيده تدريجياً والاستمرار في إجراءات الإشراف والرقابة المصرفية لتحقيق الاستقرار المالي فضلاً عن الاستمرار في سياسة شراء الذهب بواسطة بنك السودان مع معالجة الآثار الناجمة عن التسرب النقدي، فضلاً عن دعم سياسة الواردات وتشجيع برامج ترقية الصادرات غير البترولية وتوفير التمويل اللازم لها وتطوير هيكل الصادرات بإضافة القيمة المضافة للصادرات. ========= طريق الإنقاذ الغربي مرة أخرى الموازنة.. مشروعات للتنفيذ أكدت الموازنة حسب وزير المالية عزمها على توفير الموارد المالية لإكمال الأجزاء المتبقية من طريق الإنقاذ الغربي إضافة إلى تشغيل ميناء أشكيت البري وافتتاح ميناء أرقين مع إكمال المرحلة الأخيرة من برنامج رئيس الجمهورية لكفالة 750 ألف أسرة فقيرة بمظلة التأمين الصحي وذلك بإدخال 200 ألف أسرة إضافية في العام 2015. ====== منها منع الصرف خارج الموازنة: سياسات ضبط وحزم!! وزير المالية بدر الدين محمود في خطابه أمام المجلس الوطني أشار أول ما أشار إلى عزمهم على إعادة هيكلة وزارة المالية والاقتصاد الوطني بهدف رفع مستوى التخطيط الاقتصادي داخل الوزارة مع الاهتمام بتطوير القدرات البشرية والمؤسسية وإنفاذ الرقابة المالية والشفافية في الأداء المالي على جميع المستويات والتأكيد على وحدة الموازنة والولاية الكاملة لوزارة المالية على المال العام وتحصيل جميع الإيرادات ومنع الصرف خارج الموازنة ومحاصرة العجز في الموازنة في حدود السلامة المالية. ========== على عكس السياسة: الموازنة تهدف لتطوير العلاقة مع الجنوب في الوقت الذي تنسد فيه الأبواب السياسية والدبلوماسية في العلاقة بين السودان وجنوب السودان، حيث هدد السودان بملاحقة المتمردين داخل حدود الدولة الجنوبية الأمر الذي اعتبرته جوبا بمثابة "إعلان حرب" في هذا الوقت وعلى عكس الجميع؛ فإن مشروع الموازنة العامة شدد حسب بشريات الوزير عباس على أهمية تطوير ودعم العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دولة جنوب السودان وبدء أعمال اللجان المشتركة بين الطرفين، بالتالي يبقى السؤال مهماً أي المنطقين يسود: منطق السياسة والأمن؛ أم الاقتصاد والمصالح.