أنا يا صديقي، ابن بيئة ختمية ( كاملة الدسم) ، ولدت ونشأت وترعرعت فيها ، وتشربت كل أدبياتها ، ولن أتردد قط في القول، إنني أحب الختمية وأرى فيهم خيرا كثيرا وروحا طيبة فهم أهلي وليس من العصبية حب المرء قومه ! ورثنا في هذه البيئة التعامل بالحكمة وعدم التعرض للصدامات وعدم الدخول في المواقف السياسية الحرجة ، لعل ذلك بسبب أدب السيد علي الميرغني _رحمه الله_ الذي أشار له صاحب (مذكرات الحكم الثنائي الانجليزي المصري في السودان ) ، فقد ذكر أن مولانا الميرغني كان يخرج من الاجتماع مفتعلا سببا من الأسباب لحين مرور النقطة الحرجة ، ورغم عدم ثقتنا الكاملة في كلام (الخواجة) ، إلا أن ما يشاع في أدبنا السياسي الشعبي يقوي ذلك، فهو يحمل وصية موروثة عن السيد علي تقول ،إنه أوصى أتباعه بأن لا يدخلوا أيديهم في (الفتة السخنة) ،وفي هذا اشارة لعدم الدخول في مواقف السياسة الحرجة ذات الخطوط المتداخلة والاكتفاء بطريقة (الحل في الحل) الشهيرة! ربما يقرأ كثيرون ما ذكرناه وكأنه رؤية ساخرة من هذه الطريقة في التعامل السياسي، لكن الحقيقة أن هذه الاشارة لهذه الطريقة قصد منها التذكير بأن الحنكة السياسية تقتضي الحياد أو الصمت أو الانسحاب في الوقت الحرج إذا اقتضى الأمر ذلك ! وهذا ما يفتقر إليه الأخ الدكتور أحمد بلال عثمان في وقت يكون فيه مطلوبا، بينما يتمتع به الأخ ياسر يوسف في وقت يكون فيه غير مطلوب ! اقرأوا معي تصدي الدكتور أحمد بلال عثمان للإعلام بعد ايقاف الصحف في اليومين المنصرمين! وقف الرجل يحمل روح الدفاع والتبرير في وقت يغطي الساحة غبار كثيف، وقال ما أضافه التأريخ الاعلامي لمقولات أخرى محسوبة عليه وغير مرضي عنها، وظهر ظهورا (صَحّافياً) وكأنه جزء من الأمر ومسئول عنه ، وهي طريقة تجعلنا نصفه بالشجاع لو كان الأمر بالفعل كذلك، ولكننا لن نتوانى لحظة في وصفه بأنه (ماشة نار)، إذ الأمر غير ذلك! كل شيء يبيّض الوجه مثل مؤتمر الإعلام يقوده الأخ ياسر يوسف، وأي مشكلة محرجة يتصدى لها الرجل (المسكين)، خصما على شخصيته وحزبه حتى وصفته الصحافة بأنه حنبلي أكثر من أحمد بن حنبل! ما أراه ، أن الأنسب لمثل هذه المواقف هو الأخ ياسر يوسف لأنه يمثل الحزب الحاكم _حقيقة_ الذي بيده كل الأمور ، فياسر أمين أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني وعضو المكتب القيادي به والناطق الرسمي باسمه، فهو موجود في كل دوائر القرار وقريب من مصادر المعلومة ، وما جرى ليس اجتهادا فرديا فيتأخر في حمل لواء الدفاع عنه، ولا سبة أخلاقية تقتضي الابتعاد عنها، بل تقديرات أجهزة مسئولة _يختلف الناس معها أو يتفقون_ تقوم بدورها الذي تفرضه عليها مسئولياتها الوطنية وتفويضها القانوني ! ياسر رجل قانوني في الأصل واعلامي في ذات الوقت وبكل الزوايا فهو مناسب للتصدي للأمر وفك الاشتباك بين ضرورات الأمن القومي ومتطلبات الصحافة وحرياتها، وتجديد الثقة في برنامجه المطروح لتجسير هذه الهوة وتقريب الشقة وبناء مجتمع اعلامي يتمتع بحرية وصحة وعافية! ما الذي يجعل ياسر يوسف يختفي خلف أحمد بلال وهو _من بعد_ وزير اعلام (الظل) ووزير الدولة بالإعلام والناطق باسم الحزب صاحب الأمر والنهي في الحكومة والدولة؟ أخي الدكتور أحمد بلال عثمان: (مرفعين بعرف جوعير أخوهو وأبو القدح بعرف يعضي أخوهو وين )، كن ختميا وامرق منها !