في ثمانينات القرن الماضي وما قبلها، كان سائقو اللواري السفرية ما بين أرياف السودان وأم درمان هم ألمع نجوم مجتمع الريف، حيث كانت الطرق وعرة والسفر شاقا ومضنيا يستغرق عدة أيام، تنشأ خلاله علاقات وطيدة ما بين السائق والمسافرين، حتى أصبح السائقون من المشاهير الذين يُشار إليهم بالبنان ويعرفهم كبير وصغير أهل القرية، وتغنى بهم عدد من الشعراء فقد قال الشاعر المرهف ( عبد الله محمد خير) مخاطباً الشاعر عبد الرحمن ( تلب ) .. ( تلب ) أمسك حبل الصبر خلي قلبك لا يبقى ني اصلو ود ابوزيد كل يوم من بلدنا يرحل جدي إلى أن يقول : حل بي توفيق السواد ما في زول قال كفاره لي أرقي يا تلب ودعت قبلو كم قمره منوره وكم تحف نادرات سافرن كم فراشة وكم جوهره وكم قلوب متلك بالفراق الأنين والشوق سهره شوف عوض عبدون الحروف خل من باطنها ظاهره يا عوض مدرسة الشعر بي جداره ياك ناظره بي غناك حرف السين بقت فوق بنات جيلا مبطره وكان ( ود أبوزيد ) في ذاك الزمان صاحب بص يعمل ما بين الدبة وأمدرمان يسمى ( التوفيق ) وهو شقيق المادح عبد الرحمن أبوزيد . ولازالت بصاتهم تعمل بعد تطويرها . ( 2) ومن مشاهير السائقين الذين تغنوا بهم هو الفقيد صابر آدم عبدالله الشهير ب ( صابرا جِرا ) رحمه الله تعالى، ولد الفقيد ( صابر ) في جزيرة ( جرا شرق ) ريفي الدبة شمالي السودان، ونشأ وترعرع في بيئة باذخة بالكرم، مٌحبة للخير، ارتبط إسم ( صابرا جرا ) بمهارته في قيادة اللواري السفرية وخبرته بالطرق الوعرة التي تربط شمالي وغربي السودان بأم درمان، وعرفه معظم الناس وأحبوه فقد كان خلوقاً وكريماً، الابتسامة لا تفارق شفتاه، سمح المعاملة والرفقة في السفر، ومن فرط كرمه كان يسابق الزمن في رحلاته ليستريح الركاب ( بمنزله ) ودوماً ما تكون ذبيحته حاضرة وناره مشتعلة، وكانت والدته البشوشة الحاجة ( أمعلا ) تلاقي ضيوفها بالترحاب وهي فرحة لا تكل ولا تمل، وابنها يحمل لها إياباً وذهاباً نفرا من الناس . وقد نظم فيه أجمل الكلمات الشاعر الراحل عبدالله محمد خير، أغنية معروفة من أجمل أغاني الطمبور باسم ( صابر جرا ) يعدد فيها المحطات الرئيسة لطريق أم درمانالجنينة في وصف دقيق وجميل، فيذكر المويلح، وسايرين، بربري، وفنخ، زغاوه، أم حايمي، كتم، والفاشر ثم الجنينة وغيرها من المحطات فيقول : وين وين يا صابر جرا سم باسم الله وقرا وفارق أم درمان غادرا بالمويلح قام سادرا والدروب أصلو هو خابرا جبره أشجارا مكدره للمقيل لا ضل لا ضرا ساري سايرين ما خبرا وبالعجاج بربرى غبرا في فنّخ الرملة مضفره جاء ماشي فيها قطع مسطره السواقة إنت مكنترا وفيها ماخد كم دكترا الى أن يقول: بى بشارة الخير بشرا السمحه داخله على فاشرا البلد مالك هاجرا .. باكي حزناني مقنجرا كانت وفاة الشاب الوديع ( صابرا جِرا ) فاجعة للجميع، أدمعت العيون، وقطعت نياط القلوب، وأحزنت جميع مسافريه، ففي إحدى رحلاته، والتي كانت آخر رحلة في حياته من الدبة إلي أمدرمان، كان يقود البص ( مساعده ) بينما كان هو مع بعض الركاب على سطح البص، فحاول تنبيه ( مساعده ) لمنحني خطير، فسقط من ظهر البص على رأسه وتوفي في الحال . بعد أن خلد ذكرى عطرة وأشعاراً نديّة باسمه تتناقلها الأجيال . رحمه الله . وإلى لقاء .. بقلم : محمد الطاهر العيسابي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته