لجنة التحقيق.. تُثبت الحادثة تُطرح قضايا تُعنى بوزارة الخارجية، لكنها لا تجد اهتماماً كبيراً في بعض الأحيان. وهناك قضايا أخرى، تحظى بتفاعل من أعلى المستويات. وكانت قصة المواطن المهندس أسعد التاي، الذي تعرض للضرب والإساءة من قبل عاملين بقنصلية جدة، حينما هم باستخراج جواز سفر لزوجته وابنته؛ قد وجدت صدىً واسعاً في الإعلام والمواقع الإسفيرية، فاهتمَّت بالقصة رئاسة الوزارة، وشكّلت لجنة رفيعة المستوى سافرت إلى جدة، لتحقِّق حول الموضوع، فعادت بنتائجها، بعد أن التقت الأطراف المختلفة هناك. تقرير: لينا يعقوب لجنة التحقيق التي أوفدتها وزارة الخارجية، كانت مكونة من السفير دفع الله الحاج، والمستشار القانوني في وزارة الخارجية د. رحاب المبارك، واللواء أمن العبيد، حيث استمعت إلى أقوال المهندس أسعد التاي ومن اتهمهم بتنفيذ الاعتداء. أكملت اللجنة تحقيقاتها في هذا الأمر، والتقت أيضاً بأعضاء في الجالية السودانية بجدة، وسألتهم عن رأيهم في ما يجري من قبل القائمين على أمر القنصلية، واستمعت لمعظم إفاداتهم، وعادت إلى الخرطوم لتكتب تقريرها وتوصياتها، إلا أن التقرير تأخر في الظهور نسبة لضرورة اطلاع وزير الخارجية علي كرتي عليه، حيث سافر الوزير مع رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية، ومنها إلى شرم الشيخ للمشاركة في القمة العربية، وبعد قرابة أسبوع من العودة، اطّلع عليه وصادق على توصياته. بداية القصة قبل الدخول في تقرير لجنة الخارجية تُذكّر (السوداني) بالقصة، حيث أعلن مواطن سوداني مغترب في المملكة العربية السعودية في مواقع التواصل الاجتماعي عن تعرضه للضرب ولمعاملة قاسية في قنصلية السودان بمدينة جدة، أثناء قيامه بإجراءات استخراج جواز لزوجته وطفلته، ثم أعقب ذلك نشر مقطع فيديو يصور حادثة وقعت بالقنصلية، وكان الصوت مشوشاً لكنه يوضح مشاجرة كلامية واعتداءً جسدياً تم بين أفراد. التاي، اتهم ضابط بقسم الجوازات في القنصلية بالتعدي عليه، ونشر القصة بنفسه في مواقع التواصل الاجتماعي. تقرير اللجنة بالأمس أعلن مكتب الناطق الرسمي باسم الخارجية، السفير علي الصادق، أن تقرير لجنة التحقيق سيُملَّك للرأي العام، بعد أن تعاملت الوزارة مع القصة بجدية تامة، فأشار إلى أن اللجنة تلقت إفاداتٍ كثيرة من الشاكي وعدد من أفراد القنصليّة وآخرين من خارج القنصلية، وعملت لمدة سبعة أيام لساعات طويلة، استمعت من خلالها للجميع وخلصت إلى أن هناك أوضاعاً إدارية وظروفاً عملية تضافرت جميعها وأدت إلى خلق بيئة عملٍ ضاغطة ترتبت عليها إشكالاتٌ واحتكاكاتٌ بين طالبي الخدمة، ومن يقومون بتنظيمهم للحصول على الخدمة، مؤكداً أن هذا لا يُعفي العاملين بالقنصلية من مسؤولياتهم تجاه تلبية احتياجات المواطنين والمتعاملين بصبر وأناة ومهنية عالية، وأوضح أن اللجنة خلصت بعد التحقيق إلى تقصير بعض موظفي القنصلية في أداء واجبهم ومسؤولياتهم، وثبت للجنة تعدي بعضهم على الشاكي، وأوصت بمحاسبة من أثبت التحقيق تعديه على الشاكي، وكل من قصّر في أداء واجباته بما يساعد على منع مثل ما حدث، وثبت أن بعض مَن كُلِّفوا بتنظيم طالبي الخدمة لم يكونوا مؤهلين لذلك، واتّضح للّجنة عدم مواءمة المبنى المستأجر للقنصلية لأداء مهمتها، مع الأخذ في الاعتبار الأعداد الكبيرة لطالبي الخدمة في القنصلية بجدة. وذكر أن الوزير اجتمع باللجنة ووجه بإنفاذ توصياتها فوراً. معلومات ناقصة التقرير برَّأ ساحة السفراء والدبلوماسيين، حيث أشار إلى أن المُعتدين هم موظفون، وليسوا ضمن السلك الدبلوماسي، كما أنه لم يشر إلى أنواع العقوبة إن كانت إدارية داخل المؤسسة نفسها أو جنائية يمكن الذهاب بها إلى القضاء. ورغم أن التاي ذكر في تقريره أسماء المعتدين، وقال إن من اعتدوا عليه لم يكونوا يعرفون اسمه أو هويته؛ إلا أن التقرير أغفل ذكر الأسماء أو الجهات التي ينتمي إليها المتورطون في الاعتداء أو درجاتهم الوظيفية. ورغم استحسان البعض للتقرير، إلا أنه بدا شحيحاً في إعطاء معلومات تفصيلية عن الخطوات اللاحقة. فالتاي نفسه اعتبر على صفحته بالفيسبوك أن التقرير فوق التوقعات، لكنه دون الطموحات. وأسعد التاي هو ضابط مهندس أُحيل إلى التقاعد؛ لأسباب تتعلق بالعمل. ويشير البعض إلى أنه كان محسوباً على الحركة الإسلامية. بعد تقاعده عمل مهندساً في شركات سودانية تعمل في مجال الطرق والجسور، ثم سافر للعمل في السعودية، وما لبثَ أن أصبح ناشطاً في مواقع التواصل الاجتماعي. وتشير معظم كتاباته إلى انتقاده الحكومة. نجاح التحقيق قبل ذلك، نشرت صحيفة (السوداني) قصة فساد أحد الدبلوماسيين بالإسكندرية، وتداولت المواقع الإلكترونية الخبر، وكانت وزارة الخارجية في ذات الوقت تُجري تحقيقاتها هناك للتأكد من صحة القصص؛ وبالفعل تمت إدانة الدبلوماسي، مما يشير إلى تعامل الخارجية بجديَّة مع عدد من القضايا التي تُطرح، ولا تتوانى في أوقات كثيرة عن إدانة منسوبيها. ومع ذلك يشير البعض إلى أن الوزير علي كرتي يسعى إلى دفع الاتهامات بعيداً عن منسوبيه، خاصة العاملين في الخارج، ويؤكد أنهم خيرة الدبلوماسيين الموجودين، إلا أن لجان التحقيق التي شكلت في الآونة الأخيرة سِرَّاً وعلناً، أكدت أن الخارجية لا تُداري على أخطاء إن كانت محسوبة عليها أو على جهات أخرى.