أخذت الأزمة في اليمن منحاً تاريخياً خلال الشهر الماضي بعد بداية عاصفة الحزم (الحسم الآن) التي أعقبت التطورات الداخلية في اليمن منذ بداية الثورة اليمنية في شارع الستين والتي شهدت خسائر كبيرة في الأنفس، وخسائر اقتصادية ضخمة عانى اليمن بسببها كثيراً طيلة السنوات الماضية، التسارعات الدراماتيكية في الأزمة اليمنية وصلت إلى محطة المبادرة الخليجية التي قادت إلى خروج علي عبدالله صالح من الحكم وابنه أحمد وعدد من أقاربه وأصهاره، ولكن بقانون يمنحه الحصانة وعدم ملاحقته وأسرته وأقاربه، واستلم نائبه هادي الرئاسة وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد . الفاعلون في الأزمة اليمنية محلياً،يقولون نظام علي عبدالله صالح الذي خرج ظاهرياً ولكن بقيت دولته العميقة تدير أمور الدولة من منطلق قبلي بحت، حيث استمرت وزارات ومحافظات في أداء واجباتها وفقاً لتوجيهات صالح كأن لم يكن، القوات المسلحة اليمنية انقسمت ما بين قوات الحرس الجمهوري التي يقودها العميد أحمد علي عبدالله صالح وتتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة، وبين بقية الوحدات العسكرية التي تتبع لرئيس الأركان والقائد العام، وهي نفسها منقسمة قبلياً والولاء للقائد كما رأينا في الفرقة الأولى مدرعة وقائدها اللواء الأحمر، حكومة الرئيس هادي فاعل رئيسي ثاني تحكم ولا تملك خاصة بعد تدابير هادي وإعادة بناء القوات المسلحة وحله للفرقة الأولى مدرعة التي أفقدته أي قوات مقاتلة كما ظهر عند الحاجة إليها لمقابلة انقلاب الحوثيين، الفاعل الثالث جماعة عبد الملك الحوثي خصم صالح اللدود التي خاضت ضده 6 معارك كبيرة، استغلت الضعف في بنية حكومة ما بعد الثورة وغبن صالح والقوات الموالية له في قلب أوراق الطاولة والانقلاب على الشرعية وقطع أوصال اليمن وتحويلها إلى مخزن كبير للأسلحة والذخائر ومواد تموين القتال ضد عدو تعرفه وتحسب حساباته وهو ما ظهر من روليت بنك الأهداف في عاصفة الحزم . هذا التعقيد في مكونات الأزمة اليمنية أدى إلى تدخل فاعلين إقليميين، المملكة العربية السعودية الجار التاريخي لليمن لها مصالح وتقاطعات تاريخية مع المكون القبلي اليمني، ويهمها توقف المد الشيعي نحو أراضيها، وظلت منذ ستينيات القرن الماضي تدفع فاتورة باهظة الثمن في اليمن لقاء المحافظة على تلك المصالح وتحقيق الأهداف، دول الخليج فاعل ثاني بثقلها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ولها ما للسعودية، وعليها ما على السعودية، وتخشى فرسنة الخليج العربي إلى فارسي اسماً ومكونات، جامعة الدول العربية فاعل في الأزمة اليمنية من خلال مبعوثها المشترك مع الأممالمتحدة جمال بن عمر الذي صال وجال في جبال وسفوح اليمن السعيد وختمها باستقالة وخروج غير سعيد، تنظيم القاعدة فاعل رئيسي في الأزمة اليمنية، حيث انتقلت عناصره الإقليمية من دول المنطقة إضافة للعرب الأفغان العائدين من جبال تورا بورا إلى الحاضنة الجديدة في جبال وكهوف اليمن، وللتنظيم حسابات إقليمية اتخذ من الحاضنة اليمنية منطلقاً لتصفيتها خاصة ضد المملكة العربية السعودية، إيران الفاعل الرئيسي الذي تهمه الساحة اليمنية، عقائدياً كداعم للجماعة الحوثية الشيعية الأكبر في منطقة الخليج العربي، استراتيجياً محاولة إيجاد موطئ قدم في أكثر المناطق حيوية في العالم (باب المندب، ومدخل البحر الأحمر)، أمنياً خنق السعودية ودول الخليج من الحدود الجنوبية، والوصول إلى الأراضي المقدسة في محاولة لاستنساخ مواقف وتجارب تاريخية من أيام فارس والروم . الفاعلون الدوليون يمثلون تدويل الأزمة بوجهها الحقيقي حيث أصبح العالم غرفة واحدة وليس قرية واحدة، كما أن ثورتي الاتصالات والمعلومات لها التأثير الأكبر على تفاعل كل دول العالم مع الأزمات المختلفة، تعدد المصالح والشراكات بين الفاعلين الدوليين، إضافة لاختلال توازن القوى وتعدد مراكز صنع القرار دولياً، كلها عوامل أدت إلى انهيار نظريات الجغرافيا السياسية، وتحويل كل الأزمات القطرية إلى أزمات دولية، وخير مثال دارفور، وأوكرانيا، اللتان تصاعدت أزماتهما من قطرية إلى دولية في أقل من شهر للأولى وساعات للثانية، أزمة اليمن في ذات السياق بدأت قطرية ولكن مطاردة أمريكا للقاعدة والهجوم على البارجة كوول، وعودة الأفغان العرب، وظهور عبد الملك الحوثي المدعوم إيرانياً، والثورة اليمنية التي دخلت ربيعها الرابع، حولتها منذ بداية حقبة الألفية إلى ساحة للأزمات الدولية وليس أزمة واحدة . إذاًً أمريكا فاعل رئيسي في الأزمة اليمنية منذ عقد ونيف، روسيا دخلت على خط الأزمة اليمنية لرد التحية لأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي بأحسن من تحية أوكرانيا، إضافة للعلاقات الروسية الإيرانية في المجالات العسكرية والاقتصادية تجعل روسيا حليفاً لإيران هنا مثل ماهو حادث في الأزمة السورية، الصين تبحث عن مصالحها تحت أضواء الأزمة اليمنية، الاتحاد الأوروبي يغض الطرف ويجعل الباب موارباً أمام عاصفة الحزم (والحسم الآن) ودوله أكبر الموردين للأسلحة والطائرات للسعودية ودول الخليج بعد أمريكا، الأممالمتحدة فاعل رئيسي مؤثر من خلال توفير الشرعية لأي إجراءات عبر مجلس الأمن، والتأثير على الأرض من خلال المنظمات الإنسانية التابعة لها، وتسويق المبادرات الإقليمية والدولية (جمال بن عمر ومن يخلفه). يمكننا من خلال التحليل لكل الفاعلين والمعطيات على الساحة اليمنية أن نعرف الأزمة اليمنية، باعتبارها أزمة دولية، وذلك لتجذر أسباب الصراع من محلي إلى إقليمي إلى دولي، المناخ الدولي المحابي يسمح بصناعة الأزمات لعدم توفر الأحادية المطلقة لأمريكا وظهور فاعلين دوليين (روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، دول الخليج، إيران)، وتجمعات إقليمية، اقتصادية في مظهرها سياسية في جوهرها، التعقيد الملازم لإدارة أي أزمة بسبب المصالح، وضعف النظام الدولي الذي مازال في طور التشكيل، هشاشة التسويات الدولية للصراعات ومعاناة المؤسسات الدولية في إدارة الأزمات إضافة للتكاليف الباهظة لإدارة الصراعات والأزمات الدولية، وأخيراً وجود أهداف ومصالح لكل أولئك الفاعلين في الأزمة اليمنية التي قد تطول وتجعل الثمن باهظاً على الجميع . دولية الأزمة اليمنية تجعل أمر التحالف العربي الحالي يتجه مستقبلاً نحو الاصطفاف الدولي، بالعمل تحت مظلة الأممالمتحدة وفقاً لقراراتها وقوانينها المنظمة للصراعات الدولية، وعندها لن تتحقق أهداف كثيرة للفاعلين الإقليميين ففي ردهات الأممالمتحدة لن تجد من يوافق على قرار دولي يحمل في طياته معطيات عقائدية أو طائفية، أو العمل تحت تحالف دولي في حال الدخول المباشر لإيران في الأزمة اليمنية وتجد أمريكا وأوروبا مسرح عمليات لاستنزاف إيران عسكرياً واقتصادياً، أسوة بالعراق في حروب الخليج (1) (2)، وستجد روسيا سبباً للدخول في الأزمة اليمنية، أو العمل كما هو حادث الآن بالتحالف العربي تحت القيادة السعودية حتى تحقيق الأهداف التي شنت من أجلها عاصفة الحزم، والحسم الممتد، ولكن في كل الخيارات سيكون هنالك مخاض عسير في جغرافية المنطقة، واقتصاديات الدول صعوداً وهبوطاً، وظهور قوى فاعلة إقليمية جديدة لعبت وستلعب أدواراً مقدرة عقب هذه الأزمة المعقدة، ومن أهم ملامح التعقيد والاختلاف بين الأزمتين اليمنية والسورية، أن الفاعل الرئيسي في سوريا وهو حكومة بشار. In Door بينما الفاعل الرئيسي في اليمن وهو حكومة هادي Out Door ، والليالي حبلى يلدن كل عجيب.