جونسون ألونج وسلفاكير.. أعداء قدامى وحرب جديدة تقرير: محمد عبد العزيز أعاد سيناريو نفذه من قبل سقوط ملكال.. من قال إنك لا تضع قدمك في النهر مرتين؟! بينما كان عشرات الجنود المدججين بالأسلحة يعبرون النيل الأبيض بالمراكب عصر الجمعة صوب الضفة الغربية لمدينة ملكال للاستيلاء عليها؛ كان اللواء جونسون ألونج نائب قائد منطقة أعالي النيل العسكرية يراقب العملية بصمت، ويستعيد بذاكرته الاشتباكات التي وقعت بين قواته ومجموعة من الحرس التابع لحاكم الولاية سايمون كون فوج، وأدت لمقتل عدد من حراس الحاكم ومن قواته، بعد حالة الاحتقان التي نسفت القدر اليسير من الثقة بينه والحكومة المركزية في جوبا، بعد أن قتل نائبه اللواء جيمس بوقو على أيدي مسلحين مجهولين في منطقة (اكوكا) جنوب شرق ملكال مطلع إبريل الماضي. كان ألونج ابن فشودة يدرك أن حكومة جوبا لا تثق به وهو كذلك، إلا أنه كان مضطراً لوضع يده في يد أعدائه بعد تضعضع تحالفهم العسكري السابق، بعد مقتل الجنرال جورج أطور. ورغم أنه قدّم خدماته بتفانٍ وجعل ملكال آمنة وبعيدة عن متناول قوات رياك مشار طوال الفترة الماضية؛ إلا أنه كان كثيراً ما يتساءل عن أنهم كيف يحكمون من قبل النوير -في إشارة لهوية حاكم الولاية- وفي ذات الوقت يقاتلونهم، تلك التساؤلات والطموحات الزائدة كانت تضعه تحت طائلة الاتهام بالتمرد، رغم نفيه المتكرر، لتصل الأوضاع لمرحلة استدعائه للمثول أمام لجنة عسكرية في جوبا. كان ألونج ذكياً ليدرك أن ذهابه يعني أن رحلته ستكون باتجاه واحد لا يقبل العودة، فرفض حينها، وقررت جوبا إرسال القوات الخاصة بالحرس الرئاسي، والتي تعرف اختصاراً ب(التايقر) بهدف تجريد سلاحه وإحضاره بالقوة، دون أن يأبهوا لمطالبه المتكررة بالتحقيق ومحاسبة المعتدين على قواته -يوجه ألونج أصابع الاتهام لمليشيات محلية من الدينكا. وما إن أشرقت شمس السبت الماضي حتى أعلنت حركة مشار أنها سيطرت على ملكال والمناطق المحيطة بها –تقدر ب140 كلم- تحت إمرة اللواء جونسون ألونج بالتنسيق مع اللواء قبريال تانج مسؤول منطقة أعالي النيل بجيش المعارضة الجنوبية -حليف سابق ل(ألونج) في التحالف العسكري المعارض بقيادة أطور - وقال المتحدث باسم رئيس المعارضة المسلحة جيمس قديت داك إنهم استطاعوا توسيع سيطرتهم في أعالي النيل، وتوجهوا نحو منطقتي ملوط وفلج، مما أدى لإخلاء عمال النفط. ولوحت المعارضة بتوسيع عملياتها جنوباً، ودخول بور عاصمة ولاية جونقلي. إلا أنهم تعرّضوا لقصف عنيف في ملكال ومحيطها كتطور جديد في الصراع، نجحوا من خلاله في إسقاط طائرة، وقد دفعهم القصف - وفقاً لشهود عيان - إلى تأمين معداتهم وآلياتهم بعيداُ عن قصف الطيران وقريباً من أي اجتياح بري قادم. في ذات الوقت، أعلنت جوبا رسميَّاً أن ألونج بمثابة متمرد، وأنه قام بمساعدة المتمردين على عبور النهر من الناحية الغربية، والدخول إلى مدينة ملكال. وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش العقيد فيليب أقوير: "خلال الشهر المنصرم، ظل اللواء ألونج يرسل تأكيدات مضللة عن عدم تمرده، لكننا كنا على علم بوجود تنسيق بينه ومشار، لقد حاولنا قصارى جهدنا احتواء الوضع". المدهش في مسألة الاستيلاء على ملكال، أن ألونج كرَّر ما فعله من قبل عندما دخل ملكال في السادس عشر من مارس 2011، بعد مواجهات بينه والجيش الشعبي الذي هاجم رئاسة قوّاته بمنطقة (دودي)، بعد أن اتهموه بدعم أطور؛ لكنَّ أولنق انسحب وقام بضرب معسكر (أواج) وهو أحد معسكرات الإمداد والذخائر للجيش الشعبي؛ فاستولى على الأسلحة والمؤن اللازمة وقام بالانسحاب، ليتوج عمليته بالهجوم على ملكال منتصف مارس بعد أن دخلها من البر الغربي وهجم عليها من اتجاه الشمال، واستطاع الاستيلاء على أسلحة ثلاث من نقاط الشرطة (الملكية والسوق وحي الجلابة)، واتجه بعدها لرئاسة الشرطة جوار منزل الوالي مما دعا الجيش الشعبي لاستخدام الدبابات لردعه وهو ما أوقع خسائر كبيرة وسط المدنيين. واستطاع أولنق الفرار إلى واو شلك بعد ذلك. انتصارات ألونج دفعته في ثورته حماسه، وهو على وشك الانضمام لتحالف أطور، لإطلاق تصريحات نارية هدد فيها حكومة جوبا بحرب طويلة شرسة للقضاء على من سماهم بسارقي قوت الشعب الجنوبي والمتاجرين بآلامه ومآسيه لمصلحتهم الشخصية. وبعد أن مضت مياه كثيرة تحت الجسر خاصة بعد قتل أطور؛ أعلن ألونج في العام 2012 انضمامه للحكومة، لتضاءل مساحة طموحاته وعودته للمربع الأول باعتباره حامي حمى الشلك، والمدافع عن أراضيهم التي تم نهبها من قبل قبيلة دينكا - حسب زعمه - وبعد انضمامه لحكومة جوبا تم تعيينه قائداً لمنطقة (واو شلك) تحت قيادة الفرقة الأولى بأعالي النيل، ونائباً لقائد منطقة أعالي النيل العسكرية. ألونج ومشار.. علاقة مؤقتة أم تحالف دائم؟! ثمة حالة من الجدل تدور الآن حول علاقة ألونج بالتحالف المعارض بقيادة رياك مشار؛ ففي الوقت الذي نفى فيه مدير قسم الإعلام والعلاقات العامة لتحالف المعارضة مبيور قرنق انضمام اللواء ألونج لهم، قال في بيان صحفي، إنهم لا يدعون لاحتكار العمل الثوري المعارض، إلا أن أنه أقر بوجود تنسيق وتعاون بين الحركتين المتمردتين. ويقول القيادي بتحالف المعارضة يوهانس فوك، إن مشار كان يضع ألونج نصب عينيه منذ فترة، والآن تحقق ما كان يريده بانضمامه لتحالف المعارضة، ويضيف في حديثه ل(السوداني): "إنه قائد قوي تشير التقديرات إلى أنه لديه ما يُقدَّر بنحو ستة آلاف مقاتل، وهذا يعني بطبيعة الحال حسم جميع المعارك بأعالي النيل خلال أيام لصالح المعارضة، خاصة أن النوير والشلك يمثلون نحو 90% من سكان الولاية، والآن تم تعيين ألونج قائداً عسكرياً لولاية فشودة لبداية هذا الزحف". غير أن مصادر قريبة من تفاوض وزارة الدفاع مع ألونج، قالت إن الأخير لا يريد الانضمام لتحالف المعارضة، وإنما يريد من السلطة المركزية في جوبا منح الشلك سلطات خاصة بهم. وتضيف ذات المصادر - بعد أن فضلت حجب اسمها ل(السوداني) - إن ألونج لا يريد أن يكون الشلك مع النوير في ولاية واحدة. بينما يرى ملونق ييل أحد الناشطين السياسيين أن ألونج لم يتمرد لينضم لمشار، بل تمرد ليكون طرفاً ثالثاً لا يتبع لكير أو مشار، ويضيف في حديثه ل(السوداني): "يستند ألونج بشكل أساسي على شعبية كبيرة وسط أبناء الشلك، بوصفه المدافع الأول عن أراضيهم"، ويضيف أن قيادات الجنوب لم تتمكن من علاج الأسباب الجذرية للعنف المتنامي بمنطقة أعالي النيل، بسبب النزاع على الأراضي بين الشلك والدينكا (دينكا افدانق). ويلفت ييل إلى أن قوة ألونج تضاعفت في الفترة الأخيرة بعد الدعم الذي حظي به من قبل جوبا لمقاتلة المتمردين. وبين هذا وذاك، يقول الصحفي المهتم بالشأن الجنوبي، هيثم عثمان، إن ما عرف عن ألونج أنه لا يميل للدخول في التحالفات. ويضيف عثمان في حديثه ل(السوداني): "باستثناء تعاطفه وتحالفه القصير مع جورج أطور، فإنه لم يدخل في تحالفات مع أي مجموعات أخرى، لذلك أعتقد أن تحالفه مع مشار لن يصمد طويلا". ويلفت عثمان إلى أن العلاقات ليست على ما يرام بين ألونج والنوير، الذين لن يغفروا له قتالهم باسم جوبا بعد أحداث سبتمبر 2013 التي قاد فيها هجوماً واسعاً عليهم في أعالي النيل، إلا أنه تعرض لإصابة كادت أن تودي بحياته. ويرى عثمان أن ما دفع ألونج للتحالف مع قبريال تانج والمعارضة الجنوبية يرجع لإحساسه بالعزلة بعد اغتيال نائبه وانهيار اتفاقه مع رئيس الجنوب سلفاكير. ويلفت عثمان إلى أن سلفا يعلم حجم قوة ألونج وتأثيرها، لذلك أوفد له وزير الدفاع شخصيَّاً للتفاوض معه، إلا أن المفاوضات انهارت بعد فشل وفد مقدمة الوزير في إقناع ألونج بمبررات تصفية نائبه، إضافة لتمسكه بالمطالبة بمنصب نائب وزير الدفاع أو تعيين أحد أبناء الشلك وزيراً للدفاع ليكون ضامناً لاتفاقه مع حكومة جوبا. بندقية ألونج.. هدف واحد أم أهداف متعددة؟ يبقى السؤال هو مستقبل ألونج الذي يقود الشلك الآن لمواجهات مفتوحة، وإلى أين سيمضي دون اعتبار لما ستؤول إليه الأوضاع في ملكال. يقول العميد نياقوال أجاك دينق الناطق باسم قوات (أقويليك) التابعة لألونج، إنهم سيحتفظون باستقلاليّتهم في أعالي النيل، ويستدرك في بيان صحفي تلقت (السوداني) نسخة منه أنهم مع ذلك سيكونون على استعداد للعمل جنباً إلى جنب مع قوى المعارضة التي تقاتل الحكومة القبلية التابعة لسلفا كير من أجل التغيير للأفضل لجنوب السودان. من المؤكد أن ألونج سيسعى لإعادة تغيير توزيع السلطة والثروة في أعالي النيل وإدخال الشلك كطرف أصيل مسنوداً بقوة السلاح. ومهما كان من أمر، فإن مواجهات ملكال تشير إلى أن أطراف الصراع في جنوب السودان لا يَرَوْن بديلاً لحسم خلافاتهم غير الخيار العسكري. وربما تشير التطورات الأخيرة لتغيُّر في معادلات الصراع، وتكون مقدمةً لمعارك أكبر للسيطرة على المواقع النفطية في أعالي النيل والوحدة، من قِبَلِ التحالف المعارض بقيادة مشار وحليفهم الجديد ألونج.