السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المأوى للجميع.. حق يستعصى
نشر في السوداني يوم 02 - 02 - 2012

رغم أن (حق السكن) نُصَّ عليه في (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) عام 1948م وفي (العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) عام 1966م إلا أن الاهتمام العالمي بتمكين السكن بدأ مع انطلاق (برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN-HABITAT) عام 1978م ومقره نيروبي وشعاره (توفير مأوى للجميع) وقد أصدر عام 2000م (الاستراتيجية العالمية للمأوى) وظل يقدم منحا وجوائز تشجيعية للأفراد والجهات التي تطرح حلولاً مبتكرة وعملية لمشاكل ومتطلبات السكن. وفي عام 2001م أنشئ (برنامج الأمم المتحدة للحق في السكن UN HRP) وتحتفل الأمم المتحدة ب (اليوم العالمي للسكن) أول يوم اثنين من شهر اكتوبر كل عام.
وتشير الإحصائيات إلى أنه يعيش حاليا حوالى (100) مليون شخص في العالم دون مأوى إطلاقا، وأكثر من (مليار) في مساكن غير صالحة للسكن (مساكن الأحياء الفقيرة SLUMS) منهم (200) مليون في قارة افريقيا. وقد تضمنت (الأهداف الإنمائيه الألفية) هدف (مدن بلا أحياء فقيرة) لتوفيق أوضاع (100) مليون من ساكنيها بحلول عام 2020م، كما أنشئ (التحالف العالمي لمدن بلا أحياء فقيرة) الذي دشنه نلسون مانديلا عام 1999م . وفي الدول النامية تقدر الحاجة في العقدين القادمين إلى (35) مليون مسكن كل عام أي حوالى (95) ألف مسكن يوميا ربعها تقريبا في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط . ولأهمية الإسكان يعقد كل من (الاتحاد الافريقي) و(جامعة الدول العربية) لقاءات وزارية دورية حوله.
هذا وقد تم عالميا تعريف (حق السكن الملائم) كالتالي: (يحق لكل فرد الحصول على مأوى صحي وآمن ومحقق للسلامة، وبتكلفة ميسرة ومتضمن للخدمات والتسهيلات والاحتياجات الأساسية، مع حرية اختيار مسكنه وضمان حقه القانوني في امتلاكه وحيازته، ودون التعرض للطرد الاعتباطي أو الإخلاء القسري) . وتؤكد النصوص الأممية على مسئولية الحكومات في اتخاذ كل الخطوات الممكنة للإيفاء بهذا الحق لرعاياها ويطلب منها تقديم تقرير متابعة حوله للأمم المتحدة كل عامين. وتفضل هذه النصوص استخدام مصطلح (مأوى SHELTER) بدلاً من (سكن HOUSE) باعتبار أن المأوى أكثر شمولية حيث يتضمن الستر والظل والحماية من المؤثرات الخارجية الضارة إضافة لتوفيره المتطلبات المعيشية الأساسية
ويجئ التأكيد الأممي على حق السكن نظراً لأهميته القصوى للفرد والأسرة والمجتمع والدولة:
* السكن يحقق حاجات مادية منها: توفير الأمان والحماية من عناصر الطبيعة، حاجات نفسية بتوفير الخصوصية والإحساس بالحيز، حاجات مجتمعية بتوفير مكان لالتقاء وتفاعل الأسرة والمعارف والأصدقاء، إضافة إلى تعزيزه للمواطنة والانتماء إلى (تراب البلد).
* علاقة السكن بأمن المجتمع: فعدم توفر السكن أو ظروف السكن السيئة يفرز سلبيات اجتماعية منها تفشي الجريمة وتعاطي المخدرات وتآكل قيم وعلاقات المجتمع وعدم الاستقرار الأسري بما في ذلك تعطيل أو تأخير الزواج والدفع للهجرة والاغتراب عن الوطن.
* علاقة السكن بالصحة بل بالحياة نفسها مرصودة بالأبحاث والدراسات فالسكن السيئ له صلة طردية بارتفاع معدل المرضى والوفيات خاصة في الأطفال وقد اعتبرت (منظمة الصحة العالميه) منذ عام 1986م أن (المأوى الملائم متطلب أساس للصحة) وأكد على ذلك تقرير مهم أصدره (اتحاد الأطباء البريطانيين) عام 2003م وأبانت دراسة بريطانية أن العمر المأمول لدى المشردين دون مأوى يقل بما يصل إلى (25) عاماً عن المتوسط الوطني.
* كما للسكن علاقة تبادلية مع الفقر، فالفقر يقود إلى التشرد بسبب عدم المقدرة على تملك أو تأجير السكن والتشرد يفاقم من الفقر.
* كما هنالك علاقة تبادلية بين السكن والبيئة.
* ومن ناحية أخرى فإن قطاع الإسكان له علاقة إيجابية بالاقتصاد من خلال الصناعة المتصلة بالبناء ومواده ومن خلال الوحدات الإنتاجية والخدمية المرتبطة بالمجمعات السكنية، خاصة وهو قطاع يتصف بالحركة والنمو. وقد قدر أن كل دولار يستثمر في قطاع التشييد يضيف (3) دولارات للدخل القومي، كما يساهم قطاع الإسكان في الحد من العطالة حيث يستخدم عمالة كبيرة، وفي تعزيز دور القطاع الخاص الاستثماري في مجال السكن، وفي تمدين الريف والحد من هجرة سكانه للمدن وفي تنمية المناطق الطرفية في المدن وعليه في تحقيق التنمية المتوازنة والاستقرار المجتمعي.
* ولكل هذه الاعتبارات وضع السكن الملائم في صدارة أولويات (دولة الرعاية الاجتماعية) وفي حقوق المواطن على دولته.
وضع السكن في السودان: السكن متجذر في قيم المجتمع السوداني؛ فالشخص الذي ليس لديه (ضل) كالعاري من الثياب، كما يعتبر السكن من متطلبات الزواج وأفضل ما يورثه الشخص لأسرته، وأهم الدوافع للهجرة والاغتراب. ولعل كل هذا قاد للمقولة المشهورة (المواطن السوداني يظل يبحث عن قطعة أرض نصف عمره، ويقضي النصف الباقي في البحث عن كيفية تشييد سكن عليها). والجدير بالذكر أن السودان كان من أوائل الدول المبادرة إلى توفير (السكن الشعبي) بداية من حكومة نوفمبر 1958م التي أنشأت (البنك العقاري) وحي الشعبية بالخرطوم بحري، ومرورا بحكومة مايو 1969م التي أنشأت (وزارة الإسكان) أول مرة ولكنها ركزت على توزيع الأراضي (الخطط الإسكانية)، وانتهاءً بحكومة الإنقاذ التي أطلقت عام 2007م شعار (المأوى للجميع) وتبنت (المشروع القومي للإسكان والتعمير) مع (صندوق) خاص به بهدف (تمكين ذوي الدخل المحدود والشرائح الفقيرة من الحصول على السكن الملائم وفق أسعار مناسبة) وأعادت البنك العقاري لهذا الغرض بعد أن كانت قد خصخصته قبل عدة أعوام.
ورغم ما يبدو ظاهرياً خاصة في ولاية الخرطوم من وجود مساكن عديدة حديثه إلا أنها تختص بشرائح محدودة من المجتمع (الموسرين ورجال الأعمال وبعض المهنيين والمغتربين) ولا تتوفر لذوي الدخل المحدود (ومنهم معظم الطبقة الوسطى) والفقراء وهم يشكلون أغلبية السكان. وللأسف لا توجد إحصائيات حديثة وموثوق بها عن الحاجة الفعلية للسكن، لكن الشواهد تشير إلى أنها كبيرة وفي ازدياد مستمر على خلفية النمو السكاني والهجرة من الريف للمدن خاصة العاصمة القومية وقد أظهر التعداد السكاني الأخير (الخامس) فجوة إسكانية واضحة، ولا جدال في أن السكن يشكل حالياً هاجساً كبيراً لمعظم المواطنين ووصل الوضع إلى حد (أزمة سكن). ويستوجب التصدي لمشكلة السكن في السودان معالجة مجمل القضايا المتعلقة بها وتشمل: الأرض، ومواد البناء، وعمالة البناء، وأنماط المباني، والخدمات المصاحبة، والتمويل، والأطر المؤسسية والإدارية والقانونية، وما يحيط بكل ذلك من سياسات واستراتيجيات وأولويات وخطط الدولة في قطاع الإسكان.
الأرض: كما أشرنا آنفاً فقد تمثلت الممارسة السائدة في السودان سابقاً في توزيع الأراضي السكنية على المواطنين وحيث لم يستطع عدد مقدر منهم إيجاد التمويل المطلوب لتشييد مساكن عليها فقد باعوها فراجت تجارة الأراضي السكنية المخططة مع دخول السماسرة فيها مما ساهم في غلاء سعر الأرض خاصة في الخرطوم حتى صار سعر الأرض فيها الأعلى في عواصم العالم مستنزفاً في بعض المواقع ما يصل إلى (40-50%) من التكلفة الكلية للمسكن (مقارنة بالمتوسط العالمي 10-15%). وحالياً عُدل هذا التوجه بالاستعاضة عن توزيع الأراضي بدعم تمويل تشييد المساكن وهو أمر إيجابي، كما كانت الممارسة المتبعة تصنيف القطع السكنية إلى درجات أولى وثانية وثالثة استناداً أساساً إلى عوامل اقتصادية: (مساحة الأرض، وسعرها ورسومها، ونوعية مواد البناء، ومدة الحكر) دون إعطاء اعتبار للبعدين الاجتماعي والبيئي، وقد ساهم هذا في (تكريس سكن طبقي) للمجتمع ولكن يبدو أن تغيير نوعية البناء وتطوير المباني في الأحياء الشعبية قد كسر حدة هذا التصنيف ويتعين السير في هذا الاتجاه. المطلوب الآن: حصر جميع الأراضي المملوكة للدولة ومن ثم إخضاعها لعملية فرز تحدد أولاً احتياجات مشاريع الدولة الإنتاجية والخدمية، ومن ثم توزيع الجزء الأكبر من الأرض المتبقية لإنشاء مجمعات سكنية مدعومه للمواطنين، والجزء الأخير للسكن الاستثماري.
مواد البناء: تعتبر من أكبر معوقات تشييد المساكن في السودان لغلاء أسعارها خاصة المستورد منها وعدم توفرها أحيانا وضعف جودتها أحيانا أخرى. ويتعين السعي لخفض أسعارها بتقليص الرسوم الجمركية والضرائب والجبايات ورسوم الإنتاج. ولكن يكمن الحل النهائي في استنباط وتطوير مواد بناء محلية وتصنيعها بتقنيات بسيطة وكميات وافرة، خاصة مع توفر مواد طبيعية في السودان (اسمنت، جبص، جير، خشب غابات ونخيل، بامبو، خام حديد ورماد ومواد مستخرجة من النفط، وبالطبع التراب) وقد أوصت البحوث الهندسية باستخدام منتجات (الطين المطور) باعتبار رخص ثمنها وتصالحها مع البيئة ومحافظتها على درجة حرارة ثابتة، كما يمكن تمتينها وحمايتها من التآكل من الأمطار وذلك بإضافة مواد مثبتة أو عازلة. ومن شأن ذلك إضافة لتقليل التكلفة دعم وتطوير حرفة البناء التقليدي. وقد شرعت ولاية الخرطوم في تجربة منح كل مجموعة من الأسر المستهدفة بالسكن ماكينة لصناعة الطوب المضغوط وهي بداية في الطريق الصحيح.
البناء ونمط المباني: كما هو معلوم فقد كان نمط السكن في السودان في الماضي (أفقيا) يشكل "الحوش" معلما مهما فيه حيث كان هنالك متسعا من الأرض مع ترسخ مفهوم "الأسرة الممتدة" و"النفاج" بين الأسر المتجاورة، كما لم تكن هنالك مشاكل أمنية تحول دونه. ولكن الممارسة حاليا هي السكن (الرأسي) الذي يوفر الأرض والخدمات والأمن ويوزع التكلفة على عدة أشخاص بدلا من شخص واحد. ولكن هنالك محاذير من المجمعات السكنية الكبيرة التي تحوي العديد من العمارات العالية والمتجاورة بطوابق متعددة وشقق صغيرة فقد أبانت الدراسات سلبيات اجتماعية وصحية ناجمة عنها خاصة فيما يتعلق بنمو وتربية الأطفال والاحتكاكات في شريحة المراهقين والشباب وأحيانا ازدياد الجريمة وتعاطي المخدرات والأمراض المعدية. وعليه فمن الملائم تحديد عدد الطوابق السكنية (ربما 4 حداً أقصى) وزيادة مساحة الشقق قدر الإمكان حسب حجم الأسر المستهدفة (مثلاً في مصر هنالك شقق صغيرة للمتزوجين حديثا)، مع توفير قاعات بها لتواصل السكان وإحياء المناسبات، وفراغات بين العمارات، وعموما مراعاة متطلبات البيئة (السكن الأخضر) واحترام كرامة السكان. وليكن الهدف الانتقال من مفهوم (المجمعات السكنية) إلى مفهوم (المجتمعات السكنية). وتشير إلى تفشي (السكن العشوائي (SQUATTERS في ولاية الخرطوم وبعض المدن الأخرى وأضراره معلومة ويعتبر (سبة) في وجه المدينة ولن ينتفي وجوده إلا بمعالجة جذور أسبابه، ولكن يتعين التخلص منه تدريجيا ليس فقط عن طريق الحسم القانوني وما يرتبط به من إزالة قسرية غير مرغوبة إلا في الضرورة القصوى، وقد انتقد السودان بشأنها، ولكن بإيجاد السكن البديل حتى لو كان متواضعا ومؤقتا مع إشراك ساكنيه واللجان الشعبية في الحل الملائم. ونشير إلى وجود (مركز حقوق السكن والإخلاء القسري (COHRE الذي أنشئ عام 1994م ومقره جينيف سويسرا.
العمالة: هناك ازدياد مضطرد في أعداد عمالة البناء من الأجانب. وسواء كان وراء ذلك نقص في مهنية العمالة السودانية أو استرخائها وعدم التزامها بعامل الوقت أو ارتفاع أجورها فكلها عوامل مطلوب معالجتها لئلا نستبدل مشكلة السكن بمشكلة العطالة.
الخدمات المصاحبة: من الملاحظ وجود مناطق في ولاية الخرطوم اكتملت فيها العديد من المباني ولكن لم يسكنها أصحابها لعدم وصول الخدمات الأساسية لها. والمفترض أن يكون الأمر بالعكس أي تخطيط الخدمات وإيصالها لمواقع المجمعات السكنية قبل الشروع في بناء المساكن. وإضافة للخدمات الأساسية (مياه الشرب، والكهرباء) فهنالك خدمات أخرى مهمة تشمل: الصرف الصحي والنفايات، وأقسام الشرطة، والمرافق الدينية، والبقالات، والطرق والمواصلات والاتصالات، والأوفق أن تنشأ هذه المرافق وتشغل وتصان بواسطة القطاع الخاص مع ضوابط تحكم ذلك، أو الشراكة بينه وبين القطاع العام.
التمويل: هنا مربط الفرس فبدون التمويل المطلوب والمقدور عليه لن يتمكن غالبية المواطنين من تشييد مساكنهم حتى لو توفرت لهم الأرض. وكما أشرنا آنفا لن تستطيع الدولة وحدها توفير السكن للمواطنين مجانا ولا بد من مساهمتهم معها حسب المقدرة وبشروط ميسرة عبر آليات مقتدرة وعادلة وشفافة ومستدامة. الآلية الحالية من المصارف التجارية ليست ملائمة سواء من ناحية طلب الضمانات أو فترة تقسيط السداد (وهي عشرة أعوام) والمطلوب مثلا الاكتفاء بالضمان الشخصي وقبول الرهن العقاري وامتداد التقسيط إلى (20-30 عاما). للبنك العقاري أهمية قصوى إذا ما توفر له المال الكافي ووعى خصوصيته (خلافاً للمصارف التجارية) التي تتطلب استجابته للبعدين الاقتصادي والاجتماعي للمستهدفين بأن يعطي أولوية القروض لذوي الدخل المحدود (70-80% من مجمل تمويله) وأن يأخذ مستوى دخولهم في الاعتبار عند تحديد كيفية السداد. آلية التمويل الأصغر مع أهميتها لا يزال دورها ضعيفاً ويتعين على بنك السودان المركزي أن يشكل ضغطاً أكبر على البنوك التجارية حيالها. من الآليات المفيدة المجربة (التعاونيات الإسكانية) ويتعين على الدولة تشجيعها وتعزيزها ودعمها. الصندوق القومي للإسكان والتعمير نأمل الأ تصيبه (أمراض) الصناديق الاجتماعية الأخرى التي أقعدتها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المستهدفين منها رغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة لها. القطاع الخاص لن يكون تشييد المساكن الشعبية جاذباً له لضعف مردودها الاستثماري إلا إذا منح تحفيزات مثل خفض سعر الأرض والضرائب وخاصة إذا دخل في شراكة مع القطاع العام. القروض الخارجية لها دورها إذا كانت بشروط ميسره وتجربة (القرض الدوار) من الصين الذي تتبناه حالياً ولاية الخرطوم تجربة جيدة. عموماً من الضروري تقليل تكلفة السكن بخفض رسوم مختلف المعاملات المتعلقة به وقد أعلنت ولاية الخرطوم عن ذلك مؤخراً ولكن لفترة محدودة والمطلوب استدامتها.
السكن عن طريق الإيجار: هذا أيضاً مكلف كثيراً حالياً فقد يستنزف حتى (50%) من دخل الموظف أو العامل (عالمياً حداً أقصى 30%) ويتعين إعادة النظر في الضوابط التي تحكم الإيجار السكني والعلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر. ولعالمية هذه المشكلة فقد أنشئ (الاتحاد العالمي للمستأجرين) منذ عام 1926م ومقره زيورخ بسوسرا .
الأطر المؤسسية والإدارية والتشريعية:
* وضع سياسات واستراتيجيات وخطط قومية للإسكان تكون منهجية ومستدامة مع التنسيق القومي والولائي والمحلي وإزالة الازدواجية وتضارب الاختصاصات بين الوزارات والمؤسسات المعنية وربما النظر في إعادة (وزارة الإسكان) لمحورية قضية السكن.
* إعادة النظر في القوانين والتشريعات التي تحكم حيازة الأرض واستخداماتها وعملية البناء بحيث تكون مهيأة ومسهلة لحل قضية السكن.
* تنمية الموارد البشرية وتطبيق مفاهيم الهندسة والإدارة (القيمية) في قطاع الإسكان.
* توفير قاعدة معلومات إسكانية تحدث دورياً.
* مراجعة وتقييم تجارب السكن التي نفذت بالبلاد (الشعبي، الاقتصادي، الاستثماري) مع الاستفادة من التجارب العالمية في هذا الصدد.
* الاستفادة من (العون الفني) الخارجي خاصة من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، والبنك الدولي.
* تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني (خاصة التعاونيات) والمواطن المستهدف على أن تحتفظ الدولة بدور القيادة والرعاية وتقديم الدعم المالي حسب مقدرة المستهدفين بالسكن ولن يتأتى ذلك للدولة إلا عبر إرادة قوية والتزام سياسي وقناعة راسخة لديها بأولوية قضية السكن لمواطنيها وإيفاءً منها لمتطلبات المواثيق الأممية المتعلقة بالسكن التي صادقت عليها والتزمت بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.