أسامة... صاحب الملف (539) تحقيق: سهير عبد الرحيم تصوير: سعيد عزت أسامة طفل كابتسامة الصباح، وزغرودة الفجر, واتكاءة القمر, مثل بشارة العيد, ولحن المساء، وفأل العديل والزين, طفل جميل القسمات باسم الثغر حلو الحديث، كثير الرحمة.. قليل الغضب... هو اول فرحة لوالديه (دفع الله) وأمه (النية) وهو البكر وقيثارة الفرح في الأسرة سماه والده (اسامة) تيمنا بالصحابي الجليل (أسامة بن زيد بن الحارث)، وكان منذ السادسة من عمره يؤدي الصلاة في اوقاتها ويصلي الجمعة في مسجد الحي الكبير. * كرم ينمو مع صاحبه كان طفلا استثنائيا... شاهده والده مرة وهو يقدم مصروفه لأبناء عمته التي كانت في زيارة لهم بصحبة ولديها، فما كان من أسامة ألا أن قدم مصروفه للصغيرين مناصفة فيما بينهم. تماما كما يفعل الكبار عندما يزورون اقاربهم فيدس احدهم يده في جيبه ويعطي ما تجود به نفسه للصغار فيتمنعون قليلا ثم لا يلبثون أن يفرحوا بتلك النقود، هكذا كان أسامة رغم صغر سنه ألا أن تصرفاته تسبق عمره البض بكثير. * موجود وغير موجود ولم يختلف الحال كثيرا في المدرسة فأسامة هو (الرابع) في مدرسة تعتبر الأولى على مستوى ولاية سنار، وتقول عنه استاذته (أسامة) في الفصل كأنه موجود وغير موجود فهو موجود عند الأسئلة يرد ويتفاعل مع الدرس وهو غير موجود لأنه لا يشاغب. * تعليم والدته كانت علاقته مع والدته تفيض بالمودة والرحمة فكان يساعدها على جلب اغراض البقالة، كما آل على نفسه أن يعلمها القراءة والكتابة فكان يجلس بجانبها يتجاذب معها اطراف الحديث في (ونسة) بريئة ثم يمسك بيدها والقلم معا ويبدأ في تعليمها..ألف....باء....تاء..بصبر وتأن دون كلل أو ملل، كما كان يردد لها بعض الآيات من القرآن الكريم لتستطيع حفظها وقراءتها اثناء الصلاة. * الثلاثاء الأسود وبصوت تخنقه العبرة ويغلب عليه الأسى بدأ (دفع الله عبد الوهاب الصديق) والد أسامة يحكي رحلة اختفاء ابنه فقال: في يوم الثلاثاء 6/5/2008 وصادف الإجازة السنوية وفي تمام الساعة الواحدة ظهرا جاءني أسامة في السوق واعطيته مبلغ (40) جنيها لشراء بعض الأغراض للمنزل من خضروات وغيرها وفعلا اشترى أسامة اغراض المنزل وذهب إلى البيت وبعد منتصف النهار صلى الظهر ثم اخذ قسطا من الراحة اعقبه بحمام دافئ وجلس قرب التلفاز يشاهد برنامجا للأطفال يبث عبر التلفزيون القومي.. جلس أسامة يشاهد البرنامج مع اخوته الصغار ثم قال لوالدته: هناك دلالة طرفية تباع فيها الموبايلات والبلي استيشن وبها دراجات... اريد الذهاب إلى هناك. فقالت له والدته: لا تذهب إلى مكان كهذا. فرضخ لأمر والدته على مضض وجلس قليلا في البيت وبعد نصف ساعة خرج إلى الشارع ولم يعد مرة اخرى. وعندما بدأت الشمس في جمع اشعتها وحزمت ضوءها في حقائب العودة... بدأ القلق ينتاب امه فلم يكن من عادته أن يتأخر بعد مغيب الشمس. * رحلة البحث وبدأت رحلة البحث... عند الجيران والأهل والأصدقاء وعابري الطريق في المستشفيات واقسام الشرطة والقرى المجاورة في خلاوى القرآن وعند الأهل بالمدن وفي المشرحة وفي جثث الغرقى ومجهولي الهوية في البر والبحر وعلى اعشاش الطيور وتحت الحجارة في كل شبر من سنار وما جاورها ولكن لا اثر... وكأن أسامة حلم تبخر في الهواء. تحولت حياة الأسرة إلى كتلة من الجحيم والدته يعتصر قلبها الألم ولا تفارق الدموع عينيها تجهش بالبكاء كلما حضرت الإفطار لصغارها وهم في طريقهم إلى المدرسة وحقيبة أسامة خالية من الإفطار وكلما ظهرت نتائج العام وكلمة غائب ترافق اسمه وكلما لعب الأطفال الكرة امام منزلهم دون أن يكون أسامة ضمن خط الدفاع أو في حراسة المرمى... تحترق والدته كل ما غطت صغارها من لسعات البرد ووجدت فراشه خاليا وغطاءه حائرا يسأل عن صاحبه... وتموت والدته الف مرة كل ما تعثرت في طريقها بقميص أو حذاء أو قلم أو دفتر فيه من بقايا رائحته شيء. وتتساءل هل يا ترى أسامة جائع ام عطشان؟ مهان ام مريض؟ مقيد ام معصوب العينين؟ ويتساءل اخوته (نسيبة) 8 سنوات و(محمد) 6 سنوات اين اسامة؟ ومتى يعود؟ يجلسون في فناء منزلهم ويتطلعون إلى القمر ويرددون (هوي يا القمرة ارمي سنسنا الحمرة شوفي أسامة ليه ما جا). * رقم غريب وفي رحلة البحث عن أسامة كان هاتفه الجوال واحد من ادوات البحث فعثرت اسرته على رقم غريب لشاب في ال(27) من العمر يسكن بمنطقة دار السلام والتي تبعد جغرافيا كثيرا عن سنار، وبالبحث والتحريات توصلوا اليه ولكنه انكر تماما معرفته بأسامة... مما فاقم حيرة اهله فكيف اتى هذا الرقم إلى جوال اسامة؟. * نعم....لدي أعداء يقول الأب (دفع الله) نعم... لدي اعداء وقد اشرت بأصابع الاتهام مباشرة إلى اشخاص سميتهم لأفراد المباحث ورجال الشرطة، وهم اناس تطورت الخلافات بيننا بسبب التزامات مالية لم يوفوا بها نحوي وقد منحتهم اكثر من فرصة للسداد دون جدوى مما اضطرني للزج بأحدهم في السجن، وهذا الذي تم سجنه كان مرتبطا بإحدى الفتيات وقد خطبت له وتم تحديد موعد لعقد القران وبعد أن سجن بدأ اهالي الفتاة في اختلاق الأعذار ولم يكملوا اجراءات عقد القران... مما اثار حقده علي ولم يمض على هذا الحديث غير اسبوعين حتى اختفى بعدها اسامة. * تهديد.. قديم وقد سبق أن تلقى والد أسامة تهديدا من احدهم حيث قال له (سأدمركم واحرق دكاكينكم) وقتها لم يعر دفع الله التهديد كثير اهمية ورغم ذلك الا انه اخبر به وكيل نيابة سنار. * الملف (539) الآن أسامة عبارة عن ملف بطرف التحقيقات الجنائية بحري يحمل الرقم (539) موضوع على رف أكل عليه الزمن. اربع سنوات يسأل والده لو كان أسامة ابن احد الوزراء أو القيادات العليا في الدولة هل سيكون مصيره أن يصبح مجرد رقم أو بضع اوراق قد تأكلها الأرضة وعوامل الزمن...؟ بحق السماء ايها السيد وزير الداخلية، والسيد المدير العام للشرطة, والسيد المدير العام للمباحث المركزية.. لا تجعلوا أسامة رقما في الأرشيف.