لن يمر المؤرخون العرب على يوم أمس الثاني عشر من فبراير مرور الكرام دون أن يتوقفوا عند محطة مهمة سيسمونها لا محالة محطة الدابي تيمناً بمواطن سوداني شريف قال لا في وجه من قالوا نعم. قال (لا) حين عجزت حكومته ذاتها عن قولها. سكتت الخرطوم إذ في فمها علقم المال والنفط وأمام ناظريها مصالح البلاد التي تتطلب مواقف وسط ومتباينة في محيط غليظ لا يرحم. الحكومة قلبها مع دمشق وسيفها ضد الشام ومن حسن الحظ أن الدابي لم يكن ممثلاً لحكومة السودان لتملي عليه ما يدسه (إخوة يوسف) في أذنها. كان الفريق محمد مصطفى الدابي ينصت لصوت ضميره وحده وفي الخلفية تنشد دمشق بصوت محمود درويش: اخوتي لا يحبونني/ لا يريدونني بينهم يا أبي/ يعتدون علي ويرمونني بالحصى والكلام/ يريدونني أن أموت لكي يمدحوني/ فماذا فعلت أنا يا أبي. كان يمكن للفريق الدابي أن يحني رأسه للعاصفة لكن الهامات الشامخة عصية على الإنحناء. كان يمكنه أن يبصم مع إخوة يوسف على تقرير مضلل كتبوه قبل أن يفرغوا من تكوين بعثة المراقبين. كان يمكنه أن يصبح ضيفاً يومياً على ماكينة الإعلام العربي (التافه) التي وصفها ذات يوم باحث محترم بأنها ماكينة إعلام (رخو) تحرص على إبقاء الرجال في المنازل لمتابعة المسلسلات العابثة والفيديو كليبات، بينما يتفرغ أصحابها لضبط الشوارع. إن ماكينات الإعلام التي تحرق الآن الزيت ليبقى السوريون في الشوارع ستحتاج الى آلاف (القيان والجواري والراقصات) ليبقى أصحابها في البيت. الشارع الذي تدعون اليه الناس في سوريا هو نفس الشارع الذي سيمتليء بضحاياكم قريباً وحينها لن يتحول النفط إلى ملاذ. الذئب في واشنطن كان رحيماً، إذ ترك مهمة النحر القاسية لإخوة يوسف، وإخوة يوسف أخطأوا التقدير حين اختاروا سودانياً نقياً يحمل عنهم الوز ووجه القباحة أمام التاريخ والسنة والشيعة ومحمد حسنين هيكل. ربما اعتقدوا أن الطرف (الهامشي) البعيد لن يهمه ما يحدث في قلب العروبة، وإن همّه الأمر –على غير ما يرومون- فإن فقر أهل بلاده كفيل بجره الى الوراء. حين قال الدابي لا، أسقط في يدهم فحاولوا الهبوط من السفينة وإثارة الرأي العام ضده عبر توفير زمن البث التلفازي الغالي الثمن لشانئيه من أمثال أنور مالك. أصدر الدابي تقريره، فلم يجدوا بداً من إحالة الأمر الى الذئب لكن الصين وروسيا كانتا أكثر براً، ولو كانت واشنطن تريد حقاً أن يصدر مجلس الأمن قراراً حاسماً ضد دمشق لضغطت على الصين مثلاً، لكن واشنطن الآن تفكر بصوت مسموع وتقول إن تسليح المليشيات المناهضة لحكومة الأسد خطأ ينبغي أن يتوقف فوراً. الآن يبحث إخوة يوسف عن ضحية ليوقع على تقريرهم وحتى ذلك الحين ستظل خضراء الدمن تلعن الدابي وحين تقف ضدك (الشرق الأوسط) فأنت في المكان الصحيح.. شكراً الدابي، رفعت رأسنا ونحن بك فخورون!