رغم ان النزاع النفطي بين السودان وجنوب السودان زحف الى بعض تقارير المنظمات الاقليمية والدولية المهتمة بقضايا الطاقة من باب تاثير قرار جوبا وقف الانتاج على وضع الامدادات ومن ثم الاسعار خاصة والسوق العالمية تشهد حالة من الشد والضغط بسبب تطورات الملف الايراني، الامر الذي يفترض ان يعطي المنتجين الصغار مثل جنوب السودان ثقلا اضافيا، الا ان واقع الحال يشير الى ان السوق اتجهت فعلا الى شطب الامدادات من جنوب السودان في الوقت الحالي على الاقل. فمثلا ادارة معلومات الطاقة الامريكية قالت في تقريرها لهذا الشهر ان بعض التطورات التي تشهدها السوق ومن بينها توقف الامدادات النفطية من جنوب السودان لم تؤثر في تحديد اتجاه حركة الاسعار. اما الوكالة الدولية للطاقة فلا ترى عودة لنفط جنوب السودان الى الاسواق حتى نهاية العام حتى وان تم التوصل الى اتفاق حول رسوم العبور بسبب عدم الثقة والشك. الاوبك في تقريرها لهذا الشهر توقعت ان تتراجع الامدادات من جنوب السودان بنحو 30 الف برميل يوميا من انتاج يقدر بحوالي 350 الفا، لكنها تشير الى شح المعلومات وتضاربها الى جانب وجود خطورة بسبب تطورات الوضعين الامني والسياسي مما قد يؤثر على معدل الامدادات من خارج الدول المنتجة من خارج الاوبك ويتطلب مراجعة التقديرات ان تكون هذا العام في حدود 680 الف برميل يوميا لترفع نصيب الامدادات من غير الاوبك الى اكثر من 53 مليون برميل يوميا. تراجع وضعية نفط جنوب السودان فيما يتعلق بالامدادات من خارج الاوبك يعني اضعافا للبعد الخارجي خاصة فيما يتعلق بالارتباط بالاقتصاد العالمي، الامر الذي سيجعل هذه العلاقة محكومة، وحتى اشعار اخر، بسقفها القديم المتمثل في العون الانساني الى جانب الصلات القديمة للحركة الشعبية بالعديد من العواصمالغربية خاصة واشنطون، اي بصورة اخرى فان النقلة الموعودة بالتحول الى الجانب التنموي والاسهام في تاسيس البنية التحتية للدولة الوليدة يبدو انها ستحتل مكانة متاخرة. واذا كان النزاع السياسي بين السودان وجنوب السودان ادى الى هذا الوضع، فان بعض التطورات التي تشهدها السوق النفطية تنبىء عن نقلة سيكون لها ما بعدها على المستوى الجيوستراتيجي. ويظهر ذلك في انه وبعد مضي نحو نصف قرن من الزمان احتلت فيه منطقة الشرق الاوسط مركز الثقل فيما يتعلق بالسوق النفطية والامدادات للمستهلكين الغربيين، بدات بعض الاشارات في البروز ان ذلك الوضع يتجه الى تغيير ما وتحول الثقل الى منطقة الباسفيكي واكتماله في مطلع العقد المقبل، اي في نحو فترة ثمانية اعوام فقط، كما يقول مؤرخ الصناعة النفطية المعروف دانييل يرجن. فهناك ميدان استغلال نفط الرمال الكندي وزيادة حجم الامدادات منه من مليون ونصف المليون برميل يوميا في الوقت الحالي الى نحو ثلاثة ملايين برميل في العام 2020، مما سيضع كندا اضافة الى انتاجها التقليدي الحالي في المرتبة الخامسة انتاجيا على مستوى العالم، وهناك ايضا التحولات التقنية التي جعلت من الممكن للبرازيل ان تنجح في استخلاص النفط من اعماق المياه في الطبقات القبل الملحية، ويقدر لها ان تنتج نحو خمسة ملايين برميل في العام 2020 كذلك. وايضا نجاح الولاياتالمتحدة في استخدام تقنية متقدمة في الحفر الافقي والتكسير الهيدرولوجي للوصول الى نفط محتجز في الصخور. التجارب التي تمت بنجاح في داكوتا الشمالية اسهمت في رفع الانتاج عبر هذا الاسلوب الى 200 الف برميل يوميا في الوقت الحالي ثم الى قرابة ثلاثة ملايين برميل يوميا في مطلع العقد المقبل كذلك. وستسهم هذه الملايين من البراميل التي تتجاوز العشرة في تحويل مركز الثقل غربا الى الباسفيكي مستفيدة من هذه الاختراقات التقنية المتناثرة التي لم يخطط لها بصورة موحدة. يصعب التنبؤ بالتبعات السياسية والاقتصادية الاستراتيجية لمثل هذا التحول خاصة مع تتالي موجات العولمة ونمو ثورة الاتصالات وقطاع المعلومات محركا للاداء الاقتصادي رغم ان الثروات الطبيعية والموقع الجغرافي للشرق الاوسط وشمال افريقيا سيجعله محتفظا بمكانة متميزة على الاقل ووضعا في الاعتبار تحولات موازين القوى نحو الشرق الاقصى. فمنطقة الخليج شكلت الجائزة الكبرى فيما يتعلق بمخزون النفط وامداداته، وهي الحقيقة التي عبر عنها اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز ال سعود والرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت في البحيرات المرة عقب الحرب العالمية الثانية ووضعت اسس العلاقات بين الاثنين المستمرة لاكثر من 60 عاما، لكن ظل هاجس الادارات الامريكية المتعاقبة كيفية تقليل اعتمادها على نفط هذه المنطقة خاصة مع بروز انظمة مناوئة كما في الحالة الايرانية والتهديد باغلاق خليج هرمز. احد الخيارات البحث عن بدائل مما ادى الى بروز القارة الافريقية مصدرا محتملا لنحو ربع الواردات النفطية الى الولاياتالمتحدة، وانها اذا اتخذت غرب افريقيا منطلقا للتصدير فانها تتجنب اي احتمالات اغلاق، اذ يمكنها الانطلاق من موانىء غرب افريقيا عبر المحيط مباشرة الى السواحل الامريكية. على ان للقارة الافريقية متاعبها كما هو واضح في الحالة النيجيرية وهاهو جنوب السودان يمر بمرحلة سياسية تدفعه الى وقف انتاجه النفطي. وبالنسبة للمستوردين فان امن الطاقة يعني ضمان تدفق الامدادات الى جانب وضع الاسعار. ومع المتغيرات المشار اليها بانتقال مركز الثقل النفطي تدريجيا الى منطقة الباسفيكي، فان الحديث عن صراع امريكي صيني على نفط الجنوب يكتسب قدرا من الضعف خاصة في غياب اكتشافات جديدة، لكن على الرغم من ذلك فان علاقات جوبابالعواصمالغربية ستظل دافئة، لكن مع بروز دور اكبر للقوى المحلية والاقليمية، وهو ما يتضح من الدور المستمر للاتحاد الافريقي سواء في دارفور او علاقات السودان وجنوب السودان عبر لجنة ثابو امبيكي. بل حتى عملية نزع السلاح من ابيي تمت عبر قوة اثيوبية رغم انها تعتمر قبعات الاممالمتحدة الزرقاء وتتحرك وفق الفصل السابع الشهير، الا انه في واقع الامر فان العقيد تسفاي قائد القوة مهتم بما تقوله له اديس ابابا، لا نيويورك التي توفر له الموارد المالية والتجهيزات اللوجستية. ورئيسه ميليس زيناوي مهتم بمعادلاته الاقليمية اكثر من حفظ السلم العالمي.