ثنائية (التفاؤل) و(التشاؤم) في مؤتمر التعليم شهد الأسبوع الماضي ختام فعاليات مؤتمر التعليم الذي شرف جلسته الافتتاحية رئيس الجمهورية المشير عمر البشير في ما حضر الجلسة الختامية النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه والذي قام باستلام التوصيات الختامية للمؤتمر. لعل أهمية المؤتمر نابعة من ارتباط التعليم ومخرجاته بكل أفراد الشعب السوداني بجانب التلازم ما بينه وما بين الرفاه الاقتصادي إذ إن الشعوب والدول المتقدمة في مجال التعليم تكون مصحوبة بتطور ونمو اقتصادي، وتقف التجربة الماليزية كأكبر شاهد عملي على هذا الأمر حيث قادها التطور التعليمي نحو الرفاه الاقتصادي. حمل المؤتمر بين طياته عدداً من البشريات لعل أبرزها ما جاء في خطاب البشير في الجلسة الافتتاحية بإعلانه رفع السن المعاشية لأساتذة الجامعات ل65 عاماً وتعيين مدراء الجامعات بقرار رئاسي بموجب توصية من وزير التعليم العالي عقب انتخابهم من قبل مجلس أساتذة الجامعة. ولعل القرار الخاص بزيادة السن المعاشية لأساتذة الجامعات يفتح الطريق أمام إصلاح الكارثة التاريخية التي تسبب فيها قانون الخدمة المدنية جراء النظرة البيرقراطية التي كانت تتعامل مع أساتذة الجامعات باعتبارهم (موظفين ديوانيين في سلك الخدمة العامة) والتمسك بإحالتهم للمعاش بعد بلوغهم سن ال60 وهو أمر مدهش ومحير باعتبار أن أساتذة الجامعات في كل أنحاء العالم لا يحالون للمعاش ويوقفون عن التدريس إلا في حالة رغبتهم الشخصية بالتقاعد أو عدم مقدرتهم على توصيل المواد لطلابهم بشكل صحيح في حالة المرض الشديد. أما أبرز النقاط التي تزيد حالة التشاؤم من مخرجات المؤتمر تتمثل في عدم حسمه للقضية الخاصة بالسلم التعليمي بشكل نهائي من خلال تقديم حلول ومعالجات (تعيد إنتاج القديم في قالب جديد) فالقضية الأساسية في السلم التعليمي الثنائي الذي ابتدع في عهد وزير التربية والتعليم الأسبق عبدالباسط سبدرات هو مخالفته ومفارقته للتطور الطبيعي للطالب الذي يتدرج خلال سنواته الدراسية بين ثلاث مراحل هي (الطفولة) و(المراهقة) و(البلوغ) ولكل فترة متطلباتها التربوية والتعليمية المختلفة عن الأخرى، ولذلك فقد بدت توصية المؤتمر الخاصة بالإبقاء على سنوات الأساس الثمانية كما هي مع زيادة المرحلة الثانوية سنة رابعة هو عين الالتفاف على جوهر القضية المتمثل في مفارقة السلم الثنائي للاحتياجات الطبيعية للطلاب والطالبات وفي القريب العاجل ستظهر للعيان الآثار الجلية والكارثية لهذا السلم الثنائي. بالنسبة لي فقد بدا واضحاً أن الجهة التي صاغت التوصيات قررت أن (تراعي) الأوضاع الاقتصادية التي تعانيها الدولة وقررت أن تعينها بعدم التوصية بإضافة مرحلة تعليمية جديدة تكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة، رغم أن هذه الخزينة لديها القدرة على إنشاء ولايات جديدة بكل أجهزتها التنفيذية والتشريعية وهذا التوسع في هياكل التعليم لو قامت به الحكومة لما وجدت من يعارضها أو يلومها عليه باعتباره أمر يصب إيجاباً لصالح كل السودانيين باعتباره يتعلق بمستقبل أطفالهم. القضية الثانية تتمثل في التوصية الخاصة بزيادة الإنفاق العام للدولة على التعليم، وهي توصية مكررة سبق أن طالب بها المجلس الوطني ولن يتم تطبيق هذه التوصية إلا عقب إجراء تعديلات أساسية في السياسيات الاقتصادية والتوجهات العامة التي تتباها الحكومة. ذات الأمر تكرر في المناهج ومحتواها التي وضح أنها تحتوي على قدر كبير من التفاصيل التي ترهق الطلاب حتى في حمل حقائبهم، أما جدل (تأصيل) المناهج فهو إعادة تكرار لما ظل يردد ويكرر فإذا كان المنادون بالتأصيل يقصدون به (إنتاج المعرفة) فهو أمر لا خلاف عليه ولكنهم حتى اللحظة يقصدون ب(التأصيل) إرجاع المعرفة المنتجة ومضاهاتها بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، فالصحيح أن يقوم هؤلاء (المأصلين) بإنتاج معرفة علمية ووقتها سيكونون قد نالوا الحسنيين بإضافتهم المعرفية وإثباتهم علمية القرآن الكريم والسنة النبوية، سيما أن علماء المسلمين الذين قدموا إسهامات علمية مميزة لم يركنوا (للمضاهاة) وإنما جنحوا لإنتاج المعرفة. لعل السؤال الأساسي الذي كان يستوجب أن يبحث المؤتمرون الإجابة عليه هو الصلة بين تردي التعليم وتراجع الإحساس بالانتماء القومي والانغلاق والتقوقع القبلي والعشائري وارتباطه بالاختلال الاقتصادي والتنموي باعتبار أن هذه القضية هي التي تحرك الصراعات المسلحة الناشبة في السودان، وفي ذات الوقت الحصيلة الفعلية على الأرض منذ تنازل المركز للولايات عن سلطة الإشراف على التعليم ومقدار النجاحات والإخفاقات التي تحققت في هذا الجانب، ولعل النتيجة النهائية التي قد يخلصوا لها بعد مناقشة هاتين الجزئيتين هو مطالبة الحكومة الاتحادية بأن تسحب تنازلها الطوعي عن تلك السلطة والتكفل بمسؤولية التعليم بسبب التفاوتات المتزايدة بين الولايات فيما يتصل بالتعليم وبنياته التحتية والتي تتمظهر في نتائج امتحانات الشهادة السودانية وتتجلى في تزايد التفاوتات الاقتصادية والتنموية بين مختلف الولايات. خيارات بكين الصعبة تبدو الصين هي المتضرر الأكبر والأبرز من الخلافات الأخيرة التي استعرت بين شطري السودان الشمالي والجنوبي مؤخراً والتي أدت لإيقاف جوبا إنتاج وضخ نفطها عبر المنشآت النفطية لجارها الشمالي. وخلال الأسبوع الماضي بدأ الشطر الجنوبي في التحرك بشكل أوسع في تنفيذ التهديدات التي أطلقها رئيسه سلفاكير ميارديت إبان مخاطبته لجنود الجيش الشعبي بقيادة بلفام قبل أكثر من أسبوعين والتي توعد فيها بمقاضاة الحكومة السودانية وشركات النفط بتهمة سرقة نفط بلاده، حيث أصدرت محكمة بريطانية قراراً يقضي بالحجز على عائدات باخرة محملة بنفط سوداني رأسية قبالة الشواطئ اليابانية لحين الفصل في النزاع الدائر حول ملكية كميات النفط الذي تحمله بين السودان وجاره الجنوبي. لكن الخطوة الأبرز تمثلت في طرد الجنوب لمدير شركة بترودار صاحبة الامتياز في أكبر الحقول البترولية المنتجة في جنوب السودان في حقلي عدارييل وفلج ومطالبتها للشركة بتسمية مدير جديد، حيث تأتي هذه الخطوة التصعيدية عقب اتهام جوبا للشركة بالتواطؤ مع السودان في الاستيلاء على نفطها المنتج. التحركات الجنوبية الأخيرة تهدف لتحقيق عدة أهداف مزدوجة، فعلى المستوى الداخلي فهي تبعث رسالة واضحة لشعب الجنوب بتأكيد جدية حكومته في المحافظة على حقوقه والذهاب خطوات أبعد بالعمل على استرداد تلك الحقوق بهدف زيادة الالتفاف والتعاطف الشعبي معها استعداداً للفترة المقبلة التي سيعاني فيها اقتصاد الدولة الناشئة العديد من المصاعب بسبب فقدانه لمصدر إيراداته الأساسية. الرسالة الثانية هي للشركات العاملة في مجال النفط ومفادها أن "الأوضاع تغيرت وعليكم أن تضعوا حساباً للطرف الأقوى في المعادلة الحالية والمتمثل في حكومة الجنوب" والتلويح بأن محاولة استرضاء الخرطوم بما يفضي لإغضاب جوبا سيكون أمراً يتضمن عواقب وخيمة نظراً لارتباط البترول ووجوده وتركزه حالياً بالجنوب. التحركات الأخيرة للجنوب تجعل الصين عملياً بين مطرقة تحالفها الأساسي والرئيسي مع الخرطوم ومطرقة مصالحها واستثمارتها بمليارات الدولارات في بترول الجنوب، وتعمل تلك التحركات من أجل زعزعة التعاطف والميل الصيني تجاه الشمال بالتلويح بإمكانية خسارة رصيدها في الجنوب في حال استمرار تعاطفها مع الخرطوم، سيما أن مصدر التخوف الأساسي لبكين بات يتمثل في إمكانية إثبات جوبا لاتهاماتها لشركاتها العاملة في قطاع النفط بالتلاعب في كميات إنتاج النفط وهو ما سيمثل مخرجاً قانونياً للإفلات من النصوص القانونية التي تلزم جوبا بسريان العقود النفطية المبرمة مع تلك الشركات، وسيفتح الباب أمامها لإلغاء تلك التعاقدات من طرف واحد، وهي الرسائل التي لن تفوت على فطنة بكين. أكثر من مطرب يعتبر الفنان الراحل محمد وردي الذي انتقل لرحمة الله تعالى مساء السبت الماضي أكبر من مجرد مطرب أسر المستمعين بحسن أغانيه وسحر ألحانها وبليغ كلماتها وعميق إحساسها، ولكنه أكثر من ذلك بكثير فهو نموذج واقعي للشخص العصامي الذي شق طريقه الوعر والشاق نحو القمة معتمداً على نفسه وقدراتها، وأثبت من خلال تجاربه أن المخزون الإبداعي السوداني قادر على اختراق سماوات ظن البعض أنها عصية الوصول ولكنه فعلها مع غيره من أبناء جيله حتى بات صوته يطرب من في مختلف أنحاء السودان بشطريه الشمالي والجنوبي بذات الكيفية التي تجعل آخرين من شرق وغرب القارة السمراء يتمايلون طرباً. من الجوانب المهمة في سيرته أمران أولهما اعتداده الشديد بنفسه وعصاميته حيث لم يجد حرجاً في أن يعود طالباً بمعهد الموسيقى والمسرح رغم اسمه الفني الكبير حيث استفاد من هذه التجربة الدراسية بشكل كبير، أما الأمر الثاني فهو صدقه مع نفسه وتجاه قناعاته السياسية، حيث تخلى عن وظيفته كاأستاذ حتى لا يظلم طلبته بسبب مستحقات مشواره الفني. أما فيما يتصل بقناعته السياسية فكان صادقاً في الصدح بها والتعبير عنها دون خوف أو وجل والتراجع عن مواقفه دون أي مكابرة، فعارض نظام الفريق إبراهيم عبود بعدما تغنى له معترضاً على سياسته وتوجهاته خاصة ترحيل مواطني حلفا القديمة وإغراقها، ثم ساند الحزب الشيوعي السوداني حينما اختلف مع النظام المايوي وغنى مؤيداً لتحرك 1971م رغم ترحيبه بالانقلاب المايوي "يا حارسنا وفارسنا"، ودفع ثمن ذلك الموقف السجن لعدة سنوات، حيث لم يحول سجنه دون استمرار عطائه ولحن العديد من الأعمال السياسية لعل أبرزها المرثية التي كتبها الشاعر محجوب شريف في السكرتير العام للحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب، وتغنى بالقصيدة التي كتبت فيه بعنوان (عريس الحمى) في احتفالات الحزب بعيده ال(40) بعد انتفاضة إبريل 1985م. عقب انقلاب الإنقاذ في يونيو 1989م غادر البلاد وساند عمل المعارضة السودانية من خلال أغانيه وسجل عدداً من الأعمال واللقاءات لإذاعة التجمع المعارض التي كانت تبث من إرتريا ولعل أشهر تلك الأعمال قصيدة الشاعر محمد المكي إبراهيم (سلم وما تسلم) ومحمود شعراني (نسيج وحدك) واللتان بثتهما إذاعة التجمع مرات عديدة، وبدا وردي خلال تلك الفترة محافظاً في تعاطفه مع الشيوعي وميالاً للحركة الشعبية وقائدها د. جون قرنق حيث لبى دعوة للثاني للغناء في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية. وأثارت مشاركته في جلسة بمنزل وزير الدفاع الوطني الفريق أول ركن عبدالرحيم محمد حسين حضرها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير عقب عودته للبلاد من منفاه الاختياري عاصفة من الانتقادات في مواجهته ولكنه لم يعرها اهتماماً. وفي انتخابات 2010م الأخيرة أعلن عن مساندته لمرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان وشارك في تدشين حملته الانتخابية بمنزل الرمز الوطني علي عبداللطيف في أم درمان، ورغم ذلك ظل محتفظاً بعلاقة جيدة مع الرئيس البشير الذي سجل له زيارة في المستشفى وأم المصلين على جثمانه في مقابر فاروق. بخلاف العديد من أبناء جيله ومن جاء بعده اختط وردي منهجاً جعله قيثارة يشدو بها أبناء الوطن حينما عبر عن أشواقهم وحنينه لأرضه ورومانسيتهم واعتزازهم بتاريخهم وتعددهم الثقافي والإثني وحقهم في الحياة الحرة الكريمة، وهو الأمر الذي جعله قادراً من خلال غنائه على التعبير عن كل السودانيين بمختلف تعددهم الثقافي وإذابة الفوارق والتباينات التي صنعتها أياديهم وممارستهم السياسية حينما تساموا جميعاً عن انتماءاتهم الضيقة ويسبحون في القاسم المشترك الأكبر المتمثل في (السودان)، ولعل هذا الأمر هو ما جعل الجميع بمختلف توجهاتهم السياسية واختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية يتقاسمون إحساس الألم يوم رحيله. في انتظار القضاء لا يستطيع المرء أن يخفي حالة الحزن العميق التي تنتابه عقب توقف أي صحيفة من الصحف سواء كان قراراً ذاتياً أو خارج عن إرادتها. ففي الآونة الأخيرة أوقفت صحيفتا (رأي الشعب) و(ألوان) وانضمت لهما الأسبوع الماضي الزميلة (التيار) التي صدر قرار بإيقافها من قبل مدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات استناداً لصلاحيته الواردة في قانون الأمن الوطني لسنة 2009م. قد يكون الجانب الإيجابي للمشهد هو احتكام جهاز الأمن للقضاء فيما يتصل بالقرار النهائي لإيقاف الزميلة (التيار) مما يجعل الاحتمالات واردة بإمكانية معاودة الصحيفة للصدور مع وجود نماذج سابقة أوقف فيها الجهاز الصحف ثم سمح بمعاودة صدورها ممثلة في (ألوان) و(رأي الشعب) و(الجريدة) –قبل أن يوقف اثنين منهما لاحقاً- وهو ما يجعل قرار الإيقاف ليس خاتمة المطاف. أما الجزئية السالبة فهي تضرر العشرات من الزملاء –وبطبيعة الحال أسرهم- من قرار وقف تلك المؤسسات الإعلامية وهو ما يزيد معاناتهم بشكل كبير سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، بجانب إمكانية توظيف هذه القرارات وجعلها بمثابة أدلة إدانة لتراجع مساحة الحريات العامة والصحفية بالبلاد. ويبقى الأمل في أن تعاود الصحف الموقوفة لمعانقة قرائها في القريب العاجل وإسهامها في فضاء الصحافة السودانية بما يعزز الحريات العامة والصحفية وانتهاء معاناة أسرهم وضررها من فقدان عائلها لمصدر رزقه، ولذلك فإن الزملاء في (التيار) سيكونون في انتظار ما سيصدر عن القضاء السوداني ليحكم لهم أو عليهم. الوطني... اعادة ترتيب البيت شهد أواخر الأسبوع الماضي قيام حزب المؤتمر الوطني بإجراء تعديلات تنظيمية داخلية كبيرة من خلال إحلال وإبدال عدد كبير من القيادات الداخلية بأخرى جديدة. ولعل من أبراز الملاحظات هو تقليل الأعباء التنظيمية الملقاة على عاتق النائب الأول لرئيس الجمهورية –والذي هو في ذات الوقت نائب رئيس الحزب- علي عثمان محمد طه ومساعد رئيس الجمهورية –نائب رئيس الحزب للشؤون الحزبية- د. نافع علي نافع من أعبائهما الحزبية حيث يبدو أن الرجلين سيتفرغان للمهام التنفيذية بصورة أكبر ولعل ذات الأمر ينطبق على أمين القطاع الاقتصادي السابق د. عوض الجاز الذي غادر أمانته ربما لتكثيف دوره التنفيذي في وزارة النفط التي بات يشغلها في التعديل الوزاري الأخير. ورغم حالة الترتيب الداخلي التي أجراها (الوطني) ولكن تبدو جبهته الخارجية في وضع مبعثر إذ شهد الأسبوع الماضي إعلان الأخوان المسلمين رسمياً عدم مشاركتهم في الحكومة جراء تطاول أمد حوارهم مع (الوطني) واكتفائهم بدور المناصحة مع (الوطني) وهو ما أفقد الحكومة مجموعة سياسية ذات رمزية إسلامية مهمة –بغض النظر عن حجمها ووجودها التنظيمي- ظلت حاضرة في التشكيل الوزاري منذ العام 2000م عقب المفاصلة بين الإسلاميين وقللت تأثير الاتهامات التي وجهها الفريق المنشق بقيادة الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي وحزبه لنظرائهم في (الوطني) بالتخلى عن المشروع الإسلامي والتنازل عنه. وبذات القدر فإن الأنباء التي أشارت لاعتزام عدد من الأشخاص تسجيل (الحركة الإسلامية) كتنظيم سياسي لدى مسجل الأحزاب السياسية يبدو أمراً مثيراً للقلق ل(الوطني) باعتبار أن كيان الحركة الإسلامية يعد بمثابة كيان رافد للحزب حيث يشغل أمانتها العامة علي عثمان محمد طه، وبالتالي فإن الإقدام على تسجيلها سيدخل الكيانين في دائرة التنازع القانوني وهو ما سيفرغ كيان الحركة الإسلامية من مضمونه بالنسبة ل(الوطني)، لكن سيكون الأمر المثير للقلق بشكل أكبر إذا اتضح أن تلك التحركات يقف من خلفها غريمهم اللدود الترابي باعتبار أنها ستكون جزءاً من استراتيجيته الخاصة بإضعاف وإنهاك (الوطني). أما على الصعيد السياسي فإن تمثيل الحزب على المستوى الولائي يشهد أزمة مماثلة إذ رفض (الأصل) شكل تمثيله بولاية غرب دارفور (ولا يرقى لحجمه) واعتبره خروجاً عن اتفاق الحزبين، فيما شهدت ولاية الجزيرة رفضاً لقرار واليها تعيين وزير للبيئة والسياحة والتي تقع ضمن حصة ونصيب (الأصل) ومضى الحزب لأكثر من ذلك حينما طعن في التعيين واعتبره "عملية غير شرعية". ويبدو أن (الوطني) بحاجة لتحركات سريعة وعاجلة على مستوى جبهته الخارجية بعد فراغه من ترتيب بيته الداخلي لترميم علاقته مع حلفائه وشركائه حتى لا يجد نفسه كلما خطا خطوة للأمام يجد نفسه يتراجع خطوتين للخلف.