قرأت بإمعان ما جرى به قلمكم عن استعراضكم المفيد لمحاضرة دكتور منصور خالد مما دفعني لكتابة السطور التالية التي أرجو أن تنال رضاكم وتتفضلوا بنشرها لتعميم الفائدة.... شكرا (م خ ب) خارجيتنا بين اليوم والأمس والمستقبل منصور خالد شخصية مثيرة للجدل ما في ذلك شك لكن لا يد له وإنما أريد له أن يكون كذلك. قليلون يعرفون عنه ما لا يعرفه كثيرون. ما يحسبه الناس تعاليا وغرورا هو عند من يعرفون منصور خالد تصالح مع الذات واعتداد بالنفس لا ينطلق من فراغ وإنما حصيلة اجتهاد ومثابرة ومعرفة وتجارب في مختلف دروب الحياة أعانه على طرقها عزيمة لا تفل لا تعترف بالمستحيل وقريحة وقادة وذكاء خارق محسوب عليه ومحسود!!. ثم أن منصور مثقف موسوعي شامل اسلامي في ثوب علماني وعلماني فقيه سليل فقهاء ميامين. لماذا لا تقدم احدى قنواتنا الفضائية على تنظيم مناظرة دينية بين الشيخ حسن الترابي أو القرضاوي - باعتبارهما مفكرين اسلاميين - ومنصور خالد الذي يدرجه كثيرون في عداد العلمانيين. مناظرة ستكون حتما خبطة القرن وربما قرون متالية؟! هذه المقدمة قصدت بها أن تكون نقطة الارتكاز لفهم ما أسماها الأستاذ نور الدين مدني " إضاءات " في المحاضرة التي قدمها منصور خالد في منتدى وزارة الخارجية في الخرطوم. تلك الوزارة التي تزامنت مع مولد استقلال السودان ولعلها الوزارة السيادية الوحيدة التي لم يكن لها وجود في عهد الحكم الثنائي. أنشأتها من الصفر أيد سودانية صرفة كما اعتمدتها هيئة الأممالمتحدة – في يوم من الأيام – النموذج الأمثل للدبلوماسية في الدول المستقلة حديثا. بل كلفت مؤسسها إثر تقاعده بانشاء معهد دولي لتدريب الدبلوماسيين الافريقيين. لقد أصبحت وزارة خارجيتنا ذات الإرث العريق منذ سنوات عديدة " عمدة وخالي أطيان"!!. آلت معظم مهامها وصلاحياتها إلى جهات أخرى في هيكل الدولة أو مؤسسات الحزب الحاكم. هنالك ثلاث وزارات على الأقل بالإضافة إلى القصر تتقاسم مهام وزارة الخارجية وليس لأي منها وجود البتة في الخارج بالمقارنة مع وزارة الخارجية التي لها سفارات في مختلف بلاد االعالم بها حشد من ذوي الخبرة والكفاءة زيادة على كنز لا يقدر من الملفات والمراجع. تقتصر مهام سفاراتنا اليوم على استقبال كبار المسئولين وترتيب نزلهم وخدمات اخرى. ربما نجد قدرا من الضبابية في التمييز بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية للدولة كما عبر عن ذلك منصور خالد في محاضرته فكلاهما في رأيي صنوان يندرجان في إطار "العمل الخارجي" أو بالأحرى توأمان سياميان لا سبيل للفصل بينهما. أذكر أن لجنة ملكية بريطانية أوصت في تقرير لها عام 1964 بأن تكون الوظيفة الأولى للخارجية البريطانية عبر سفاراتها: افتصادية تجارية. غير أن وزارة خارجيتنا سبقت اللجنة الملكية في ذلك بثلاثة أعوام على الأقل في عهد وزيرها المرحوم أحمد خير المحامي. ولما كانت إذاعة "هنا لندن" تابعة نظريا للخارجية البريطانية فقد عمدت تجاوبا مع التقرير إلى انشاء وحدة برنامج " التجارة والصناعة " الذي ظللت مشرفا عليه نحو عشرين عاما أبرمت خلالها صفقات تأريخية ضخمة مع دول عربية أشهرها صفقة اليمامة مع المملكة العربية السعودية. إن دعوة منصور خالد لإحياء وزارة خارجيتنا وإعادتها إلى ما أراده لها المرحوم أحمد خير تتطلب تسريح الوزارات الهلامية التي أسندت إليها مهام وزارة الخارجية كالاستثمار والتجارة الخارجية والتنمية وشؤون خارجية أخرى. يجب اعادة تلك المهام إلى وزارة الخارجية التي ينبغى أن يكون وزيرها المستشار الأول المعتمد للدولة في كل ما يتعلق بالعمل الخارجي. يتعين على كل حزب سياسي إدارة شؤونه الخارجية من خلال مؤسساته وعلى نفقته. أما حديث منصور خالد في محاضرته عن الهوية السودانية وإساءة فهمها واستغلالها فإن له خلفيات في ما كثير مما يصرح به ويكتبه. تعليقي على ذلك إننا مع العرب لكنا لسنا منهم مرتبطون بهم لا مندمجون لأن لنا أحلامنا وتطلعاتنا ومهامنا الخاصة بنا.