نفى وزير المالية السيد علي محمود إنهيار الموازنة هكذا كان الخبر في عدد من الصحف.. ولان النفي دوماً ما يضعف الخبر كان نصيب نفي انهيار الموازنة من قبل الوزير في ركن قصي من الصفحات الداخلية.. لا أعرف لماذا اقدم السيد الوزير على النفي بهذه الطريقة الضعيفة ولماذا وافق أصلاً على وجود إنهيار يستوجب النفي؟ من المفارقات العجيبة في بلادنا أنه إذا تحدث شخص مغمور بغرض الشهرة حول الوضع السياسي بأية صورة من الصور تقوم الدنيا ولا تقعد.. كل الأجهزة تضع نفسها في حالة استنفار واستعداد بسبب التهديدات التي أطلقها فلان الفلاني أو الحزب العلاني وهو لا يعدو أن يكون سوى كلام "ساكت" بعدها يصبح فلان بطلاً اسفيرياً تعرفه أقاصي الدنيا جراء معارضته لنظام الخرطوم فتدخل الدولة في محك مصادرة الصحف والتضييق على الحريات. أما إذا تحدث شخص ما وبصريح العبارة عن إنهيار الموازنة العامة للدولة فلا أحد يحرك ساكنا ولا تجد غير نفي صغير من مسؤول.. ليكون صدى ذلك الانهيار أوسع على الحياة العامة بكل تفاصيلها الاقتصادية والاجتماعية.. أما من تحدث عن انهيار الموازنة وبلا معلومات ورغم خطورة القول لا أحد يعرفه ولا حتى وزير المالية نفسه الذي اكتفي بالرد والنفي يا سادة يا كرام في الأجهزة الاقتصادية والرقابية انتم تعلمون اكثر منا ان انهيار موازنة الدولة يعني انهيار الدولة تماماً فكيف توافقون وتمررون مثل هذا الاتهام الخطير الذي يوازي اتهام قلب النظام بل هو أكثر وأخطر من ذلك لان الانهيار الاقتصادي يضعف كل مكونات الدولة ويجعلها هشة، وقابلة للانكسار في أية لحظة بالقدر الذي لا تستطيع معه الدولة حماية مواطنيها ناهيك عن حماية نظام الحكم. هناك فرق بين وجود مشكلات اقتصادية تستوجب الوقوف امامها بجدية واقرار معالجات واضحة لاسباب هذه المشكلات التي خلقها نقص الايرادات لخروج البترول وغيره من صادراتنا وكذلك خلقتها سياساتنا العامة التي لم تتعامل مع الأوضاع بالجدية المطلوبة فاحدثت ضيقاً اقتصادياً واضحاً وضوح الشمس في الأسواق والخدمات وحياة الناس، هذا معروف وملموس وبين انهيار الموازنة.. يمكن ان يحدث خللا في الموازنة بسبب عدم مواءمة التقديرات ما بين الإيرادات والمصروفات أو الاعتماد على توقعات غير حقيقية كما حدث بالفعل لهذه الموازنة التي وصفت "بالانهيار" فمثلاً بنيت الموازنة على تقديرات فيها جزء كبير جداً من إيرادات قادمة من زيادة أسعار البنزين فرفضها المجلس الوطني وطالب بالبحث عن بدائل.. ولان هذه البدائل لم تظهر للعلن أو لم تعمل فعلاً.. ثم فشلت المالية في الضغط على الصرف الحكومي في المركز والولايات بالمستوى الذي جاء في برنامجها للمعالجة.. نعم هذا واضح لكن لا يمكن أن يسمح معه لإستخدام وصف إنهيار الموازنة. هناك معالجات جاءت من الخارج لقد ضخت بعض الدول الصديقة أموالا كبيرة جداً في شريان الاقتصاد ليخرج من الأزمة وكان لها تأثير نوعاً ما على سوق الدولار وعلى بعض القطاعات الأخرى.. صورة إيجابية للمعالجات لكنها لم تأخذ حقها من الاحتفاء من قبل الجهات المختصة حتى تبعد شبح الاحباط المسيطر على الناس. فليخرج وزير المالية الذي اكتفى فقط بالنفي إلى الأسواق ليسمع صدى وتأثيرات ما قيل عن إنهيار موازنته، وما توقعات الناس جراء الانهيار المزعوم، أما الأجهزة الرقابية المنوط بها حماية الناس فلم تتحرك ولم تفعل شيئاً كرد فعل للتهديدات الاقتصادية التي يصدرها البعض بعلم أو بدون علم.