سيطرت لغة التحدي على خطاب السيد علي محمود وزير المالية والاقتصاد الوطني امام البرلمان أمس ووصف المشفقين على موازنته مع الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد بأنهم واهمون، وان الاقتصاد الوطني أثبت قدرته على امتصاص آثار التحولات الداخلية والخارجية وتحويلها لطاقة تقدم وصمود بفضل تراكم الخبرات وعائد الإنجازات ومكاسبها المتوالية منذ بداية الالفية الثالثة، واستبعد وباستنكار ان تدخل البلاد في براثن الإفلاس والانهيار الاقتصادي بحسب تعبيره، وان وزارته وضعت تقديرات موازنة العام المالي بدرجة كبيرة من اليقينية... نتمنى صادقين ومن أعماق قلوبنا ألا تمر بالبلاد بحالة إفلاس أو انهيار، ولكن هل صحيح ان مؤشرات الأداء توحي بتلك المضامين؟. اذا صحت النسب والأرقام التي اوردها وزير المالية حول أداء الموازنة للعام الحالي، فإن هناك مشكلة في المواطن السوداني الذي لا يعترف بالنعم التي وفرتها الدولة، أو أن موازنة الدولة التي تتحدث عنها وزارة المالية لا علاقة لها بمعايش وأحوال الناس الذين يركبون المواصلات ويمشون في الأسواق، وإلا فكيف نفهم الصراخ المستمر والشكوى من ارتفاع أسعار السلع الحياتية، وتدني الخدمات في المرافق الخدمية كافة صحية وتعليمية أو مياه أو كهرباء، وتقول وزارة المالية إن نسبة أداء الايرادات (96.3%) والبلاد فقدت (30%) من إيراداتها كانت تأتيها من بترول الجنوب علما أن موازنة العام الجاري وضعت على أساس أن البترول موجود، الأمر الذي نفسره أن هناك أرقام غير حقيقية، أو معالجات غير موضوعية تمت. وتقول نسب أداء الموازنة أن نسبة دعم السلع الاستراتيجية (البترول، القمح، السكر) بلغت (137%) من الاعتمادات المجازة، والإعانات بنسبة (143%) بعد كل هذا الدعم لم تستقر أسعار هذه السلع في حدود المعدلات التي وضعتها الموازنة، وتزايد نسبة الفقر مع هذه الإعانات .. كيف يفهم هذا؟... جاء أداء الإيرادات البترولية بنسبة (99%) فإذا كان هذا صحيحاً فلماذا هذه الكواريك حول رسوم خط الأنابيب، أم هذه الرسوم محسوبة على الموازنة القادمة، وملاحظ أيضاً أن أدنى نسب تحققت في هذه الميزانية هي التنمية القومية والتي بلغت نسبتها (64%)، والمساهمة في رؤوس الاموال بنسبة (46%). أعتقد أن وزارة المالية رسمت صورة وردية للأداء أكثر مما يجب، في وقت يتطلب فيه أن تكون أكثر واقعية، ومبنية على وقائع يعايشها الناس في حياتهم اليومية، حتى لا يظن أن هناك ممارسات غير التي هي معلنة، وتكون لغة التحدي هذه في محلها.