تعاني العاصمة بمسمياتها ومناطقها المختلفة من جدب النشاط الفني المؤسس وطغيان النشاط الهامشي الفطير في الأمسيات ،وبلغة أخرى غياب المهرجانات الموسيقية والمسرحية التي تقوم على أسس علمية وتنافسية ويغلب على ليالي المنتديات بالخرطوم" إن وجدت" الترفيه و" كسر " الكلام بالغناء الهابط والمغنيين " المطاليق"! وبغير مهرجان أيام البقعة المسرحية - الذي أصبح من المهرجانات المؤسسة على الرغم من رأي الكثيرين فيه- تخلو أيام السنة من أي نشاط فاعل في مجال الدراما والمسرح، وحتى عرض الأعمال المسرحية يتم كيفما اتفق،أي بدون خطط موضوعة مسبقاً لتغطية أيام العام. والواقع أن الموسم المسرحي المنتظم لم يعد موجوداً منذ سنوات عديدة. أما في مجال الموسيقى والغناء في السابق كانت هناك بعض الفعاليات التي حركت راكد الساحة الموسيقية منها مهرجان الخرطوم الدولي للموسيقى والذي انتظم في فترة كانت الأمور فيها على غير ماهي اليوم من حيث تشدد البعض تجاه الفنون عموماً والموسيقى والغناء على وجه الخصوص، لكن يبدو أن الحماس تجاه مثل هذا النوع من الأنشطة الإنسانية والإبداعية مرتبط بشكل أساسي بالأشخاص الذين يقفون على بوابات العمل الثقافي في بلادنا، بمعنى أن كاريزما المسؤول الثقافي، سواء كان وزيراً أم شخصية بارزة في العمل الثقافي ،هي التي تحدد انتشار أو انحسار النشاط ،ولنكن صريحين ونقر بعدم وجود تخطيط ثقافي واستراتيجية واضحة تحدد ملامح العمل الثقافي خلال العام. أما مهرجان الموسيقى الذي أقيم في خواتيم العام الماضي فقد انتهى دون أن يشعر به أحد رغم الضجة الإعلامية التي سبقته ،ويحتاج القائمون على أمره إلى تنشيط العديد من المبادرات والاستفادة من البروتوكولات الموقعة مع الدول في المحيطين العربي والإفريقي بل والمحيط العالمي ليتم تنشيط مثل هذا النوع من المهرجانات في المستقبل. ويلاحظ المتابعون للفن التشكيلي أن النشاط الحقيقي في هذا المجال أصبح ضعيفاً وفي أكثر الأحيان يأخذ الطابع الرسمي ،صحيح أن هناك نشاط راتب في أروقة ومركز راشد دياب للفنون لكن مقارنة لفترات سابقة فإن الوضع تدهور كثيراً ويبقى الأمل في اللجنة التي كونها وزير الثقافة لتنشيط هذا الجانب من الفنون،ويعتمد نجاح هذه اللجنة على قدرة أعضائها في تطويع الواقع المعاش لصالحها وعدم الغرق في الروتين الذي يسيطر على عمل اللجان وتحتاج الخرطوم " العاصمة والرمز" لأنشطة فنية يتم الإعداد لها برؤى عميقة، وذلك لعدة أسباب على رأسها محاصرة ظاهرة تردي الذوق الفني التي انتشرت وسط المبدعين والجمهور على السواء وإيجاد منافذ للترفيه وقضاء أمسيات جميلة في ظل الضغوط النفسية والاقتصادية التي تعاني منها فئات عديدة من الشعب السوداني ،وإيجاد قنوات تواصل بين الفنانين وجماهيرهم تحفظ للمبدعين مصدر دخل جيد ولا تشكل عبئا على جيوب الفقراء. قيام المهرجانات الفنية ليس من الأعمال الشاقة أو المكلفة للجهات المسؤولة فقط يحتاج الأمر إلى شراكات متعددة بين الكيانات الخاصة التي تعمل في هذا المجال والجهات الرسمية صاحبة المال والقرار والإرادة.