طُلب مني تقديم ورقة عن الصحافة بين (المهنية والربحية) ولمناقشة هذا الأمر لا بد من الإجابة على السؤال: ولماذا الصحافة متهمة دوما بالتناقض بين المهنية والربحية؟! هل هل المهنة الوحيدة في الدنيا التي يجب أن تكون رسالية صرفة ويعاب عليها النزوع للربح؟! التداخل بين النزعة الربحية والكسب المادي يوجد في عدد من المهن غير مهنة الصحافة. فالطب مهنة إنسانية رسالية والطبيب يتسبب في حياة الشخص وقد يتسبب في وفاته إذا لازم أداءه قصور أو إهمال. والمحامي يملك الفرصة الكاملة لإنقاذ بريء من حبل المشنقة كما أنه قد يجد ثغرات قانونية لتبرئة القاتل الحقيقي وإضاعة حق القصاص على أولياء الدم، بل ربما يؤدي هذا إلى تطويق شخص آخر بريء بحبل المشنقة. وكذلك الضابط أو الجندي بإمكانه إنقاذ وطن باكمله وقد يؤثر السلامة في لحظة ما فيخسر الجيش المعركة ويلقى الآلاف من العسكريين والمدنيين حتفهم. وقد يفارقه شرفه العسكري فيتخابر لصالح دولة معادية ويكسب ملايين الدولارات وقد يفلت ليستمتع بها بعيدا عن وطنه. لاحظ ان كل هذه الأصناف المذكورة تتلقى جزاءً ماليا على عملها ولكن يركز الناس على مهنة الصحافة لسببين: السبب الأول: هو إرتباط المهنة بالثقافة والفكر والرأي وهذه أشياء قد تفقد قيمتها عندما تقيم بالمال. ولكن المعلم أيضا يصنع الاجيال ويربي النشء ويتلقى المقابل المالي. السبب الثاني: أن الصحيفة هي في النهاية (بزنس) وصاحب العمل يريد أرباحا وفيرة حتى ولو تعارض هذا مع (البعد الرسالي). ولكن أيضا صاحب المستشفى أو المستوصف الخاص يجني ثروة من بيع الخدمات الصحية ويتقاضى الشيء الفلاني عن إنقاذ أرواح الناس. وصاحب الصيدلية يضع هامش ربح على الأدوية المنقذة للحياة، بل صاحب مصنع الادوية المنقذة لحياة الناس قد يكون مليونيرا يقضي إجازاته بإستمرار في أغلى المنتجعات والفنادق. في تقديري أن المحاسبة الشديدة والمشددة للصحافة والمؤسسات الصحفية يتخفيء وراءها سبب محدد وهو أن الصحافة هي التي تحاسب الناس وتمارس الرقابة على الدولة والمجتمع ولذلك تبدو نقائصها ومعايبها أكبر من غيرها. ولذلك فإن من يقيم أداء الصحافة يجري عليها المقولة المأثورة: (كما تدين تدان) ولكن لو جردنا هذا البعد لعلمنا أن النزعة الربحية عامل مهم لإستمرار الصحافة كنشاط بشري إقتصادي وإجتماعي كما أن الضبط المهني يمكن أن يحجم ظاهرة طغيان (الربحية) على (المهنية) وهذا أمر تنظمه القوانين ومواثيق الشرف الصحفي وهنا يتغير السؤال من سؤال إتهامي إلى سؤال موضوعي ... عن فعالية هذه القوانين والمواثيق والأجسام المدنية المعنية بتطبيقها في ضبط المهنة (مجلس الصحافة) و(إتحاد الصحفيين) في النموذج السوداني. وما هو الحال بالنسبة للإعلام الجديد والصحافة الإلكترونية التي لا رادع لها ولا قانون ينظمها وحتى فإن وجد فإنه ذو نطاق سريان محلي محدود يعجز تماما عن إغلاق الأثير وسد الفضاء الفسيح في الوقت الذي تزدهر فيه تقانات إختراق الجدر الصماء للحد الذي لم تعد فيه خصوصية لشخص أن يستلقي بثياب خفيفة في فناء داره إلا ووجد من ينظر إليه عبر (قوقل إيرث) وغيرها من البرامج.