بغض النظر عن وجاهة الأسباب التي أدت لأن يسارع الدكتور عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة بتقديم استقالته، بالتأكيد الخطوة في حد ذاتها ستحظى باستحسان الكثيرين. مصدر الاستحسان لا علاقة له بمستوى وكفاءة الوزير في القيام بمهامه ولا الرغبة في التخلص منه،لا سيما وأن عبد الوهاب من الوزراء الأكفاء الذين يجدون تقديراً كبيراً في الرأي العام، وفي فترة تقلده لمنصب وزير التخطيط العمراني بولاية الخرطوم،شهد له الجميع بأنه رائد الطفرة العمرانية الكبيرة التي شهدتها الولاية في الطرق والمباني. والرجل جمع بين الكفاءة وحسن الخلق وبساطة الطبع.في مرات كثيرة يتوفر عنصر الكفاءة ويفتقد عنصر النزاهة، والعكس صحيح وفي مرات يفتقد العنصران معاً ومع ذلك يستمر المسؤول في المنصب هانئاً غانماً!! النادر هو نموذج دكتور عبد الوهاب في الجمع بين الحسنيين (الكفاءة والنزاهة). مصدر الاستحسان، هو أن عبد الوهاب قدم درساً للكبار في الشجاعة وتحمل المسؤولية، قدم درساً للذين يتهربون من دفع الفواتير ويضعون أخطاءهم على كاهل الآخرين!! يتقدم عبد الوهاب باستقالته، في زمن التكالب على المناصب والتشبث بالمقاعد والبكاء على فراقها والحصب بالحجارة من فوق الأسوار للفت الانتباه والحصول على قطعة الحلوى!! يتقدم عبد الوهاب باستقالته، وهو جديد عهد بالوزارة،جاء إليها ومصنع النيل الأبيض للسكر يقترب من مراحل الإنتاج، فهو إنجاز لا يحسب له، وقس على ذلك إذا حدث إخفاق فلا يحسب عليه. التبريريون، وحدهم الذين يظلون في المقاعد لسنوات، فقد جاءوها تسبقهم أعذارهم الجاهزة، كل خطأ يقترفونه يأتي مصحوباً بحزمة أعذار وتبريرات مدعومة بابتسامات لزجة تستجدي منح المزيد من الفرص. فعلت رئاسة الجمهورية خيراً وهي ترفض استقالة الوزير وتشكل لجنة تحقيق في أسباب تأخر افتتاح المصنع. القرائن الأولية تقول بأن جهات أخرى تسببت في ذلك الحرج ،لا بالأمس فقط، ولكن من قبل أن يأتي عبد الوهاب للوزارة. كيف لمصنع بهذه الأهمية الاستراتيجية لا تعرف بداية دورة إنتاجه إلى لحظة الافتتاح، المصانع الصغيرة لا تفتتح إلا بعد مرور أشهر على بداية تحرك ماكيناتها؟!! كان المتوقع أن يكون كل شيء قد حسم قبل ذلك منذ فترة معقولة، حدث بهذه الأهمية يحسب زمن البدايات فيه بالدقائق والثواني ولا يترك للطوارئ العابرة والتقديرات المتراخية. هذه فرصة مناسبة توفرت لرئاسة الجمهورية لحسم الخطائين غير التوابين،الذين تسببوا في ذلك الحرج، وأمثالهم من الذين صدأت أحاسيسهم و ران على قلوبهم ما كانوا يفعلون. والفرصة مؤاتية لكشف تحايل بعض الذين برعوا في فبركة الافتتاحات وتسويقها سياسياً وإعلامياً قبل اكتمالها، مثل ذلك الوالي الذي أعد احتفالات باهرة لطريق لم يكتمل، فاكتشف أمره من قبل وزارة الرئاسة فالغيت الزيارة، ووالٍ آخر تجاوزت افتتحاته لمشروع واحد أكثر من أربع مرات!! قد ينزعج البعض من وقوع ما حدث تحت بصر عدد كبير من المستثمرين الذين جاءوا للمشاركة في اجتماعات مجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية بالخرطوم. العكس في ذلك تماماً، استقالة الوزير وتكوين لجنة تحقيق، كل ذلك يعطي انطباعاً إيجابياً بتوفر أهم شروط جذب الاستثمار، وهو وجود حسم وشفافية في مناقشة الأخطاء والسعي لمعالجتها في الهواء الطلق وتحت الشمس. وأشعة الشمس دوماً أفضل مضاد وترياق للفساد!!