لسوء الطالع فإن ثقافة وأدب الإستقالة نهج لم يخترق ذلك السياج الفولاذي لموسوعة أو قاموسنا السوداني المتخم بالعبارات والألفاظ المموسقة الفضفاضة والتي أدمنا سماعها فهى كما نعلم تخدم غرضا محددا وموجها. وعرفنا واعتدنا على تقديم المسؤول للاستقالة في عهود مضت من الحكم الوطني في اوج عصره الذهبي. وتعيد ذاكرتي لتلك الاستقالة تقدم بها الوالد حماد توفيق أول وزير لمالية السودان في العهد الوطني ذلك عندما منح راتبا يفوق راتب الوزير وعندما عين كأول مدير للبنك الزراعي السوداني وطلب بتخفيض راتبه حتى لايفوق مرتب رئيسه: وزير المالية، ولكن رفض طلبه فقدم إستقالته وعدل عنها بعد أن تم تخفيض راتبه وأذكر أن السيد مكي عباس أول محافظ سوداني لمشروع الجزيرة قد قدم إستقالته عندما رفض تخفيض مخصصاته من قبل مجلس إدارة المشروع. واليوم سار في نفس الطريق الأخ المهندس عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة فقد قدم إستقالته لإعتقادة بأنه قد تسبب في إحراج الدولة والشعب السوداني عندما أخفق المسؤولون في تشغيل مصنع سكر النيل الأبيض، ولكن رفضت رئاسة الجمهورية قبولها. فهؤلاء جميعهم والذين دونهم قلمي وغيرهم كثر في العهود الماضية وتوج هذه القائمة الأخ عبد الوهاب فهم رجال أفذاذ عرفوا بالإستقامة والزهد والانتماء الوطني. إن النهج القويم الذي سار عليه الأخ عبد الوهاب في تقدير وتحمل المسئولية قد أدخل الغيظة والسرور في جوانحى، ونحن اليوم على ثقة أن سوداننا بخير وبه رجال أفذاذ يضعون السودان في حدقات العيون. عرف المهندس عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة بالإستقامة الفكرية والانضباط المفرط والأمانة والنزاهة كما وصفه الأخ نافع مساعد رئيس الجمهورية. فقد أنعش عبد الوهاب فكرة أدب الاستقالة فهو يرسي لنا ثقافة نفض عنها الغبار هي ثقافة الإستقالة فأصبح اليوم قدوة وأنموذجا يجتذى في الزهد والتفكير المستقيم والانتماء القوي لوطنه فقد خط لنا طريقا ونهجا آمل أن يعى به ولاة الأمر. أبى عبد الوهاب أن يبقى بمنصبة الرفيع لأنه كما يعتقد قد سبب حرجا للدولة والشعب السوداني بسبب عدم تشغيل المصنع "فاين نحن من مثل هذا السلوك المتفرد. ولكى نسير على النهج طالبت عدة مرات في مقالات سابقة بهذه الصحيفة المقروءة بمراجعة وتعديل المناهج فيبقى من الوسائل الهامة لترفيع السلوك الفردي وغرس فضائل الأخلاق. كما ناشدت بادخال مادة التربية الوطنية، فهى التي بها نصنع ونصقل رجال الغد والذين سيقودون السفينة لمرافئ الإستقرار والأمان وبهم تتحقق التنمية المستدامة. آمل أن يكون المهندس عبد الوهاب قد أنعش ثقافة وأدب الإستقالة الذي وئد، وقبرناه منذ عهود مضت. "حسين الخليفة الحسين" مستشار التربية والتعليم – ولاية الخرطوم