قضية المحكمة الكلية انتهت بالاعتذار وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة، من الشخصيات التي تحظى باحترام كبير في كافة الأوساط القانونية والسياسية في البلاد.. ليس في الحكومة فحسب وإنما لدى أحزاب المعارضة سيما الأحزاب التاريخية، والتي دار حول شرعية ممارستها لنشاطها جدل واسع قبل ثلاث سنوات من الآن، ولكن مولانا دوسة ومن خلال رئاسته لمجلس الاحزاب السياسية والمعني بتوفيق وتسجيل وتنظيم العمل الحزبي في البلاد استطاع أن يوفق أوضاع تلك الأحزاب بحكمة كبيرة وضع من خلالها مفردة (الأصل) الملحقة باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة مولانا الميرغني، وطلب من حزب الأمة القومي إيداع اي مستندات تاريخية عن تأسيسه بدلاً إحضار قائمة بالمؤسسين.. إنتقل الرجل إلى وزارة العدل واستطاع من خلالها تجاوز أكبر العقبات من خلال القانون وأشهرها قضية (سوق مواسير الفاشر)، (السوداني) سارعت بالاتصال به لأخذ إفادات حول قرار توقيف المحكمة الجنائية الدولية لوزير الدفاع الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين فكانت إفاداته حول الموضوع واضحة ومن وجهة نظر قانونية تطالعها القارئ الكريم في السطور أدناه: حوار: أحمد دقش مولانا بداية دعنا نسألك عن وجهة النظر القانونية لاختصاص المحكمة والجنائية والخطوات التي يمكن أن تتبع في القضية، ومن المعلوم أن الحكومة ظلت تركز في الحديث على الجوانب السياسية؟ نعم التركيز على الجوانب السياسية كان كبيراً خلال الفترات السابقة، ولكننا نظرنا إلى طلب المحكمة الجنائية الدولية وكافة الاوامر الصادرة عنها من واقع القانون ولم نذهب للخط السياسي، وفي ذلك أقول إن وزارة العدل لديها الآن بيان سيخرج بنهاية اليوم –(أمس)، يفصل كافة الجوانب القانونية للتعامل مع المحكمة وكافة الطلبات والأوامر الصادرة عنها. مقاطعة: وما هي وجهة النظر القانونية بالنسبة للأوامر والطلبات الصادرة عن المحكمة؟ الطلب الصادر ضد وزير الدفاع الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين، بل وكافة الطلبات الاخرى والاوامر لا أساس لها في القانون الدولي، باعتبار أن السودان ليس طرفاً موقعاً على ميثاق روما والذي بموجبه تعمل المحكمة الجنائية الدولية، وهذه هي القضية الأساسية التي نبني عليها دفوعاتنا القانونية، وبالتالي ومن المعلوم أن السودان غير ملزم بمخرجات اتفاق روما. ولكن مولانا هناك من يقول بأن الرؤية القانونية للقضية تقوم على إحالة القضية من مجلس الامن إلى المحكمة الجنائية وبالتالي منحها الاختصاص في قضية السودان باعتباره طرفاً غير موقع على ميثاق المحكمة؟ نعم تلك الرؤية موجودة وتتبناها بعض الجهات، وهي معلومة، ولكنها رؤية لا تستند على القانون الدولي ولا المواثيق، والقانون الدولي يتحدث بإن الإحالة تتم إلى المحكمة الجنائية الدولية من مجلس الامن الدولي بالنسبة للدول الأعضاء في ميثاق روما، وتقوم الإحالة في حالة رفض تلك الدول الأعضاء الالتزام بتنفيذ الإتفاقية، وهذه منصوص عليها بصورة واضحة، وتلك السلطات معقودة بموجب ميثاق روما في المادة (13)، وهو ذات الميثاق الذي لم يصادق السودان عليه وبالتالي ليس جزءا منه، وتلك القرارات لم تتخذ بناء على مواثيق الاممالمتحدة ولا مجلس الامن الدولي. مقاطعة: وماذا عن القرارات التي أصدرها مجلس الامن الدولي بشأن السودان؟ مجلس الأمن الدولي أصدر قراراً بالرقم ( 22- 14) لسنة 2002م وينص على قبول الإحالة التي تمت إلى المحكمة الجنائية الدولية والواردة من ميثاق روما وبالتالي قبل الإحالة وقال صراحة في ذات القرار إن الدول غير الأعضاء عليها أن تنهض بمسئولياتها فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب فيها، ومعلوم أن التحديد ورد في القرار للدول الأعضاء والسودان غير معني به لكونه ليس عضواً وهو من الدول التي طالبها القرار بأن تنهض بمسئولياتها ولا ينعقد الاختصاص عليها، باعتبار أن السلطة في هذه القضية ليست أصيلة بالنسبة لمجلس الأمن. وماذا عن القرار (1593)؟ هذا القرار نصه معيب من الناحية القانونية وفيه الإحالة لم تتم وفقاً للقانون الدولي، والسودان لا علاقة له بقضية المحكمة الجنائية الدولية. مولانا.. هناك تصريحات نسبت لمسئولين بالدولة عن وجود مساومة من المجتمع الدولي خلال فترة الاستفتاء ورهن قبول نتائجه بالمساعدة في تجاوز ملف المحكمة الجنائية، واستدلت الحكومة بتلك التصريحات على كون المحكمة تمثل ذراعاً سياسياً.. هل من الممكن الوصول لتوليفة تتجاوز القضية القانونية عبر بوابة السياسة؟ نحن أصلاً لن نسمح بأن تتحول القضية إلى مساومة سياسية مع المجتمع الدولي، أو مجلس الأمن الدولي عبر بعض الدول، ويجب أن لا يتم الحديث عن ذلك، بصورة نهائية، لأنه قد يمثل مدخلاً لتداخلات كثيرة، ومن المعلوم أن هناك قضايا سياسية أخرى قائمة بذاتها في العلاقة مع الجنوب والقضايا العالقة ولكن هذه يجب أن تأخذ مسارات منفصلة عن قضية المحكمة الجنائية الدولية وإدعاءاتها التي لا تستند على القانون الدولي، ونحن لن نسمح من الناحية القانونية بأن يتحول الملف إلى أي مسار سياسي يتم من خلاله التفاوض مع اي جهة، وسنمضي في القضية بشكلها القانوني الذي ينص وبوضوح على عدم انعقاد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية على السودان. مولانا دعنا نسألك عن تقييمك للمدعية الجديدة للمحكمة الجنائية والحديث عن كونها إفريقية ومسلمة.. كيف تنظر لتأثير ذلك؟ دفوعاتنا لا تقوم على المدعي كشخص، على الرغم من وجود ظلال للمدعي القديم ولكن الدور ليس شخصياً، المدعية الجديدة بما ذكرتُ أمامها التجارب السابقة التي يجب أن تستفيد منها، ونحن دفوعاتنا القانونية قائمة على عدم انعقاد اختصاص للمحكمة الجنائية على السودان، ونقول للمدعية الجديدة إنها تعلم أن المحكمة موجهة ضد الأفارقة مما يجعل عليها دوراً شخصياً للقيام بدور ما يمكن أن تكون من خلاله مفيدة، ولكنها أيضاً كانت نائبة المدعي العام القديم، وبالتالي لا نستطيع تقييمها حالياً لأن الاحكام تقوم على الغيب.. لكن وبشكل عام نحن منهجنا في التعامل مع المحكمة واحد وخطنا واحد لن نتراجع عنه في الجانب القانوني، ومع ذلك يمكن لبعض الدول أن تؤثر على القضية من خلال المدعية عبر دور تلك الدول السياسي. وفي كل الحالات نحن دفعنا واحد ولن يتغير في أن المحكمة لا اختصاص لها على السودان. كيف تنظر لتأثير بعض الدول التي شذت عن الموقف الإفريقي في التعامل مع المحكمة الجنائية؟ وكيف تنظر للتأثير القانوني لتلك المواقف؟ موقف كينيا الذي عبرت عنه المحكمة عبر بيان أو من خلال الحكم الذي أصدره القاضي فنحن نقول أولاً إن كينيا من المعلوم أن لديها التزاما تجاه المحكمة الجنائية الدولية لكونها مصادقة وطرفاً في ميثاق روما، وبالتالي لديها التزام ولكن نحن نبهناها للقانون الإفريقي الذي يضفي حصانات لرؤساء الدول، والقضية الثانية كينيا نفسها هي التي تقدمت بالدعوة لرئيس الجمهورية لحضور الاحتفال وبالتالي ذلك يلقي عليها مسئوليات في أن تكون اكثر قوة في الحفاظ على القانون الإفريقي الذي تلتزم به من خلال القانون المنشئ للاتحاد الإفريقي والكوميسا والإيقاد كمؤسسات إفريقية واجب الالتزام كما واجب احترام القوانين التي تمنح الحصانات للدول الاعضاء فيها وكينيا من الدول التي لديها عضوية في كل تلك المؤسسات، وبالتالي يجب أن تكون أكثر قوة في الحفاظ على حصانات الرؤساء الذين تدعوهم هي لزيارتها وضرورة أن تلتزم بتعهداتها الإقليمية. لكن إلى ماذا تعزو صدور قرار المحكمة الكينية؟ ما كان لتلك المحكمة أن تصدر قرارها استناداً على القوانين الإفريقية التي تعتبر كينيا جزءا منها، ولكن معلوم أن كينيا لديها مواقف ومشاكل داخلية كقضية محلية، ولكن وبشكل عام القضية انتهت بتقديم كينيا للاعتذار وإرسال المبعوث الرئاسي الذي التقى بالرئيس البشير. مقاطعة: وما هي الكيفية التي تمت بها معالجة القضية سياسيا وقانونياً؟ الوضع السياسي انتهى بابتعاث المسئول الكيني ومقابلته للرئيس البشير، والآن الوضع القانوني والذي فيه أكدنا احترامنا للقضاء سواء هنا في السودان أم القضاء الكيني، وعليه يجب على كينيا أن تتقدم باستئناف ضد قرار المحكمة، وأن لا يترك لينتهي بقرار تنفيذي أو سياسي وأياً كان رؤيتنا أنه يقوم على مرحلتين من الاستئناف الداخلي عبر المدعي الكيني والاجهزة الكينية حتى ينتهي القرار بشكل نهائي وأن لا تكون له آثار في القانون والجانب السياسي، ولكن الاساس أن القرار من الناحية القانونية غير موفق وكينيا الآن تسعى لإنهائه وتجاوز آثاره. دعنا نتقدم بسؤال إفتراضي أخير.. ما الرؤية القانونية حال تدخل دولة ما لقطع الطريق أمام اي مسئول سوداني؟ وماذا يترتب على ذلك من تعامل للبلاد مع القضية؟ إعتراض أي مسئول سيكون مبنيا على قرصنة طيران وحينها سيكون مخالفاً للقانون الدولي نفسه، وإذا تم ذلك الاعتراض بداخل الدولة فهي مطالبة بتنفيذ اتفاقية فينا الدولية للحصانات والمسئولين والالتزام باحترام الحصانات لمسئولي الدول، وعموماً سيكون الامر مخالفا للقانون وفي النهاية اي طريق غير قانوني يعني مخالفة.. والقوانين متناسقة في سبيل تحقيق العدالة ولا ينبغي لأي دولة أن تخالف القانون، والجرائم التي تحدث في السودان بشكل عام يجب أن تحاكم عبر المحاكم الوطنية، ونحن أجرينا تعديلات واسعة على قانون القوات المسلحة والقانون الجنائي السوداني، وضمنا القضايا المتعلقة بالجرائم الدولية غير المنصوص عليها في وقت سابق في القانون السوداني وأدخلنا تلك التعديلات في التشريعات الداخلية بصورة جعلتها مشتملة على كافة الجرائم المضمنة في القانون الدولي، ومهما يقول الناس من حديث فالقضاء السوداني مستقل، ورغم مساعي البعض ورفع دعاويهم لكننا نقول متى ما توفرت البينات ستتم المحاكمات داخلياً لكل من يُدعَى ضده في اي قضية، ونقول إن ولايتنا على الجرائم الداخلية مكتملة سواء المتعلقة بالقانون الدولي أم القانون الجنائي السوداني، بما يحقق العدالة لكل الناس ويمنع اي تدخلات خارجية.