بسم الله الرحمن الرحيم وجهة نظر بشأن الجنائية الدولية خليفة السمري - المحامي [email protected] أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ثانية بحق الرئيس البشير بعد إضافتها تهمة تدبير إبادة جماعية في إقليم دارفور إلى التهم التي صدرت بشأنها مذكرة الاعتقال السابقة في مارس 2009م،وقد أكدت الجنائية الدولية أن هذه المذكرة الجديدة لا تنقض مذكرة الاعتقال الأولى،وورد بشأن الموضوع عن وكالة رويترز للأنباء أن الحكومة الأمريكية دعت يوم الثلاثاء بعد يوم واحد من إصدار مذكرة الجنائية إلى التعاون مع الجنائية الدولية ،وقال مايك هامر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أن الولاياتالمتحدة تؤيد بقوة الجهود الدولية لتقديم المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في دارفور إلى العدالة وتعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في السودان بدون مساءلة،وقال نواصل حث حكومة السودان وجميع أطراف الصراع الأخرى على التعاون الكامل مع الجنائية الدولية. وقد رأينا في هذا الصدد كيف أن اللغط والجدل قد احتلا مساحة مقدرة في أجهزة الإعلام بشأن هذا الموضوع ،بين معارضٍ قال إنه اشتم في الأمر رائحة السياسية وبين مؤيد رأى غير ذلك،ورأينا كيف أن وجهات النظر قد تضاربت بشأن مدى قانونية تصدي المحكمة الجنائية للتهم الموجهة للرئيس البشير، فبعضٌ من الاختصاصيين في القانون الدولي رأوا أن تصديها لنظر هذه التهم موافق لصحيح القانون الدولي وأنه يندرج في صميم اختصاصها الولائي، وفريقٌ آخر ذهب إلى القول بأن هذا التصدي لا يتسق أبداً مع مبادئ القانون الدولي وأن السياسة التفت على القانون وأبعدت الأمر كثيراً عن دائرة العدل والإنصاف،وبين هذا الرأي وذاك تأرجحت مواقف غير المختصين رفضاً وتأييداً كلٌ يغني على هواه،وكأنما المسألة أصبحت مسألة كيد أو تأييد تصفى من خلالها الحسابات لا مسألة قانون وعدل وإنصاف.مع أن التعامل مع جنس إنسان في هذا الصدد ينبغي أن ينطلق من قوله تعالى \" لا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى\"، ورحم الله إمام العادلين أبو تراب حين قال لابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو في الرمق الأخير من أثر طعنة ابن ملجم :لا تلغوا في دماء المسلمين بالباطل فإن كان لا بد فليقتل قاتلي. هذه المعاني العدلية هي التي حفزتني إلى كتابة هذا المقال ،وأنا هنا لن أتحدث عن مدى توافر مبادئ العدالة والإنصاف في القانون الدولي أو عدم توافرها ،فذلك ليس من همَِ هذا المقال ،ذلك أنه من المعلوم أن القانون الدولي الحديث كتبه وفصَّل قواعده الأقوياء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية،وارتضينا نحن الضعفاء بدورنا أن نتحاكم إليه بتوقيعنا على مواثيقه وعهوده ،لذلك فلن أجعل مسألة عدله وظلمه محلاً لحديثي هذا،وإنما سيكون همي وشاغلي في هذا المقال ذو الصبغة القانونية أن أناقش ما ذهب إليه أهل القانون الدولي عن مدى اتساق تصدي محكمة الجنايات الدولية لقضية الرئيس البشير مع قواعد ومبادئ القانون الدولي. وفي هذا المقام أحاول قدر المستطاع استعراض أسانيد وحجج المصوبين والمخطئين على السواء بإيجازٍ يؤدي الغرض ولا يخل بالمعنى ،ثم بعد ذلك أدلي بوجهة نظري القانونية وفق ما عنَّ لي في هذه المسألة الشائكة،وهي وجهة نظر لا تعدو أن تكون اجتهاداً في حدود الوسع والطاقة تقيدها نسبية الحق وإن كان حافزها البحث عن الحقيقة ، فإن وفقت في بغيتي فالشكر لله وحده وإن أخطأت فحسبي أجر المجتهد. يرى الفريق المصوب لعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية، أن المادة \"25\" من ميثاق منظمة الأممالمتحدة نصت صراحةً على أن \"يتعهد الأعضاء في الأممالمتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق\"، وبما أن السودان عضو في الأممالمتحدة فإنه ملزم بقرارات المجلس المذكور،وبما أن مجلس الأمن من حقه أن يشكل محاكم خاصة وفق الفصل السابع من الميثاق فلنعتبر محكمة الجنايات الدولية محكمة خاصة في هذا الصدد كلفها مجلس الأمن بالتصدي لهذا الموضوع ،فضلاً عن أن المادة \"13/ب\" من نظام المحكمة الجنائية الدولية نصت على أنه \" للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة \"5\" وفقاً لأحكام النظام الأساسي في الأحوال التالية : أ- .....ب- إذا أحال مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة حالة إلى المدعي العام للمحكمة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت\"،ومن الحجج التي يستند إليها المصوبون أيضاً أن السودان دولة موقعة على نظام روما الأساسي الذي أسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية وأن الدول الموقعة -على الرغم من عدم مصادقتها - ملزمة وفق المادة \"18\" من اتفاقية فينا لتفسير المعاهدات الدولية بالامتناع عن إتيان أي أعمال تعطل موضوع المعاهدة أو غرضها. هذه هي أبرز حجج ومبررات الذين رأوا أن انعقاد الاختصاص لمحكمة الجنايات الدولية سليم وصحيح من الناحية القانونية فيما يتعلق بالتصدي للتهم الموجهة للرئيس البشير. أما حجج الذين رأوا أن المحكمة المذكورة لا اختصاص لها فيما تصدت له فأبرزها ما يلي: أن السودان دولة غير مصادقة على نظام روما الأساسي وأن مجرد التوقيع ليس فيه إلزام وفق قواعد القانون الدولي وأن قرار الإحالة من مجلس الأمن فيه مخالفة لميثاق الأممالمتحدة لأن ميثاق الأممالمتحدة الذي يتعين على مجلس الأمن مراعاته واحترامه نص على الحصانة الكاملة لرؤساء الدول و لما يقومون به من تصرفات في سبيل تصريف مهامهم الدستورية والقانونية وفقا للنظام السياسي الذي ارتضته شعوبهم،فضلاً عن أن قرار الإحالة فيه إهدار لأهداف الأممالمتحدة نفسها والتي من أهمها تحقيق الأمن والسلم الدوليين. هذا تلخيص لوجهتي النظر المتضاربتين بشأن مدى سلامة تصدي المحكمة الجنائية الدولية للتهم الموجهة إلى الرئيس البشير. والرأي عندي أن الفريق الثاني تورط في خطأ التأسيس القانوني للنتائج التي انتهى إليها –مع أني اتفق معه في النتيجة- ووجه الخطأ في التأسيس القانوني الذي ذهب إليه هذا الفريق أن ميثاق الأممالمتحدة لم يرد فيه أي نص يعطي رؤساء الدول حصانة تمنع محاكمتهم عن الجرائم التي قد يقترفوها،إلى جانب أنه وفقاً لميثاق فينا لتفسير المعاهدات فإن الدول الموقعة على المعاهدة الدولية تكون ملزمة بما وقعت،فقد نصت المادة \"11\" من الميثاق المذكور على أنه \"يمكن التعبير عن رضا الدولة الالتزام بالمعاهدة بتوقيعها أو بتبادل وثائق إنشائها أو بالتصديق عليها أو بالموافقة عليها أو بقبولها أو بالانضمام إليها أو بأية وسيلة أخرى متفق عليها\" وكذلك نصت المادة \"18\" من ميثاق فينا على أنه \"تلتزم الدولة بالامتناع عن الأعمال التي تعطل موضوع المعاهدة أو غرضها وذلك : أ- إذا كانت قد وقعت المعاهدة أو تبادلت الوثائق المنشئة لها بشرط التصديق أو القبول أو الموافقة إلى أن تظهر بوضوح نيتها في أن لا تصبح طرفاً في المعاهدة\" فهاتان المادتان صريحتان فيما يتعلق بأمر إلزام الدول الموقعة،ذلك أنهما عبرتا باللفظ \"أو\" ومعلوم أن اللفظ \"أو\" يفيد البدل – \"يمكن التعبير عن رضا الدولة بتوقيعها أو بتبادل وثائق إنشائها ..إلخ \"، \"تلتزم الدولة بالامتناع عن الأعمال التي تعطل موضوع المعاهدة :إذا كانت وقعت المعاهدة أو تبادلت الوثائق ..إلخ\".فكل هذا يجعل جمهورية السودان دولة ملزمة بميثاق روما والمحكمة الجنائية الدولية. والصحيح في وجهة نظري أن قرار الإحالة الذي تم من قبل مجلس الأمن انطوى على مخالفة لمبادئ وقواعد القانون الدولي لا لأن السودان دولة غير مصادقة على ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية ولا لأن ميثاق الأممالمتحدة يمنح رؤساء الدول حصانات تمنع محاكمتهم عن الجرائم التي قد يقترفوها،وإنما وجه المخالفة فيه أن قرار الإحالة اكتنفه خرقٌ صريح للعرف الدولي ، ومن المعلوم لكل دارس للقانون الدولي العام أن مصادر القانون الدولي العام تنحصر في مصدرين لا ثالث لهما ،هما :قواعد العرف الدولي والمعاهدات الدولية. فالعرف الدولي قد استقر على أن لرؤساء الدول حصانة تحول دون تقديمهم للمحاكمة أثناء تأدية واجبهم الوظيفي،وهذا العرف يتصف بالإلزام شأنه شأن أي قانون،وبما أنه لا توجد حتى اليوم اتفاقية دولية بشأن مسألة الحصانة فإن العرف الدولي يبقى هو القانون الساري على المسائل ذات العلاقة بالحصانة ،ويلاحظ أن أمر الحصانة قد توسع في السوابق القضائية الدولية حتى أنه أصبح يشمل رؤساء الوزارات والسادة الوزراء أثناء مباشرتهم لأعمال وظائفهم ،ففي سابقةٍ دولية شهيرة سبق أن رفضت محكمة العدل الدولية رفع الحصانة عن وزير خارجية الكنغو في النزاع بين جمهورية الكنغو وبلجيكا وكان ذلك في شهر يونيو من العام 2002 م مبررةً ذلك بأن العرف الدولي قد استقر على ذلك،فإذا كانت محكمة العدل الدولية قد امتنع عليها رفع حصانة وزير فإنه من باب أولى أن يمتنع رفع حصانة من يعين هذا الوزير وهو في حالتنا هذه رئيس الجمهورية،وهذا يتأكد معه أن مجرد قرار الإحالة من قبل مجلس الأمن فيما يخص الرئيس البشير فيه مخالفة صريحة لسابقة قضائية صدرت من أعلى جهة قضائية في الحكومة العالمية. في هذا الباب يلاحظ أيضاً أن الدول ظلت تحترم أمر حصانة الرؤساء من باب أن ذلك ما يقول به العرف الدولي وما جرى به التعامل بين الدول فقد سبق لفرنسا وبلجيكا أن رفضتا طلباً تقدمت به منظمات حقوقية في العام 1998م في مواجهة لوران كابيلا رئيس جمهورية الكنغو الديمقراطية مبررة ً ذلك بأن الرجل يتمتع بحصانة تحول دون النظر في أي طلبات تقدم ضده. قد يقول قائل إن نصوص ميثاق فينا لتفسير المعاهدات الدولية لسنة 1968م تلزم الدولة بأي معاهدة دولية موقعة من قبلها وأن التصديق ليس بأمر لازم لنفاذ المعاهدة الدولية في حق الدول الموقعة وفق نص المادة \"18\" من اتفاقية روما،وأنه بما أن جمهورية السودان موقعة على ميثاق روما فإنها ملزمة بكل ما جاء فيه وأن المعاهدة الدولية تقدم على العرف في ترتيب مصادر القانون الدولي.. كل هذا صحيح ،لكن يجب ألا يفوت على من يقول بمثل هذا القول أننا نعينا على محكمة الجنايات الدولية تصديها لموضوع الرئيس البشير استنادا إلى عدم قانونية المسألة موضوع قرار الإحالة نفسه ،ذلك أن قرار الإحالة انصب على أمرٍ باطل في نفسه ومن هنا لحقه البطلان،فمجلس الأمن حينما أحال التهم الموجهة إلى الرئيس البشير لم يقل أنه استند في تأسيس دعواه إلى ميثاق روما وإنما استند إلى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يخوله تشكيل محاكم خاصة لمجرمي الحرب ومن يعرضون الأمن والسلم الدوليين للخطر ،فلا شك أن مجلس الأمن ملزم وفق الميثاق الدولي بأن يكون موضوع قراره متسقٌ تماماً مع مبادئ القانون الدولي وإلا فإن قراره يصبح موصوماً بعدم الشرعية ،وهذا بالضبط ما حدث في قرار الإحالة موضوع حديثنا هذا،ذلك أن المجلس المذكور لم يراعي قواعد العرف الدولي التي استقرت على كفالة الحصانة لرؤساء الدول أثناء أدائهم لمهامهم، ولا شك أن الخروج على هذا العرف يعتبر بمثابة خرق واضح للقانون الدولي خاصةً إذا ما علمنا أن بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن رفضت التوقيع على ميثاق روما ومنها الولاياتالمتحدة وجمهورية الصين الشعبية.فالملاحظ في هذا الصدد أن مجلس الأمن استند في قرار الإحالة إلى ميثاق الأممالمتحدة خاصة الفصل السابع منه،ونحن نقر تماماً بأن الفصل السابع المذكور يخول المجلس الحق في تشكيل محاكم خاصة لمجرمي الحرب،ولنعتبر في هذا الصدد محكمة الجنايات الدولية محكمة خاصة مشكلة من مجلس الأمن – لا ضير في ذلك – لكن هذا الفصل \"السابع\" لا يخول مجلس الأمن خرق الميثاق نفسه ولا يقره على الخروج على الأعراف الدولية التي جرى عليها العمل في العلاقات الدولية، ومن ذلك مسألة حصانة رؤساء الدول أثناء أدائهم واجباتهم الدستورية ،وهذه الحصانة قد استقرت عليها أحكام محكمة العدل الدولية وفق ما ذكرنا سابقاً ،ولا شك عندي أيضاً أن مبدأ المشروعية يوجب على مجلس الأمن أخذ رأي محكمة العدل الدولية في أي مسألة قانونية تتعلق بميثاق الأممالمتحدة لأنه هو نفسه أنشئ بموجب هذا الميثاق ومن ثم يجب أن يخضع للمرجعية التي أعطاها الميثاق حق تفسير كل ما يتعلق بالقانون الدولي فالمادة \"96\" من ميثاق الأممالمتحدة أجازت لمجلس الأمن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاستفتائها في أي مسالة قانونية تتعلق بالقانون الدولي ومع ذلك لم نسمع أن مجلس الأمن أحال مسألة رفع الحصانة موضوع حديثنا هذه إلى المحكمة المذكورة وهذا بلا شك يؤكد ما ذهبنا إليه من عدم قانونية قرار الإحالة الصادر من المجلس بشأن الرئيس البشير، وإننا في هذا الموضع لا ننعي على مجلس الأمن طبيعته السياسية فذلك ما ارتضته له الدول الأعضاء في الأممالمتحدة ووافقت عليه بتوقيعها على الميثاق الأممي ،وإنما الذي ننعي عليه عدم احترامه للعرف الدولي الذي هو بمثابة قانون ملزم للمجلس وللدول الأعضاء في الأممالمتحدة ،وهذا ما نرى معه عدم سلامة انعقاد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية بشأن التهم الموجهة إلى الرئيس البشير ،حال كونه - أي الاختصاص - تم بما يخالف المشروعية الدولية ،فمجلس الأمن أصدر قرار الإحالة على نحوٍ يعارض أهداف الميثاق الدولي فضلاً عن أنه ضرب الأعراف الدولية في مقتل بغض النظر عن توافر الإنصاف في هذه الأعراف أو عدم توافره الأمر الذي يصبغ تصرفه القانوني في هذا الصدد بعدم المشروعية. من جهةٍ أخرى فإن التهم الموجهة إلى الرئيس البشير تندرج كلها في باب المساهمة الجنائية، حال كون الرئيس البشير لم يكن فاعلاً مباشراً للجرائم المتهم بها ، فقد رأينا كيف أن الإدعاء في الجنائية الدولية أقام اتهامه للرئيس البشير على القول بأنه ساعد وحرض على ارتكاب الجرائم موضوع الاتهام ، لكن فات على هيئة إدعاء المحكمة الجنائية أن المساهمة الجنائية توجب أولاً توجيه الاتهام إلى الفاعل الأصلي،وبعد ذلك إذا قامت قرائن على تورط الفاعل غير المباشر بوسائل المساهمة الجنائية المعروفة في فقه القانون الجنائي فإنه في هذه الحالة يجوز توجيه التهمة إليه استناداً إلى مبدأ المساهمة الجنائية، وهذا أمرٌ تجاوزه الإدعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية ولم يأبه له حين وجه اتهامه مباشرة ً إلى المتهم بالمساعدة والتحريض،مع عدم توجيه التهمة إلى الفاعل الأصلي مع أن هذا الأمر كان يجب من الناحية القانونية أن يحدث ابتداءً ،ولا شك أن عدم مراعاة ذلك تجعل قرار الاتهام موضوع هذا النقاش محلاً للتورط في مخالفة ما استقر عليه العمل القانوني والقضائي في هذا الصدد . وختاماً أرى أن فكرة المحكمة الهجين التي اقترحها السيد الصادق المهدي ،هي المخرج الأمين من أزمة الجنائية، ذلك أننا جميعاً توافقنا - بما في ذلك الحكومة نفسها - بأن هناك جرائم ارتكبت في دارفور ولا بد لبسط السلام من مساءلة مرتكبيها ،وقد يقول قائل إن أمر القانون الدولي لا يساعد على ذلك حال كون التهم المتعلقة بجرائم الحرب والإبادة العرقية لا تسقط بالتقادم ،وتعليقاً على ذلك نقول إننا لم ندعو إلى إسقاط تلك الجرائم ولا إلى إلغائها والعفو عن مرتكبيها،وإنما الذي ندعو له وضع ملفاتها في أيدٍ يطمئن إليها الجميع ويثقوا فيها ويعتقدوا بأنها جهات عدل وإنصاف لا تنتابها نزوات السياسة ولا تغشاها أهواء الأيديولوجيات، وبما أن الإرادة الدولية هي التي صنعت ميثاق الجنائية الدولية وميثاق روما وهي التي صنعت الميثاق الأممي ،فإنني أرى أنها قادرة – إن أرادت – على صنع المحكمة الهجين ،فلا يقولن قائل إن القانون الدولي يصعب تعديله فنحن لا ننادي بتغيير ما هو موضوعي منه،ولم نقل بعدم تجريم التعدي على المدنيين العزل بقدر ما ننادي بتعديل ما هو إجرائي شكلاني منه على نحوٍ يورث الجميع احترامه والثقة فيه ، لذلك فإنه يجب أن تتضافر الجهود محلياً وإقليمياً ودولياً لدعم فكرة المحكمة الهجين التي اقترحها حكيم أهل السودان أو الحبيب– كما يحلو للبعض أن يناديه - فهي في وجهة نظري المخرج الأمين الوحيد من أزمة الجنائية الدولية الذي أرى أنه يمكن أن يجد قبولاً دولياً في مثل هذا الوقت والظرف العصيب،والله أدعوه أن يبسط في ربوع البلاد الأمن والأمان وأن يجنب أهلها ويلات الشرور والفتن وأن يحفظ عليهم أصايل الطباع وسذاجة الفطرة إنه قريب مجيب، وهو ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.