** ومن أخلاق الفرسان.. نفى الفاروق عمر أبومحجن الثقفي الى جزيرة نائية، فهرب منها الى القادسية، وكان سعد ابن ابي وقاص واليها..علم ابن الخطاب بهروب الثقفي الى القادسية، فأمر سعد بحبسه، فحبسه.. ثم دارت معركة القادسية بقيادة سعد وعرف ذاك الحبيس بأن بني جلدته ينازلون الفرس دفاعاً عن ديارهم، فتوسل الى سلمى - زوجة سعد - بأن تحل قيده وتعطيه البلقاء - فرس سعد - لينال شرف قتال الأعداء ثم يعود الى السجن..رفضت سلمى، ثم وافقت بعد أن توسل اليها بالأشعار..انطلق الثقفي بالفرس الى سوح القتال وقاتل قتالاً أدهش الجيش وقائده سعد، ولم يكن يعرفه أحد، بحيث ردد سعد حائراً : (الطعن طعن أبومحجن والصبر صبر البلقاء، ولكن أبومحجن في الحبس).. وعندما انتصف الليل وتوقف القتال عاد الثقفي الى حبسه، أي لم يخن سلمى..لاحقاً، أخبرت سلمى زوجها سعد بما حدث، فعفى عنه، هكذا الحكاية.. بغض النظر عن سبب السجن، ليس سهلاً أن يقاتل السجين تحت رأية السجان، ولو لم يكن الثقفي متحلياً بأخلاق الفرسان ومحباً لديار أجداده وأهله لما دافع عن تلك الديار وهو (سجين)..!! ** وعليه..ما يجب أن يتعلمه الحزب الحاكم من دروس هجليج، هو أن حال أهل السودان لا يختلف كثيراً عن حال ذاك الفارس الثقفي فالحبس - بكل رمزيته - كان ولا يزال يضم الحال العام، ومع ذلك ترفع ذاك الحال العام عن آلام الحبس ولبى نداء الوطن.. نعم فالجماهير التي هرولت الى القيادة العامة واحتشدت أمامها - عقب سماع بيان تحرير هجليج - ليست هي عضوية المؤتمر الوطني، ولو كانت كذلك لذهبت الى شارع المطار وهتفت بشعارات الحزب في دار الحزب..تلك الجماهير هي التي تصلح بأن تسمى بالشعب، لأن حشدها كان عفوياً وجامعاً لكل ألوان الطيف السياسي والثقافي والعقائدي وكل الأعراق، بحيث كان - شكلاً ووجداناً - السودان الذي يشتهيه ويتمناه أي سوداني..ويخطئ المؤتمر الوطني لوظن بأن تلك الجماهير أخرجها الانتماء اليه أو لتهتف لنهجه الحاكم أو لتفرح له، لا ما هكذا ملامح ذاك الحدث وما هكذا قال وجدان تلاحم الجيش والشعب ضد العدوان الجنوبي..!! ** فالكل يعلم - وكذلك على المؤتمر الوطني أن يعلم إن كان مضللا بالتقارير - بأن تلك الجماهير ما أخرجتها من أحزانها - لمناصرة قوات بلادها إلا ذات المشاعر الصادقة التي أخرجت ذاك الفارس الثقفي من حبسه ليناصر جيش بلاده ضد الفرس..نعم، صدق الانتماء لأرض الوطن - وليس الولاء للمؤتمر الوطني - هو محرك تلك الجموع يومئذ الى حيث قيادة جيش البلد، ولذلك هي جديرة بأن تدير شؤون وطنها بلا قيود حزب أو جماعة.. وليسأل أي حزب ذاته : إن لم يكن هذا الشعب المخلص - الذي يكظم حزن واقعه السياسي في الملمات الوطنية ويترفع عن آلام حاله السياسي عند الشدائد الوطنية - جديراً بحل تلك القيود عن إرادتها، فمن الجدير؟..وابن أبي وقاص كان حكيماً حين اعترف بحرية الفارس الثقفي الذي أخلص لوطنه في (ساعة شدة )، وتلك حكمة يصلح اقتباسها بحيث ترسم - عاجلاً غير آجل - واقعاً في حياة أهل السودان..وخير للوطن أن يدافع عنه شعب حر وليس حبيس ..بمعنى، أي بالمختصر المفيد : هذا واقع هذا الفارس السوداني بحاجة الى إصلاح سياسي يحاسب المخطئ ويكافح المفسد ويحارب المحتكر ويحترم الرأي الآخر و..عفوا، فلتسترسل تلك الجماهير المحبة لوطنها، فهي أدرى بما يجب أن يكون عليها الحال..!!