السفر الوهمي.. كابوس لا ينتهي تقرير: هالة حمزة استشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة اتجاه بعض الشركات وتجار العملة الى التلاعب للحصول على النقد الأجنبي من خلال تجنيد المواطنين وإغرائهم للسفر الى الدول المجاورة والتكفل بإقامتهم لمدة ثلاثة أيام وإعادتهم مرة أخرى الى البلاد نظير الحصول عبرهم على النقد الأجنبي وبيعه بالخارج (سوق موازي خارجي) تحدثت(السوداني) الى مسئولين مصرفيين وتجار عملة وخبراء اقتصاديين للحديث حول الظاهرة وكيفية تلافيها. وأكد التاجر الحاج مصطفى الخضر أن هذه الظاهرة تفشت منذ أن تم تحويل الحصول على النقد من المطار، مشيرا الى وجود العديد من التجار المتخصصين في هذه الظاهرة (لأنهم لقوا الشغلانة ماشة معاهم ومربحة)، قاطعا بتأثر السوق الموازي داخليا سلبا بهذه الظاهرة لجهة هروب العملة الحرة من السودان ليتم تداولها والاستفادة من أرباحها خارجيا، أي أنها تقلل من المعروض منها بالسوق السوداني. وقال أحد الخبراء المصرفيين -فضل حجب اسمه- إن هذه الظاهرة تعتبر من السياسات التي تحتاج الى مراجعة وتقييم وتصحيح في مجال النقد الأجنبي، متسائلا فى حديثه ل(السوداني) حول إمكانية توفير عملة حرة بسعر زهيد وهو (2,8) جنيه للدولار وهو في حقيقة الأمر يكلف أكثر من (5,7) جنيه للدولار لأن من المؤكد أن يكون هنالك اتجاه للمضاربة في النقد الأجنبي أو تزوير مستندات واستغلال الثغرات من أجل الحصول على موارد نقد أجنبي بالسعر الرسمي وتحويلها الى البيع بسعر السوق الموازي، مطالبا بإصلاح نظام سعر الصرف بحيث تصبح جميع قنوات الحصول على النقد الأجنبي ومعاملات النقد الأجنبي لأغراض السفر والعلاج والحج والعمرة وتحويلات العمالة الأجنبية والعلاج بالخارج والدراسة واستيراد جميع أنواع السلع بسعر السوق على أن تهتم الدولة بتوفير النقد بالسعر الرسمي للاحتياجات الضرورية والسلع الهامة كالأدوية والقمح والسكر والمحروقات والالتزامات القومية كسداد القروض الاشتراكات والمشتروات القومية من النقد الأجنبي على أن يكون ذلك ضمن دعم واضح مخصص في الموازنة العامة للدولة (دعم سعر الصرف ) مع أهمية التشدد في القيود والالتزام الكامل بالضوابط التي تهدف الى ضمان استقرار سعر الصرف الرسمي. وللتخلص من الظاهرة بشكل نهائي اقترح المصدر السابق إيقاف ضخ النقد الأجنبي للصرافات والبنوك والسماح للصرافات بالشراء بسعر صرف مجز لكل عمليات تحويلات المغتربين وحصيلة الصادر لأغراض سداد الاستيراد مما يؤدي الى تحرير السعر، والبنوك كذلك أن تتعامل بالاعتمادات المستندية لتغطية التزامات الاستيراد المذكورة، على أن تتم تغطية أي استيراد لغير هذه السلع عبر تشجيع السعر الحر والذي يتوقع أن يضاعف تدفقات تحويلات المغتربين، فضلا عن مساهمته في تشجيع الصادرات وتقليل الواردات علما بأن الاستيراد سيصبح مكلفا للسلع غير الضرورية مما يشجع الانتاج المحلي ويعمل على معالجة عجز الميزان التجاري ولذلك فإنني أعتبر أن السياسات المطلوبة هي أن يكون سعر الصرف مشجعا للصادرات ومحفزا لتحويلات المغتربين ومقللا لاستيراد السلع غير الضرورية، مؤكدا أهمية تحجيم السفر والمدفوعات غير المنظورة والمضاربة في سوق النقد الأجنبي لما لذلك من اسهامات كبيرة في تقريب الفارق بين السعرين الرسمي والموازي للدولار. وقطع ذات المصدر بصعوبة محاربة السوق الموازي غير أنه أكد إمكانية توفير موارد له بزيادة المعروض من النقد على أن يتسق ذلك تماما مع سياسات واجراءات أخرى تعمل على ترشيد الطلب على النقد تتمثل في تقليل الإنفاق العام وذلك بإنفاذ قائمة السلع المحظورة ومنعها تماما من الدخول عبر الموانئ المختلفة لأن الهدف ليس تحقيق ايرادات جمركية وإنما ضبط الطلب على النقد الأجنبي ولو حتى بفرض غرامات مالية لأن الهدف ليس توفير موارد مالية وإنما ترشيد الطلب، داعيا السلطات الجمركية الى ابتكار آليات جديدة للسيطرة على السلع المحظورة وعلى أن تدرك السلطات بالدولة بكافة مستوياتها أن استثناءات السلع المحظورة هي السبب الأساسي في رفع أسعار الدولار مقابل الجنيه مما يتطلب التنسيق مع سلطات وزارة التجارة الخارجية لمنع التزوير في المستندات من أجل تعديل أسعار السلع المستوردة والمصدرة واحكام التنسيق مع السلطات المالية وسلطات البنك المركزي للتأكد الكامل من إنفاذ نمط متابعة دقيقة لإنفاذ اللوائح والضوابط. وإضاف إن الحل الأمثل لإدارة نظام سعر الصرف هو التحرير الكامل لسعر الصرف بحيث يتحدد سعره عبر قوى العرض والطلب ولكن ليس في هذه المرحلة بالغة التعقيد، فإذا ما انتفت آثار الصدمة الاقتصادية وتم توحيد السعر الرسمي والموازي يمكن اتباع نظام سعر الصرف المعوم ولكن في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد فإن تحرير سعر الصرف سيمثل مصدرا أساسيا لارتفاع الضغوط التضخمية وانتقال الاضطرابات من القطاع الخارجي للقطاعات الاقتصادية الأخرى مما يعمق من آثار الصدمة الاقتصادية ولذلك لابد من تأجيل توقيت تحرير سعر الصرف الى مرحلة ما بعد الصدمة. وقطع رئيس اتحاد المصارف مساعد محمد أحمد بأن الحل الوحيد والحاسم لهذه الظاهرة لا يتأتى إلا من خلال تحرير سعر الصرف ولكنها خطوة تحتاج الى ترتيبات. وقال مساعد ل(السوداني) إن أي تعامل في شراء وبيع النقد الأجنبي خارج القنوات الرسمية المسموح بها سواء كانت بنوك أو صرافات من شأنه الإضرار بالاقتصاد، مشيرا الى أن الفارق الكبير بين سعري الدولار الرسمي والموازي هو الذي نشط من تجارة العملة وأسهم في اصطياد أي عملات أجنبية يمكن أن تصدر من القنوات الرسمية ومن بينها ما يتم تخصيصه للصرافات من البنك المركزي للمسافرين للأغراض المختلفة سواء مأموريات أو علاج أو خلافه من الاحتياجات الحقيقية وزاد: للأسف فإن هذه الظاهرة تبناها تجار العملة في شكل (سفر وهمي) وهو مسلك مضر وغير مشروع وخال من الغرض الذي منحت من أجله المبالغ وبالتأكيد خلق وضعا غير مناسب لتلبية الاحتياجات الأساسية والخطوات التي اتخذها البنك المركزي لتلبية الاحتياجات الأساسية، مشيرا للسياسات الترشيدية التي نفذها البنك المركزي والمتمثلة في تخفيض المبالغ المخصصة للمسافرين تدريجيا لقلة النقد الأجنبي ولتفويت الفرصة على المضاربين من استغلال الموارد الموجهة للشرائح المعينة، مؤكدا أن ذلك يتطلب بذل جهد أمني كبير لمنع التلاعب والتأكد من أن المبالغ التي تمنح توجه للأغراض الحقيقية.