يتناول هذا المقال بإيجاز شديد تقييماً عاماً لقرار مجلس الأمن رقم 2046 الصادر بتاريخ 2 مايو 2012 وتوضيحاً لجوانب الضعف فيه من حيث الوقائع والقانون لمناهضته فنياً ومهنياً، كما يتضمن رؤية لكيفية مناهضته سياسياً واستراتيجياً: اولاً: التقييم العام للقرار 2046: قرار مجلس الأمن رقم 2046 الصادر بتاريخ 2 مايو 2012 قرار متعسف وكارثة من حيث الشكل والمضمون، ولقد استخدمت فيه صياغة مخادعة جردت السودان من كل حقوقه المعترف بها في القانون الدولي. والقرار في غاية الخطورة لأنه كيف الحالة بأنها تهديد للسلام والأمن الدوليين، ولأنه يصدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يعطي مجلس الأمن الحق في استخدام كل ما يلزم بما في ذلك القوة المسلحة. وفي ذلك الصدد ينص القرار على أنه يمكن اتخاذ تدابير بموجب المادة 41 من الميثاق التي تعطي مجلس الأمن الحق في فرض كافة التدابير بخلاف القوة كل أسبوعين في حالة عدم الامتثال لأي جزء من القرار، ولكن على الرغم من ذلك فإنه قرار ملزم ويجب التعامل معه للتقليل من السلبيات ومضاعفة الإيجابيات. وفي تقديرنا أن أولى خطوات ذلك التعامل ينبغي أن تتضمن إعداد مذكرة على وجه السرعة حول كافة جوانب الضعف في القرار من حيث الوقائع والقانون وإرسالها إلى كافة الدول خاصة أعضاء مجلس الأمن حتى تؤخذ تلك الجوانب في الاعتبار عند متابعة تنفيذ القرار اللصيقة التي تتم كل خمسة عشر يوماً، ومن ثم إدارة كافة جولات المفاوضات بمهنية واحتراف وإعداد جيد، مدعوماً بتحرك سياسي مكثف على كافة الأصعدة الثنائية والاقليمية والدولية لخلق رأي عام داعم لمواقف الحكومة التفاوضية، وبالإضافة إلى ذلك دعم التفاوض بتوحيد الجبهة الداخلية على النحو الذي سوف يرد لاحقاً في هذا المقال. ثانيا: جوانب الضعف في القرار من حيث الوقائع والقانون من أجل مناهضة تنفيذه فنياً ومهنياً: تشمل جوانب الضعف في القرار من حيث الوقائع والقانون الآتي: (1) الإدانة: (أ) أدان القرار "الاستيلاء" على هجليج وليس "العدوان" على هجليج ولا شك أن الكلمة التي استخدمها القرار غير صحيحة لأن ما حدث هو "عدوان" صريح، كما أدان القرار "الأضرار" التي لحقت بالمنشآت النفطية وليس حكومة جنوب السودان. (ب) بالإضافة إلى ذلك وردت الإدانة في ديباجة القرار وليس في فقراته العاملة وذلك يضعفها كثيراً. (ج) لم يوضح القرار الجهة التي استولت على هجليج أو الجهة التي ألحقت الأضرار بالمنشآت النفطية وهي حكومة جنوب السودان، في حين أسند القصف الجوي للقوات المسلحة السودانية. (د) ساوى القرار بين احتلال هجليج وهو عدوان مسلح، وبين القصف الجوي الذي هو دفاع عن النفس. (ه) رحب القرار بسحب جيش جنوب السودان من هجليج، ولا شك أن ذلك يسحب كل زخم احتفال الشارع السوداني بتحرير هجليج وتوحيد الجبهة الداخلية. (2) الخسائر: لم يحدد القرار إطاراً زمنياً لقيام العملية المحايدة لتقييم الخسائر ولم يكلف بها أي جهة محددة ولم يلزم بها حكومة الجنوب، وفوق كل ذلك ورد الموضوع في ديباجة القرار وليس في فقراته العامة مما يضعفه كثيراً ويجعله غير قابل للتنفيذ. (3) أولويات التفاوض: تبنى القرار أولويات التفاوض التي تنادى بها حكومة جنوب السودان وهي النفط والحريات الأربع ثم الحدود وأبيي، في حين أن الجوانب الأمنية واحتلال الأراضي بالقوة المسلحة ودعم الحركات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور هي الموضوعات التي اشتكى منها السودان لمجلس الأمن. (4) سلطة مجلس الأمن فى حالة فشل المفاوضات وإعطاء دور للإيقاد: أعطى مجلس الأمن نفسه الحق في فرض مقترحات خلال 4 أشهر عن جميع المسائل التي لم تتوصل المفاوضات إلى حلها، بما في ذلك النفط والحريات الأربع وهي أمور تقع خارج اختصاص مجلس الأمن وهي من الحقوق السيادية لكل دولة. وبالإضافة إلى ذلك فإن تلك المقترحات سوف تقدم بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة بالتشاور مع فريق الاتحاد الافريقى ورئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الإيقاد) ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي . ومن المعلوم أن الحكومة ترفض إعطاء أي دور للإيقاد ناهيك عن رئيسها الحالي وهو الرئيس موسفيني رئيس يوغندا الذي يكن عداءً واضحاً للسودان. (5) جنوب كردفان والنيل الأزرق: سمى القرار التمرد المسلح غير المشروع في جنوب كردفان والنيل الأزرق "التناحر" وليس تمرداً مسلحاً ضد الدولة، واعترف القرار بالحركة الشعبية "لتحرير السودان" قطاع الشمال، وهو توصيف غير مشروع، كما جرد القرار الدولة من حقها القانوني في استخدام القوة المسلحة لمواجهة القوة المسلحة التي تستخدم ضدها في جنوب كردفان والنيل الأزرق. (6) تكييف موضوع الحدود حسب رؤية حكومة جنوب السودان: إشارة القرار إلى الحدود "المتنازع" عليها مفهومة ولقد تم الاتفاق على ذلك، ولكن الإشارة إلى "الحدود المطالب بها" أمر غير مفهوم ويمثل رؤية حكومة جنوب السودان ويدخل مناطق جديدة ضمن المناطق المتنازع عليها ويجعل ذلك الباب مفتوحاً إلى مالا نهاية لمصلحة حكومة جنوب السودان. ثالثاً: مناهضة القرار من الناحية السياسية والاستراتيجية عن طريق توحيد الجبهة الداخلية: فى تقديرنا أن أسباب النزاع المسلح في السودان سواء كان مع جنوب السودان أو في جنوب كردفان أو النيل الأزرق أو دارفور أو خلافه هي اختلاف الرؤى السياسية بين النخب الحاكمة والنخب المعارضة. ولا شك أن الحد الأدنى الذي ينبغي أن يجمع كل تلك الرؤى هو حقوق الإنسان التي تشكل جوهر مطالب كافة المواطنين في تلك المناطق في كل زمان ومكان؛ ولذلك فإن أقوى مناهضة للقرار تكون من خلال تبني برنامج حقوق الإنسان يلبي مطالب كافة المواطنين بما في ذلك مواطنو جنوب السودان، وعلى أساس ذلك البرنامج تتوحد الجبهة الداخلية ويتم التوصل إلى حلول لكافة موضوعات التفاوض تنال رضا كافة المواطنين وتوحد الجبهة الداخلية وإن كانت تقل عن السقف الذي ترغب فيه النخب السياسية. * رئيس مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان (KICHR)