حوار: آمنة السيدح - حالي يحي - تصوير: سفيان البشرى: لم ينتهِ بعد سيناريو استهداف السودان من مجلس الأمن الدولي، حيث صدرت في حقه عدة من قرارات، في مجملها مجافية للواقع، وبعيدة عن العدالة الدولية، أخر هذه القرارات هو القرار (2046) الذي ساوى فيه بين الجلاد والضحية بحسب الخبير في القانون الدولي دكتور عبدالوهاب محمد الحسن، كشف خلال حديثه عن عيوب وثغرات القرار الذي اعتبره استخفافاً بميثاق الأممالمتحدة.. مشيراً إلى ملابسات حادثة هجليج الأخيرة والتي اتخذها مجلس الأمن الدولي مسوغاً للقرار (2046)، دون أن يستند إلى لجنة تقصي حقائق فعلية، منوهاً إلى أن السودان استعمل حقه في الدفاع عن أرضه، ولم يكن معتدياً كحال السودان الجنوبي.. كما أبدى استغرابه من تمادي القرار في استهداف السودان، وقال لماذا يطالب السودان بمفاوضة قطاع الشمال ولم يطالب جوبا بمفاوضة متمرديها.. واعتبر دكتور عبدالوهاب الأمر لم يكن مقتصراً على هذا الحد، بل اعتبر القرار (قطاع الشمال) دولة ثالثة في فقرة تحذيرية بإنزال العقوبات على السودان أو السودان الجنوبي، أو قطاع الشمال.. والأصل أن العقوبات معنية بالدول.. المزيد من حديث الخبير القانوني في سياق هذا الحوار.. بداية ما هي حيثيات القرار ومدى الزاميته على الطرفين..؟ - نحن لدينا رأي في طريقة صياغة القرار، وما يترتب على صدوره، بموجب الميثاق قرارات مجلس الأمن ملزمة للأعضاء.. وهو قرار سياسي يستند إلى نص قانون الميثاق والدول الأعضاء في مجلس الأمن، توكل المجلس لإعادة السلم والأمن إذا حدث له اختراق- أي إنابة المجلس بتحمل مسؤولية حفظ السلم الدولي، ولكي تكون هذه الإنابة قيمة عملية تتعهد الدول بقبول قرارات مجلس الأمن.. وبجب أن تكون هذه القرارات وفقاً للميثاق ولمبادئ الأممالمتحدة وأغراضها.. المادة (1) و(2) من ميثاق الأممالمتحدة، مقابل هذه الإنابة يلتزم الجميع بقبول قرارات مجلس الأمن الدولي بما فيها أطراف النزاع.. هذه سلطات خطيرة جداً لأن هناك استغلالاً لهذه السلطات، المادة (39) أعطت الحق لمجلس الأمن في تحديد ما إذا كان هناك اخلال في مسألة الأمن والسلم في آن... لديه التقييم.. وحصل توسع في مفهوم الإخلال بالأمن والسلم العالميين في الفترة الأخيرة.. الأصل هو حدوث الإخلال بالأمن السلم الدوليين، حينما يحدث نزاع مسلح بين دولتين.. الآن توسع الأمر وأصبح المجلس يتدخل حتى في النزاع الداخلي، على الرغم من وجود نص واضح يذكر أنه ليس من حق الأممالمتحدة التدخل في شأن داخلي، هي من صميم السلطات، توسعوا في هذا المفهوم بدعوى أن النزاع الداخلي (قد) يؤدي إلى إخلال بالسلم خارج حدود الدولة.. وما يحدث في سوريا مثلاً قد يؤثر في إسرائيل أو تركيا أو العراق باعتبارها دول جوار، ونحن كقانونيين لدينا رأي كذلك على كلمة (قد) الافتراضية، الأممالمتحدة لديها أجهزة أهمها هي مجلس الأمن، وهناك الأمانة العامة، محكمة العدل الدولي، والمجلس الاقتصادي وغيرها.. أهم جهازين هما مجلس الأمن والجمعية العامة، مجلس الأمن فعاليته أصبحت أكبر، لكن في الميثاق السلطة الأكبر هي للجمعية العامة المادة «12» تذكر أن أية قضية تعرض على مجلس الأمن لا يجوز للجمعية العامة التدخل فيها. الجمعية العامة بدورها عملت على اختراق هذا النص حينما حدثت الحرب الكورية في الخمسينيات، وكانت هناك جهود لوقف هذه الحرب، عجز مجلس الأمن عبر استعمال الاتحاد السوفيتي للفيتو لحل الأزمة، والاتحاد السوفيتي كان يرى أن الطرف الذي يؤازره في الحرب الكورية وضعه أفضل.. والمعروف أن قرارات مجلس الأمن الدولي تصدر بالتصويت، وأي اعتراض من دول دائمة العضوية يبطل القرار.. أما إذا امتنعت دولة مثلاً لا يؤثر على إصدار القرار. في الحالة أصدرت الجمعية العامة قراراً يسمى الاتحاد من أجل السلم، صدر نهاية عام 1950م، وهو قرار تاريخي، إخفاق مجلس الأمن أدى الى صدور قرار الاتحاد من أجل السلم، يمكن للجمعية العامة التدخل في قضايا السلم والأمن في حال عجز المجلس، إذا ما اجتمع 51% من دول أعضائه أو سبعة أعضاء من مجلس الأمن... ويصدرالتدابير اللازمة في هذا الشأن.. ذات الأمر الآن يحدث في سوريا، هناك فيتو روسي صيني يقف إلى جانب سوريا، يعترض صدور قرارات من مجلس الأمن الدولي ضد سياسات دمشق مثلاً.. هل يمكن لجهة ما أن تقول لمجلس الأمن أنت مخطئ أو لم تطبق المعايير المشار إليها في المادة (24)(2)، أن تكون قراراته وفق مبادئ الأممالمتحدة..؟ - لا توجد جهة يمكن أن تعترض على قرار مجلس الأمن حتى محكمة العدل الدولية.. ويمكن للمحكمة أن تتدخل فيما هو معروض على مجلس الأمن الدولي في جانبه القانوني فقط، أساساً القرار سياسي ويخضع لموازين المواءمة أكثر من موازين القانون، يحاول دائماً يقيم توازنا بين أطراف النزاع. ü إذن كيف تفسر المسألة في حالة النزاع السودني ودولة جنوب السودان..؟ - أولاً لابد من التنبيه على أن اسم الدولة الجديدة هو دولة السودان الجنوبي، وليس دولة جنوب السودان (Southern Sudan) وليس صحيحاً تسمية الدولة «جنوب السودان». المشكلة هنا تكمن في أن مجلس الأمن تدخل بعد حدوث عدوان على هجليج واحتلالها.. استمر العدوان حوالي (10) أيام، ومجلس الأمن أدان الهجوم والاحتلال.. بان كي مون أمين عام الأممالمتحدة طالب سلفاكير بضرورة سحب قواته، ورد عليه سلفاكير بأنني لا آخذ التعليمات منك..!!!؟ الشئ المدهش أصدرت الأممالمتحدة في عام (1970) قراراً برقم (3314)، قرار تعريف العدوان صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي السلطة الأم والتدابير العامة باستدامة الأمر والسلم، هي مسؤولية الجمعية العامة وتصدر القرارات بالأغلبية.. صلاحية مجلس الأمن تتمحور في إعادة السلم والأمن في موقع ما، حينما يحدث اخلال واضح، وتقتصر مهمته في هذا الأمر.. مكافحة التسلح النووي وغيرها من الأمور هي بيد الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وهي من تصدر التوجيهات.. حتى الدول كأعضاء تتلقى التوجيهات من الجمعية العامة.. للعدوان وفق تعريف المادة (3314) له ست صور وهي: استخدام دولة عبر قواتها تعتدي على دولة أخرى، وخاصة هذا العدوان مصحوب باحتلال، أو بالقصف دون احتلال، أو باحتلال موانئ، أو استخدام للقوة ضد المؤسسات العسكرية، والمنشآت والمرافق المهمة للدولة.. أو أن يستعمل خارجون أو متمردون أراضي دولة أخرى في الاعتداء على بلدهم، كل هذه صور للعدون.. وفي حالة السودان حدثت صورتين للعدوان على سلامته وآمنه. استعمال المتمرد للدول المجاورة كمنصة ضد السودان.. السودان الجنوبي لم يكتفِ باحتلال هجليج، بل استعمل معه - ضمن قوات الحركة الشعبية- متمردين ضد السودان.. وفق نص هذا التعريف للعدوان ما يزال العدوان قائماً بوجود الفرقتين (9) و(10) في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولم تفك ارتباطها بالحركة الشعبية في السودان الجنوبي، ومحتلو بعض الأراضي يسمونها بالمناطق المحررة.. هذه المسألة لم تعالج. كيف برأيك يتم علاج هذه المسألة هناك تناقض بين نص تعريف العدوان والواقع للموازنات بين الجاني والضحية..؟ - يلزم السودان باجراء مفاوضات مع متمردين شماليين (قطاع الشمال) والقرار (2046) اعتراف بمتمردين في قرار صادر للأمم المتحدة، وهذا خلاف لميثاقها، وليس من اختصاصها التدخل في الشأن الداخلي، هي من صميم صلاحيات السلطات الداخلية.. وهذا في حد ذاته التفاف وتماشي القرار أن يسمى المعتدي بمعتدٍ، بل ركز على نقطة أراد منها القرار جعل توازن، وتحدث عن استعمال السودان للقصف الجوي، واعتبره اعتداءً على السودان الجنوبي، المادة (51) من الميثاق توضح أنه ليس هناك ما ينقص في حق أي دولة الدفاع عن نفسها إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة.. والسودان حينما استعمل القوة المسلمة لاجبار المعتدي على التراجع، كان يستعمل في حق الدفاع الشرعي، واستعمل القصف الجوي لضرب خطوط الامداد لجيش الحركة الشعبية واضعافه حتى لا يستمر في احتلال هجليج، ولابد إذن بحكم الواقع ضرب خطوط الإمداد. بعد انتهاء أزمة هجليج ما الذي يدفع بتدخل مجلس الأمن بهذه الصورة..؟ - مجلس الأمن من وراء قضايا حفظ السلم والأمن يسعى لتحقيق مصالحه وأهدافه وفق الاستراتيجيات المرسومة، ومعلوم أن الولاياتالمتحدة تبادل (الكرة) للسودان وليس فقط تعادي المؤتمر الوطني.. ولم يكن هناك أي ود في العلاقات.. الولاياتالمتحدة لها استراتيجية ضد السودان بصرف النظر عن من يحكم.. وقد يكون أشد عداء للخرطوم، الأمر الذي لم تعمل واشنطن حتى اللحظة لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب، وهي استرتيجيات تظهر من وراء الكواليس ما هي العيوب أو الشروخ الموجودة في القرار (2046) من الناحية القانونية؟ - القسم الأول من القرار متعلق بمسائل أمنية في حال تحديد منطقة عازلة، هذا سيكون إيجابياً لصالح السودان، على الرغم من وجود ثغرات طالب القرار بسحب القوات من الدولتين، السودان لم يكن لديه قوات داخل الدولة المجاورة، حاول القرار مساواة بين الطرفين.. أنا أتساءل كيف يذكر القرار مسألة سحب الطرفين لقواتهما، ونعلم أن السودان لم يكن له قوات في السودان الجنوبي، ومَن احتل أرض مَن...؟!! والغريب أن حكومة الجنوب اعترفت باحتلالها لهجليج، بل وزعمت بأنها أرض تابعة لها، مع أن الميثاق يوضح أنه ليس هناك اعتبارات تبرر العدوان حتى ولو كانت سياسية، وأي خلاف يمكن حله عبر وسائل سلمية دون استعمال للقوة مثال التفاوض، حتى ولو اعتبرنا أن هجليج تابعة للجنوب وحدث انفصال، ليس من المفترض استعمال القوة لإعادتها.. التفاوض والتوسط عبر محكمة العدل الدولية، كلها وسائل سلمية لحل المنازعات والخلافات السياسية، أو الاقتصادية لا تبرر أي عدوان، السبب الوحيد الذي يبرر استعمال القوة هو الحق الشرعي في الدفاع، فقط وهذا هو الاستثناء الوحيد، حتى الرد مربوط بوقفة في حال تدخل مجلس الأمن الدولي.. كما أن في هذه الحالة مجلس الأمن تدخل بعد خروج قوات الجنوب من هجليج بينما أصدر قرارا واعتبره عملاً غير مشروع.. المشكلة تكمن في تكييف ملابسات حادث الاحتلال.. ووفق القانون هناك (عدوان).. هل كانت هناك لجنة من مجلس الأمن الدولي لتقصي الحقائق تم بناء القرار على توصياتها...؟ - لا لم تكن هناك لجنة تقصي.. وإلا إذا كانت حريصة على إظهار الحقائق.. ولأظهرت أن استعمال السودان حق الدفاع كان على الحدود المتاخمة لضرب خطوط الإمداد، والقرار على الرغم من صدوره بأكثر من 22 ديباجة لم يذكر مسألة أحقية التعويض مكتوب في الديباجة فقط.. وتغافل مجلس الأمن عن أن السودان رد على العدوان بالقصف بعد (10) أيام من احتلال هجليج.. والسودان في خطته لتحرير هجليج قصف خط الامداد على الحدود المشتركة.. والسؤال أين هي لجنة الحقائق التي كان من المفترض إرسالها لأرض الواقع.. هل هناك صورة التقطت عبر الأقمار الصناعية توضح اعتداء السودان على السودان الجنوبي أم العكس.. كيف تفسر مطالبة القرار للسودان بالجلوس مع قطاع الشمال، بينما لم يطالب دولة الجنوب بالجلوس مع متمرديها..؟ هذا في حد ذاته سؤال لابد من طرحه على مجلس الأمن الدولي... ولو بالنفاق على الأقل، لو طالب الجنوب بذلك كان أفضل له.. هذا واضح في مثل الاستهداف المقصود به السودان.. والفقرة الأخيرة من القرار فيها إذا تجاوز الطرفان الوقت المعلوم ولم ولم يبد أحد الأطراف الجدية في حل النزاع ستقع عليه العقوبات.. ومن هذه العقوبات قطع العلاقات الدبلوماسية.. هل ستقطع العلاقات الدبلوماسية مع ياسر عرمان؟ هل ستطرد عرمان إن كانت له دولة ثالثة نحن لا نعرفها!!. واحدة من سقطات القرار 2046 قطاع الشمال ليس دولة.. العقوبات المنصوص عليها في المادة 41 من القرار هي عقوبات لا تطبق إلا علي الدول.. فكيف ستطبق في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع قطاع الشمال .. كيف يستقيم الأمر ( ايقاع العقوبات على السودان والسودان الجنوبي وقطاع الشمال). ألا تعتبر أن القرار بما يحمله من تناقضات هو بمثابة استخفاف بالدول والقانونيين؟ قبل أن يستخف بنا نحن أو الدول؟. هو استخفاف بمثاق الأممالمتحدة، القرار في حد ذاته جاء متعجلاً يحمل أخطاء قاتلة فكيف تسوي بين الضحية والجلاد، الأغرب أن التعامل مع قطاع الشمال كدولة. في حالة التوصل إلى اتفاق هل سيظل الاستهداف قائماً؟ نعم.. الاستهداف قائم في حالة التوصل إلى اتفاق أم لم يتم.. كل معطيات الواقع تؤكد ذلك.