سواء فاز الليبراليون أو الإسلاميون أو غيرهم في الانتخابات الليبية الحالية فليست هي القضية الأولى فالفائز الحقيقي هو الوطن وهو الشعب الليبي البطل الذي انتصر في معركة الحرية والكرامة انتزعهما غلابا من أكثر الأنظمة والزعامات العربية طغيانا وفسادا وإفسادا فكل أولئك الفائزين هم وطنيون وثوار حتى النخاع ضحوا من أجل الوطن والأهل والحرية والكرامة وصبروا على الطاغية أربعين عاما ونيفا فانتهى إلى (ماسورة) يحاول أن يتخفى ويختبئ فيها من الثوار وقدره المحتوم فضاقت عليه أرض ليبيا الثورة والحضارة بما رحبت مثلما يصبر اليوم ثوار سوريا وغيرهم على المستبدين الفاشلين والظلمة الكاذبين الفاسدين. كيف لا ينتصر الشعب الليبي وقد ارتبط بالحضارات الإنسانية منذ عصور ما قبل التاريخ بشمال أفريقيا والمغرب العربي حين ظهرت حضارة دابا قبل 10000 ق.م وانطلقت حضارة العصر الحجري الحديث فعصر البرونز ثم عصر التجارة حيث أسس الفينيقيون مراكز تجارية على طول سواحل ليبيا. انتصرت ليبيا على الغزاة وآخرهم الإيطاليون ولكنها استقبلت الإسلام وأصبحت جزءا من دولة الموحدين فالحفصيين وكان قد خرج منها عبد الله بن أبي السرح لفتح شمال افريقيا عام 639 م. وأخيرا استقبلت الحركة السنوسية ذات الطابع الإصلاحي التي أسست للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عن أسلوب العنف والتطرف الديني فازدهرت التجارة والزراعة وحباها الله بمورد البترول، وكان يفترض أن يحولها نظام الطاغية إلى دولة من أفضل وأجمل الدول لكنه دمرها تدميرا. ها قد دقت ساعة العمل بعد انتخابات حرة ونزيهة وصادقة فليوفقهم الله فهم يستحقون كل الخير. خطأ الإخوان لا يعالج بمعارضة مرسي أخطأت جماعة الإخوان المسلمين المصريين حين أصرت على تقديم الانتخابات على وضع الدستور المصري فها هم يواجهون نتائج ذلك فقد كان الأولى وضع الدستور كما يضع المهندس خارطة المنزل أولا ليبنى بالطريقة السليمة فانتهوا لهذه الوضعية السياسية التي يخشى أن تؤدي إلى نتائج لا نعرف كيف ومتى تعالج هل بالمواجهة أم بالحكمة؟ كان يمكن الاتفاق على دستور يمثل القواسم المشتركة والحد الأدنى للاتفاق الوطني وطبيعة وشكل النظام وكافة المواد الدستورية المعروفة ووضع واختصاصات المحكمة الدستورية والقضاء بشكل عام وعلى رأس ذلك العلاقة بين جميع السلطات الثلاث ووضع المجلس العسكري ومستقبله ثم وضع قانون انتخابات واضح وإجراؤها وفقا لذلك فلا يحدث هذا التنازع الخطير كما اليوم، ولعل ذلك يذكرني باستعجال الأحزاب السودانية الانتخابات والسلطة عقب ثورتي أكتوبر 1964 وابريل 1985 فحدث ما هو معروف من ارتباكات سياسية نتائجها الكارثية معروفة في السودان المعاصر. الآن يستغل أعداء الرئيس الشرعي المنتخب د. مرسي قراره القاضي بعودة مجلس الشعب ويحاولون إجهاضه وربما إسقاط د. مرسي وهذا خطأ كبير فقرار الرئيس المصري قرار ذكي وحكيم ومتوازن فهو لا يتعارض ولا يتدخل في اختصاصات المحكمة الدستورية بل يدعمها في حقيقة الأمر حين يدعو إلى إعادة انتخابات المجلس بعد وضع الدستور خلال شهرين، إنه يعالج المشكلة بتوازن دقيق حيث إن سلطته ومسئوليته التنفيذية تحتم عليه التحرك بالكفاءة والعدالة اللازمة من خلال منظور سياسي حكيم ويملأ الفراغ الدستوري بعد انتهاء مدة المجلس العسكري الذي يجب أن يعود لمهمته الأساسية وكذلك لا يضعف سلطة الرئاسة التي ينبغي أن تتحرك بالتوازن المطلوب. ولهذا يتعين على القوى السياسية المصرية جميعا أن تكون حصيفة وحكيمة فلا تقع مصر التي نتطلع إلى استقرارها فتقدم لنا أنموذجا ديمقراطيا للعالم العربي يخرجنا من هذا النفق المظلم، إلا تفعل القوى المصرية التي جاءت بالثورة ذلك فسيعود حتما نظام مبارك على جواد الفريق شفيق الذي تحركه الفلول بعلم ووعي أو غير ذلك، المكايدات السياسية ستدمر مصر وثورتها.