أبو علي آكلاب الثروة الحيوانية يا اتحاد الرعاة يطلق الاقتصاديون عبارة "أبو الاقتصاد" على حرفة الرعي لأنه على موارده أنبتت النظريات المالية حيث كانت المقايضة وتبادل السلع وسك "النقود" والثروة الحيوانية في بلادنا مهملة وظل المجتمع لا يهتم بها إلا حينما يحتاج إلى اللبن واللحم، أما اتحادات الرعاة فإنها ترهلت ونسيت القضية التي من أجلها تقدمت الصفوف ومشكلة قياداتنا في مختلف ضروب المسؤولية ينتهي حماسهم بمجرد تسنمهم قمة "الوظيفة" كأنما الوظيفة هي الغاية والمحطة الأخيرة التي يضعون عندها سلاح النضال لا خطط واستراتيجيات نستهدي بها إنها سياسة رزق اليوم باليوم التي تعتمد على ردود الفعل ثم إن قياداتنا تقول ولا تفعل وتعد ولا تفي ولكم وعدنا الجماهير بالنجوم ودغدغنا مشاعرهم بالخطب الرنانة حتى سال لعابهم وامتلأت القلوب بالآمال السراب، إن قيادتنا تظهر على خشبة المسرح السياسي أثناء الانتخابات ثم تذوب في ثنايا خبر كان حتى إن الناس قد ملوا أسلوب الوعود الخلابة وفقدوا الثقة في رموزهم، والرعاة أكثر فئات المجتمع السوداني تضررا وتظلمنا ونقول للإخوة في اتحادات الرعاة فلنتق دعوة الراعي لأنه مظلوم ودعوة المظلوم تشق عنان السماء وتأتي بالوبال والكوارث لأولي الأمر، لقد خطى العالم من حولنا خطوات جبارة وهو يزمع تسنم المعالي والانعتاق من آثار التخلف وسكب أفراده العرق لتحقيق المعجزات حتى انتقل من مرحلة الرعي إلى مرحلة التصنيع وعبر الصناعة قفز إلى أن ارتاد الثريا لتتكشف له مجاهل الكون باحثاً عن مستقر له في كوكب القمر، إنه الإنسان المتطلع الخلاق والباحث عن الحقيقة والإنسان الراعي يعشق الهدوء والحياة الهنية واللينة حيث تمرح السعية في المروج بينما هو جالس تحت شجرة ظليلة يعزف على أوتار الرباب أو يناغم المزمار هذه الحياة الرخية تجعل الإنسان يمكث الأحقاب في المربع الأول من تطور الإنسان والثروة الحيوانية بالنسبة للراعي في السودان ذات قيمة اجتماعية وليست ذات قيمة اقتصادية حيث إن الرعاة يفتخرون بأنهم يملكون ثروة هائلة والتفاخر من القيم العتيقة التي لا سوق لها في زماننا هذا، إن مجتمع الرعاة يعيش في برك آسنة من التخلف يحتاج إلى هزات عنيفة حتى يتمكن من صياغة إنسان جديد يواكب أسباب التطور ومعروف أن الحروب والكوارث الطبيعية قد خلقت من مجتمع الرعاة "والكاوبويات" عدداً من العلماء سكبوا عصارة فكرهم لتسخير معطيات الطبيعة وكانت مرحلة انطلاق الإنسان المبدع الخلاق ونحن في السودان ظللنا في كل العهود نسهم في إبادة ثروتنا الحيوانية، إن مشاريع الجزيرة والقاش وطوكر التي أقامها الانجليز كانت بداية الإبادة للحيوان إن الانجليز أقاموا تلك المشروعات لتغذية صناعتهم وتشغيل مصانعهم ببريطانيا فمنذ تلك اللحظة أصبحت الثروة الحيوانية العدو الأول للزراعة وحشدت كل الإمكانات من عربات وعساكر مسلحة لمطاردة الحيوان وإبعاده من المناطق الخصبة التي تنتج العشب وأصبحت ثقافة المجتمع واتساقاً مع سياسات تلك الحكومات أن الحيوان ثروة غير مرغوب فيها وأن ضرر وجودها أكبر من نفعها ورغم معرفة المستعمر أن المزارع السوداني راع وكان يمول الزراعة بالثروة الحيوانية، كانت سياسة المستعمر أن تنفق الثروة الحيوانية ويتعرض الراعي للانقراض، إن مكاتب المراعي عبارة عن "هياكل" عديمة الإمكانيات مهملة وتفتقد أبسط مقومات الحركة، وموظفو المراعي لا يرفعون قضيتهم بالصوت العالي كأنما يخجلون من ذلك وكأنما الثروة الحيوانية "شر متفق على إبادتها" واتحادات الرعاة ذات تحرك موسمي اتخذت لنفسها مواقع متقدمة في دواوين الدولة وامتلكوا العربات الفارهات وحينما هبت نسائم المكيفات تدغدغ أحساسيهم طفقوا يغطون في سبات عميق ونسوا الراعي تطارده الشرطة مدججة بالسلاح لإبعاده من المناطق الخصبة والمعشوشبة تركوه تلاحقه دواوين الجباية ورسوم الزكاة ورسوم المراعي ورسوم الضرائب وهكذا أحالت الدولة حياة الراعي الذي استطاع تربية حيوانات فاخرة إلى جحيم لا يطاق ونفقت ثروتنا الحيوانية حتى أصبحنا نستورد الأبقار من أثيوبيا، أين اتحاد الرعاة؟ لنقول لهم أفيقوا من سباتكم العميق فالقضية ليست مواقع وتقلد مناصب إنما مسؤولية يحاسبكم عليها الله، أين المراعي المخصصة للرعي؟ أين مياه الشرب؟ أين المراكز الصحية المتحركة؟ والخدمات البيطرية؟ وأين القوانين التي تحمي الرعي والرعاة وتوقف تغول المزارع على الرعي؟ إن من أولى مهام اتحادات الرعاة أن ترتفع أصواتهم وتهز دواوين الدولة لتحشد الميزانيات والأموال لخلق مراعي ومجامع للرعاة، والرعاة هم نصف المجتمع في السودان ومن مهام اتحادات الرعاة إفهام الدولة أن إسعاد الرعاة والعمل على استقرارهم رسالة سامية وأمانة في أعناقهم ولتخترق اتحادات الرعاة المجتمع المنغلق وتبث نور الوعي بين الصفوف فالراعي مكبل بقيود الأمية والتخلف والتنمية البشرية لا يمكن أن تتحق إلا إذا تمازج اتحاد الرعاة مع الأفراد والمجتمعات فالراعي يتمترس خلف تقاليد بالية لا سوق لها في زماننا والرعاة قوم يفترشون الأرض ويستظلون السماء دنياهم الترحال الأبدي وكلما ابتسمت السماء بالمزن واخضرت الأرض بالعشب أقبل المزارعون على الأرض بالمعاول والآلات يحرثون الأرض وينظفونها من العشب الذي تعتمد عليه الثروة الحيوانية ويزرعونها ثم يحشدون الجيوش المدججة بالسلاح لطرد الثروة الحيوانية يسنون القوانين توطئة لمحاكمتهم وينشؤون زرائب الهوامل لتحجز فيها المواشي ولا يطلقون سراحها إلا بعد دفع الغرامة وإذا تبقى من أرض الله الفسيحة ما لم تصله يد المزارع فإن المحليات تفرض عليهم رسوم مراعي، إنها حياة عذاب وشقاوة إن من تقع على عاتقهم مسؤولية هؤلاء البؤساء فإنهم على جرف هار من عذاب الله لأن الرعاة قوم يوكلون أمرهم إلى الله ولا يطلبون من الدولة وأجهزتها إلا أن تتركهم وشأنهم وتقيهم شر المحليات ورسومها، ولنصب اهتمامنا على هذه الثروة الهائلة والشريحة المظلومة ولنحافظ على ثرواتنا الموروثة.