الأمير نايف بن عبدالعزيز.. لقاءان فى الذاكرة الحاج السيد أبوورقة انتقل إلى رحمة مولاه الأمير نايف بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية وبرحيله إلى مثواة الأخير فى أطهر بقعة على وجه الارض تنطوي صفحة مليئة بالأعمال والاحداث امتدت لأكثر من ستين عاماً .. كان الفقيد فيها يمثل تواجداً وحراكاً وحضوراً بالساحة الإسلامية بتحمله المسئولية مبكراً وفى ريعان شبابه بتصريف أمور الدولة الحديثة مع والده المؤسس القامة الملك عبد العزيز فكان أن تولى أعباء فى إمارة الرياض وكيلاً لشقيقه الأمير سلطان عليه الرحمة وهو فى الثامنة عشر من عمره لتنطلق المسيرة الظافرة بتوليه وزارة الداخلية التى تدرج فى وظائفها واكتسب الخبرة والمهارة وتشكلت عنده الرؤيا لمهام وزارة الداخلية والتى كان اهمها تأمين وسلامة حجاج بيت الله وبشهادة أمة لا إله إلا الله وطوال عهده أصبح الحج ميسراً وأمناً والحجاج يؤدون مناسك الحج والعمرة بسلامة وسلاسلة واطمئنان وخشوع مما أكسب المملكة مكانة وصيتاً أصبحت مضرباً للمثل فى الأمن والأمان فى كل ربوعها ومدنها فأصبح المواطن والمقيم والزائر لأرض المملكة يحس بالأمان والراحة والاطمئنان دون ان يرى مظاهر هذا الأمن وهذا بلا شك يعكس تميز القيادة الرشيدة والفاعلة والمتطورة لمنظومة العمل الأمني وتكامل حلقاتها عبر تأهيل الكوادر وتهيئة البيئة وتوفير المناخ وتدعيمه بالعلم والتدريب والاهتمام والمتابعة ليصبح رجل الشرطة السعودي عنواناً مشرفاً ونموذجاً صادقاً للمسؤولية والانضباط والذى يعكسه تأمين وسلامة أكثر من مليون حاج يؤدون مناسك الحج باطمئنان وأمان وفى فترة وجيزة مليئة بالحراك، هذا علاوة للملايين من المعتمرين خلال السنة ... وراء هذه المنظومة ولمدة ستين عاماً فقيد الأمة العربية والأسلامية الأمير نايف بن عبد العزيز الذى يعكس صمته حديثاً وقوله فعلاً... فقد كان عليه الرحمة قليل الكلام يقسط فى الحديث ويوجز فى الكلام حاسما فى الحق رافعاً راية العدل مطبقاً للمساواة لا كبير على القانون ورغم ذلك فهو محبوب ومقبول. الابتسامة تكسو وجهه الصبوح وتدخل الاطمئنان والأمان فى قلوب الجميع... تشرفت بلقائه مرتين الأولى فى عام 1984 وحينها كنت قد اعتزلت العمل الصحفي واتجهت لبوابة إعلامية أخرى لاتقل اهمية تتمثل فى تنظيم المعارض التجارية والمهرجانات الثقافية والترفيهية والسباقات الرياضية الجماهيرية وكنت حينها أنظم ماراثون السعودية الدولى الأول بمدينة الدمام وكان السباق حديث الاعلام ومحل اهتمام المجتمع بلغ المسجلين فيه أكثر من ثلاثين ألف مواطن ومقيم ووصلت جوائزه أكثر من ثلاثة ملايين ريال تضم خمسة سيارات فارهة ويخت كان ثمنه مائتي ألف ريال... فى هذه الاثناء كانت الحرب العراقية الإيرانية على أشدها والسعودية ومدينة الدمام تمثل عمقاً استراتيجياً فى الحرب وكان حينها امير المنطقة الشرقية هو الأمير عبد المحسن بن جلوي عليه الرحمة الذي لم يتردد فى إرسال برقية لوزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز حول السباق وعن عدد المشاركين وجوائزه الضخمة المثيرة واهتمام المجتمع به وأن المتوقع أن يشاهده أكثر من مائة ألف مشاهد طوال مساره 185/42 كيلو متر وعلى ضوء ذلك تم تأجيل السباق وتم استدعائي وترحيلي للرياض لمقابلة وزير الداخلية أنا وشريكي السعودي ... والذى عند سماع النبأ جن جنونه واعتبر أن أيامه قد انتهت خاصة بعد الإشاعات التى ملأت سماء المنطقة الشرقية–الدمام-وعندما وصلنا مكتب وزير الداخلية كانت الأعين تتابعنا والأحاديث تلاحقنا ... ودخلنا على سموه الكريم عليه الرحمة وأسكنه فسيح جناته قابلنا بابتسامة عريضة قائلاً: هو انتم الذين قمتم بتنظيم هذا العمل الضخم ثم اتجه نحوي قائلاً هل تركت الصحافة ياسوداني؟ ثم استطرد وطلب منا الجلوس .. كل هذا الحديث ونحن فى ذهول ووجوم ولكن حرارة اللقاء أزالت عن كاهلنا الرهبة وانطلق اللسان وتجاذبنا الحديث... حيث قال لا فض فوه ... إن ماقمتم به عمل كبير وحضاري وفيه سمعة طيبة للمملكة ولكن الواجب أن تسلكوا المسار القانوني وتأخذوا موافقة أمير المنطقة ...عموماً نبارك لكم مجهودكم وسوف نقوم بتوصية فى هذا الخصوص وانتهت المقابلة والتى خرجت منها براحة كبيرة للتقدير الذى وجدناه وخاصة بعد أن تناقلت الصحف ذلك اللقاء وأصبحنا نجمين يشار إليهما بالبنان ... اللقاء الثاني كان بعام 1991 إبان حرب الخليج الثانية واحتلال دولة الكويت من قبل صدام ..حقيقة لم أتردد لحظة فى الوقوف مع الأشقاء الكويتيين فى محنتهم وظللت أكتب مقالا يوميا فى جريدتي عكاظ والندوة مدافعاً ومسانداً عن الحق الكويتي مشجباً الغزو الصدامي وكان من جراء ذلك أن تم معاقبتي من قبل القنصلية السودانية بجدة برفض تجديد جواز سفري وبالتالي لا يمكن من تجديد الإقامة المرتبطة بسريان جواز السفر وخاصة وأن الموقف الرسمي السوداني كان ضبابياً يكتنفه الغموض والريبة وفى هذه الأثناء كانت تجمعني علاقة وطيدة بشخصية سودانية تحتل موقعاً مؤثراً نافذاً وتنفذياً فى الديوان الملكي لمدة ثلاثين عاماً يعرف باسم سعد الدين عشري الذي كان يتابع مقالاتي ووقوفي مع الإخوة الكويتيين والتصدي للحملات الموجهة للمملكة وكان يقول لي والله وقفتك هذه (رفعت رأسنا بيضت وجهنا) مع الأشقاء السعوديين كما كان أيضاً يتابع معاناتي فى مسألة تجديد الإقامة . . . وفى مرة أبلغني أني سوف أستلم برقية من الأمير نايف عليه الرحمة تشيد بمواقفي وكذلك تسهيل وتقنين وجودي بالمملكة وأن هنالك توجيه صادر من وزارة الداخلية للديوان الملكي لدعم إجراءات منحي التابعية السعودية واستلمت البرقية بل وتهيأت لي فرصة بلقاء سموه الكريم للمرة الثانية والذي فاجأني... ( أنت مش زول المارثونا عدت مرة ثانية للعمل الصحفي...) حقيقة دهشت لذاكرة سموه وعرفت لماذا هو الأمن مستتب فى المملكة ... وبعد اللقاء تم تجديد إقامتي وبدأت أولى إجراءات منحي التابعية والتى كان فى الإمكان أن أحصل عليها لولا سفري المفاجئ فى العام1993إلى إثيوبيا فى رحلة قصيرة بقدرة قادر امتدت لسنتين وفى ذلك قصة إن أمد الله فى الآجال سوف أحكيها.. نسأل الله أن يتقبله قبولاً حسناً مع الصديقين والشهداء والصالحين وأن يسكنه فسيح جناته وأن يغفر له ويرحمه بقدر دعاء الملايين من الحجاج والمعتمرين والعزاء موصول للأسرة المالكة والإخوة الأشقاء السعوديين ولأسرة السفارة السعودية بالخرطوم اللهم إن كان محسناً فزد فى إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته. (إنا لله وإنا إليه راجعون).