تحت أقدامها ...... دون شك أخذ يحكي في صوت خافض و حنون وبغبطة عن مشهد عايشه أدهشه والحضور عندما كان عائداً للوطن من رحلة عمل "ترانزيت" في مطار الملكة علياء الدولي بالأردن سارداً ... بينما نحن في الانتظار عند بوابة المغادرة دلف بقية الركاب القادمين من الداخل فكان عدد منهم جلوساً على الكرسي المتحرك و البعض الآخر مابين ترغب ووجوم وحزن و أجساد متعبة من وطأة المرض ووعثاء السفر للعائدين للوطن من المرافئ البعيدة ... دولة الأردن الشقيقة أصبحت ملجأ وملاذاً للكثيرين للعلاج ... ثم سكت برهة ليواصل الحديث وكان المشهد أمام عينيه ... فقال دلف شاب أنيق ببذلة رجالية راقية وأكثر ما يلفت نظرك تلك الشنطة النسائية المدروعة بإحكام على كتفه بينما يدفع أمامه كرسياً متحركاً لا تحتاج لتدقق النظر لتعلم أن السيدة الوقورة الجالسة هي أمه ... وهو يدفع الكرسي ناحيه حمام النساء يقف متردداً قبل أن تقوم إحدى السيدات بالمساعده فتأخذ السيدة منه باستحياء عارضة المساعدة وهو موقف ليس غريباً فهي بالتأكيد "بنت بلد" .... ثم تخرج الأم ليأخذها الشاب مسرعاً ويجلسها على مقعدها و لسانه يلهج بالشكر والثناء للسيدة الفاضلة على المساعدة .. ثم ينزوي في إحدى الأركان دافعاً أمه ليدخل بعدها إليى حمام الرجال عائداً بعد حين بمناديل مبلوله بالماء و يقوم بمسح ويبلل أقدام والدته نظافة وترطيبا حتى نعليها أصابهما من الطيب نصيب ... وسط صمت ودهشة الموجودين و دموع إحدى النساء تأثراً لهذا المشهد المفرح .... ودعوات الآخرين له بالعافية بأصوات تهدهد من التأثر ... فقلت مقاطعة دون أن أشعر " بخته " أوليس محظوظاً ؟؟؟ فالجنة تحت أقدام الأمهات " وقلة من الرجال من يعي ذلك " فخدمة كبار الأمهات والأباء تقع على عاتق الابنة بطبيعة تكوينها و لكن أن تجد شاباً يفعل ذلك فهو نادر الحدوث في زمان تتناقص فيه المبادئ والمروءة .... ثم يحدثها بهدوء و هي تطلب بإلحاح أن تستلقي على ظهرها لأنها متعبة وهو يخفف عنها في حنان بأن تتحمل قليلاً لأن الوضع غير مريح مصبراً إياها بأنها دقائق معدودة و تقلع الطائرة و لكنها تلح حتى يستجيب الشاب قائلاً ًبأنه سيدفعها إلى الجانب الآخر بعيداً عن الجمع لتستلقي على الكراسي الخلفية ... ولكنها تعود مرة أخرى ليعيدها إلى مجلس الجماعة فيستجيب مسرعاً دون ملل أو تأفف لتدخل بعدها مع صديقنا في حديث شاكية "بأن المرض أثقلها" فيرد عليها موصياً الصبر يا خاله.. و لتذكري الله داعية " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " و لتكثري منه فربما يستجيب الله وهو قادر على كل شيء لتقومي راكضة الآن أمامنا فهذا الدعاء أخرج سيدنا يونس من بطن الحوت ... فتضحك قائلة " الله يبشرك بالخير يا ولدي " ليواصل هو أولست مؤمنة فترد "بلى والله ولكن أحياناً يفلت يا ولدي" لتمازحه وتتبادل معه أطراف الحديث وتسأله عن بلده وأهله واسمه لتضحك مادحة باسمه فهو على اسم المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد "عليه أفضل الصلاة والتسليم" .... ليعلن عن اقلاع الطائرة فيدفع ابنها الكرسي حتى البوابه لتدخل أولاً مع المقعدين ... و عندما يدخل الطائرة يبحث عنها حتى إذا وجدها قال لابنها إنه في الخدمة إذ احتاجه في شيء ... ثم تصل الطائرة بالسلامة لأرض الوطن ليداعبها مودعاً .. بأن تتذكره ولا تنساه لتودعه هي ضاحكة "إنت ما بنساك ولا حتى دعائك فلقد حفظته". فهنيئاً لهذا الشاب الخلوق الوفئ وبشرى له بالجنة.. أوليست تحت أقدام الأمهات .... صدق رسولنا الكريم عندما قال " أمك، ثم أمك ثم أمك ... ثم أبوك " و هنيئاً لتلك الأم بهذا الابن البار .. و ياريتك "ولد بطن" كل نساء السودان بل المسلمات أجمعين .. وبشرى للأمة والوطن بأمثاله. لنرجع لنقول إن عظمة الأم لا تسرد في حكاوي و إن كانت أحياناً تعبر بالصور والمواقف .... و أهلنا قالوا " موت الأم هملة و طالت ...... و موت الأب نعمة وزالت " فهل أدركنا المعنى ؟؟؟