يقول الكتاب" في بيت ابي منازل كثيرة والا فاني كنت قد قلت لكم انا امضي لاعد لكم مكانا وان مضيت واعدت لكم مكانا اتي ايضا واخذكم الي حيث اكون انا تكونون انتم ايضا" عرفته ضمن من عرفت من ابناء ملتي الذين اتوا الخرطوم من الاقاليم المختلفة سعيا وراء امتحانات الثانوية ووجود جامعة الخرطوم وفرع القاهرةبالخرطوم ، كنا صبايا في نهاية المرحلة الثانوية، فتحت لهم المسالمة الاذرع واستقبلهم معشر الاهل وفتحت لهم القلوب قبل الابواب ، انه الحبيب الصديق الصدوق فايز ابن نجيب ابن جرجس الاتي من غربنا من مدينة النهود ، ربع القامة سمح المحيا باشا وفي ابتسامة يتلقاك بنظرة تاملية من تحت منظاره السميك ، يتجمع عادة ابناء الاقباط العائدون كل مساء يتسامرون في ركن من اركان نادي الحي المتواضع انذاك ، تجول العيون لتتحسس ايهما من المناشط يمكن ان تختار وفق الامزجة والهوى ، كنت ارقبه ومن علي البعد وهو يمارس لعبة "الشطرنج" وفي مهارة عالية فجذبني الحوار بينه والاخر ،الطابية، الحصان، كش ملك ، اندهشت لان تلك اللعبة لاهل العواصم كما كان معتقدا ، تقربت اليه من تلك الزاوية فرحب ان يعلمني اياها ، وكنا من مجموعة الكرة والدافوري حيث الاتربة تغطي الاجساد ، ومنذ ذلك اليوم وتلك اللحظة لمست في الشاب طيبة القلب والنقاء في كلامه وتعبيراته وحكواته عن الابيض والنهود موقع اسرته ، اتخذته لي صديقا عزيزا ، ظلت تلك العلاقة تقوى مع الزمن وامتدت الي الاقربين من اهله وتكونت شلة قوامها اربعة او خمسة من الشباب اضافوا الى مساحة اصدقائي مساحة من الود بين الجميع ، تمددت العلاقات الى محيط الاسر وهذا ديدن الاقباط في اهمية معرفة شي عن اصدقاء الولد والبنت على السواء ، دعاني صديقي لزيارة موطنه مدينة النهود فلم اتردد وبخاصة بعد تشجيع من الاخرين ، من مدينة الابيض ركبنا اللوري الذي نهب بنا الفيافي وتلك كانت المرة الاولي ان اغادر العاصمة وعلي ظهر لوري كمان ، جذبتني الصحراء الموغلة برمالها الذهبية اللون وتلك الامكنه التي يغلب علي جدرها البرش والجوالات تلك ما يسمي ( القهاوي ) علي الطريق ممتدة يديرها الرجال واحيانا النساء وتعرف باسمائهم ، تزود المسافرين بما يحتاجون ، تملكتني الدهشة وانا مستغرق في التامل ، وعرفت منذها ان الجبنة والشاي لهما موقعا هاما في حياة اهل السودان ، المهم وصلنا الي منزل الصديق الوفي قدمني وتعلوه ابتسامة الي اهله الذين اكرموا وفادتي غاية الكرم وعزوني ايما معزة بقيت علي مر السنين . انتهت رحلتنا وعدنا بذات الوسيلة الي امدرمان الحبيبة نحمل ذكريات اولاد الغرب وكرمهم وحفاوتهم ، جلس اخي الي امتحان" كيمبردج" واحرز نجاحا طيبا " قريد ون " لم ينتظر كثيرا في بهو العطالة بل تلقفته ادارة بنك " باركليز " للتعيين ، تلك كانت عادة البنوك والمؤسسات الكبيرة تنسق مع الثانويات الممتازة لاختيار المبرزين من الخريجين اما لابتعاثهم للتخصص بالخارج او تعيينهم محليا ، اصبح الشاب واحدا من موظفي البنك الممتازين وحسب تقارير رؤسائه ، عشنا معا بصورة شبه دائمة نلتقي صباحا وبعد الضهر ويوميا ودون ملل قط لا يفصلنا الا سويعات للنوم ونعود حياتنا في حب ومودة صادقة ، ثلاثتنا فايز الراحل العزيز وابن عمته الياس وشخصي ، مجموعة عرفت بين اهل الحي والاصدقاء ، ان غاب احد لابد ان تجده بمنزل الاخر ، لحق بهذه الشلة عياد ابن مدينة الابيض الساحرة لا سيما في فصل الخريف ، سعدنا وخلال سنوات ليست بالقريبة ببعضنا البعض ، كبر افراد المجموعة واتجه الكل الي الرزق الحلال فعملت ب"الميري" وترك الباقون الوظيفة ليعمل جميعهم بالتجارة بسوق امدرمان ، الصلة مازالت ممتدة الا انها ليس على الشاكلة القديمة وبالضرورة ، زارني الفقيد معزيا في شقيقي واحسست انه مريض ومحبط الى حد ما ، الا اني لم اشعره بذلك وفجاة وفي مساء يوم كان لي ارتباط رئاسة جلسة ثقافية بالمكتبة القبطية فعلمت خبر وفاته المفاجئ ، اندهشت في بادئ الامر كثيرا فحبست الدموع حزنا عليه ، كان كريما وشهما ، دينا بقناعة وايمان ، وكان لا يرد سائله قط ، يعطي بيمينه حيث لا تعلم يسراه ودون من ولا اذى ، ياتي القريب والبعيد معاودا ، تولي بمسؤولية تربية وتعليم اشقائه حتي شق كلهم طريقه في الحياة ، بفقدك يافايز فقدت اعز الاصدقاء وانبلهم وما توقعت ان اكون لك ناعيا ، فليرحمك الله ويستوعبك في زمرة الشهداء والقديسين الاباء ابراهيم واسحق ويعقوب ، والعزاء لكل الاسرة الكريمة ولابنه الوحيد " مينا " والزوجة المكلومة " عفيفة ". والى لقاء