برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    شاهد بالفيديو.. خلال حفل غنائي.. شاب سوداني يتلاعب ب(السيجارة) وهي مشتعلة في فمه أثناء تفاعله بالرقص    الفنان جمال فرفور يكتب لرئيس مجلس السيادة: (تابعنا بكل فخر قراراتكم, لن نقول لكم قول المرجفين اذهبوا فقاتلوا انا ها هنا قاعدون ولكن نقول لكم قول الفخر ووعد الرجال إنا معكم وخلفكم فارموا بنا حيث شئتم فخلفكم شعب كامل)    إستحالة تأمين العمق الداخلي سواء في حالة روسيا او في حالة السودان بسبب اتساع المساحة    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    الإعيسر: إعلان الإمارات دولة عدوان قرار ملبي لطموحات الجماهير وتطلعاتها لمواجهة العدوان    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    الخارجية المصرية تجدد الرفض القاطع لاستهداف المنشآت المدنية في بورتسودان    المدير العام لقوات الشرطة يتفقد فندق مارينا بمدينة بورتسودان ومستودعات النفط عقب تعرضهما لعدوان غاشم    اعلان دولة الامارات العربية المتحدة دولة عدوان    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    . إلغاء رحلات جوية عقب استهداف مطار بورتسودان بمسيرة    ما هي "الخطة المستحيلة" لإيقاف لامين يامال؟ مدرب إنتر يوضح    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط سخرية الجمهور.. خبيرة تجميل سودانية تكرم صاحبة المركز الأول في امتحانات الشهادة بجلسة "مكياج"    قرار حاسم بشأن شكوى السودان ضد الإمارات    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان والسودان الجنوبي..فرص وتحديات (1-2)
نشر في السوداني يوم 05 - 08 - 2012


ترجمة : بابكر فيصل
على الرغم مما يبدو في اللحظة الراهنة من وقوف البلدين على شفير الحرب إلا أنَّ أمام السودان وجنوب السودان فرصاً كبيرة للإحتفاظ بعلاقات جيَّدة وتطويرها. رغم كل شىء فقد كانا بلداً واحداً لفترة طويلة حتى وقت قريب, ولا يمكن بين عشية وضحاها التخلص من العديد من الأوضاع التي كانت سائدة عندما كان البلد موحداً. معظم أجزاء جنوب السودان - وهو قطر ليس له منفذ بحري – خصوصاً الولايات المجاورة للسودان تعتمد بصورة شبه كاملة على البضائع والخدمات التي تأتي من الشمال. في نفس الوقت فإنَّ الرعاة في الشمال يقضون معظم أيام السنة في جنوب السودان بحثاً عن المرعى لماشيتهم. الإعتماد المتبادل في هذه القضايا الحيوية يمثل علاقات حقيقية ماثلة على الأرض لا تستطيع الأنظمة الحاكمة في البلدين قطعها. أضف إلى ذلك حقيقة أنَّ الحدود المشتركة بين البلدين أطول من أي حدود لكلاهما مع أي من جيرانه. هذه الحدود التي تمتد لأكثر من 2.000 كلم لا يمكن حمايتها بواسطة الإجراءات الأمنية. العلاقات الطيبة فقط هى الكفيلة بالحفاظ على أمن وسلامة الحدود لخدمة مصالح البلدين. كذلك فإنه من الناحية الثقافية والإجتماعية حدث تلاقح للثقافات وأساليب الحياة بما في ذلك الزيجات المختلطة. هذه بعض العوامل التي تعمل على تعزيز علاقات حسن الجوار بين السودان وجنوب السودان.
غني عن القول أن أي انعدام للأمن في أي من البلدين سيكون له بالتأكيد آثار سلبية على البلد الآخر، أقل هذه الآثار هي تدفق اللاجئين إلى البلد الجار. وبالتالي فإنَّ من مصلحة كلا البلدين تعزيز الاستقرار داخل أراضيه والكف عن التحريض أو التشجيع على عدم الاستقرار في البلد الآخر.
من حيث إمكانات التنمية فإنَّ البلدين يمتلكان موارد ضخمة يمكن استغلالها لبناء اقتصادات قوية ومتكاملة. الإستفادة من هذه الموارد تمثل في حد ذاتها تحدياً سوف ننظر في بعض تفاصيله في ما يتعلق بجنوب السودان في هذه الورقة. و سيتناول زميلي الآخر التفاصيل فيما يتعلق بالسودان.
تحديات ماثلة
هنالك نوعان من التحديات التي تواجه دولتي السودان : التحديات داخل كل بلد, والتحديات التي تواجههما سوياً. التحديات التي تواجههما سوياً والتي تهدِّد في الوقت الراهن بجرهما للحرب ترتبط في الأساس بالتركة العالقة من إتفاق السلام الشامل وكيفية تطبيقها. هى في الواقع قضايا ما بعد الإنفصال. إتفاق السلام الشامل الذي نصَّ على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان بما في ذلك خيار الإنفصال لم يوضح كيفية التعامل مع إحتمال الإنفصال في حال وقوعه. السبب في ذلك هو أنَّ الطرفين الموقعين على الإتفاق ( حزب المؤتمر الوطني الذي يمثل حكومة السودان, والحركة الشعبية لتحرير السودان) ألزما أنفسهما بالعمل من أجل وحدة السودان وذلك بجعلها جاذبة للجنوبيين حتى تصبح خيارهم المفضل في الإستفتاء. وبالتالي فقد إفترضا أن النتيجة ستكون محسومة سلفاً لصالح الوحدة. يبدو أنهما لم يستفيدا من تجربة النرويج في 1996 عندما صوَّت شعبها في إستفتاء للإنضمام للإتحاد الأوروبي أو عدم الإنضمام له. قضايا ما بعد الإستفتاء – كما أطلقوا عليها في محاولة لتجنب تسمية الإنفصال – تمت الإشارة إليها لأول مرَّة في مناقشات الطرفين لمشروع قانون الإستفتاء قبل عامين من إنتهاء الفترة الإنتقالية. حتى ذلك الحين كان يمكن أن تكون المناقشات ودية لولا العداء التي نشأ بين "الشريكين" في أثناء تنفيذ اتفاق السلام الشامل. أسباب ذلك العداء تقع خارج نطاق هذه الورقة , ولكن الحقيقة هي أن الصعوبات التي تواجه الاتفاق في الوقت الراهن حول قضايا ما بعد الانفصال أكبر من طبيعة العلاقات بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني خلال الفترة الانتقالية . في الواقع , الناس لا يرون فرقاً كبيراً في المحادثات التي تجري الآن وتلك التي جرت في الماضي : إنهم لا ينظرون إليها كمفاوضات بين بلدين ولكن بين حزبين سياسيين.
تحديات الجنوب
ظهرت جمهورية جنوب السودان إلى حيز الوجود في 9 يوليو 2011 وبذلك أصبحت أحدث دولة في المجتمع الدولي. وبطبيعة الحال، الدولة الجديدة تواجه تحديات هائلة, تحديات تتطلب وحدة الهدف بين مواطنيها من أجل مواجهتها.
لدى جنوب السودان لديها تحت تصرفه تجارب الدول التي نالت استقلالها قبله سواء في أفريقيا أو في غيرها من البلدان النامية. يجب على جنوب السودان دراسة تلك الثروة من الخبرة من أجل البناء على الجوانب الإيجابية وتجنب الاخطاء التي ارتكبت.
التحدي الأول يتمثل في كيفية تحقيق الاستقلال الاقتصادي. النضال الأفريقي من أجل الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ركز على الاستقلال السياسي ولم يلتفت كثيراً إلى الاستقلال الاقتصادي المصاحب له. عندما تم تحقيق الاستقلال، وجد الأفارقة أنفسهم مواجهين باقتصاديات التخلف الاستعماري مما أدى بهم إلى طريق مسدود. وبالتالي لم تكن مصادفة سيطرة الإنقلابات العسكرية على الحكم في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي ووعودها للشعوب بحياة أفضل. البلدان القليلة التي لم تشهد إنقلابات عسكرية – مثل كينيا وزامبيا – تبَّنت نظام الحزب الواحد والذي أدى بدوره لدكتاتورية مدنية. من الناحية الإقتصادية فقد خضعت كل الدول الإفريقية المستقلة تقريباً لروشتة " برنامج الإصلاح الهيكلي ". برنامج الإصلاح الهيكلي فرض على كل الدول التي رغبت في الإستفادة من مؤسسات مؤتمر " بريتون وودز " ( البنك الدولي, صندوق النقد الدولي ) تطبيق وصفة واحدة من الإجراءات التقشفية : تخفيض العمالة, تخفيض قيمة العملة, رفع الدعم عن السلع, إلخ . نحن نعلم الآن أنَّ إعتماد بلد ما اقتصادياً على بلاد أخرى يجعل إستقلاله السياسي ليس أكثر من مُجرَّد علم وطني, وبعض مظاهر السلطة.
الحزبان اللذان حكما السودان في فترات الديموقراطيَّة المتقطعة منذ 1954 ( الحزب الوطني الإتحادي الذي تحوَّل للحزب الإتحادي الديموقراطي بعد إندماجه مع حزب الشعب الديموقراطي, وحزب الأمَّة ) لم يختلفا كثيراً عن نظرائهم الأفارقة. لم يوجد أى شىء في برامجهما متعلق بقضية التنمية. الديموقراطيَّة بالنسبة لهما عنت فقط الفوز في الإنتخابات و حكم البلاد بالكيفية التي أرادوها. لذلك ليس مستغرباً أنَّ جميع الإنقلابات العسكرية التي وقعت في السودان لم تجد مقاومة من جموع المواطنين. في الحقيقة كان إنقلاب 1958 عبارة عن تسليم السلطة لقيادة الجيش من قبل رئيس وزراء حزب الأمة. كذلك فإنَّ الحرب في الجنوب و عبئها الباهظ على الإقتصاد كان السبب وراء تغيير الأنظمة في 1964 , 1985, 1989 . واقع الأمر أن مشكلة الجنوب تم إستغلالها من قبل الأحزاب السياسية الشمالية في صراعها السياسي. على سبيل المثال كان الدافع وراء قيام حكومة 1958 بنشر تقرير القاضي قطران حول " أحداث توريت " هو إحراج إسماعيل الأزهري وليس توضيح الحقائق مجرَّدة.
راس الاولويات
يوجد بجنوب السودان تنوع في الثقافات والمجموعات العرقية واللغات والمعتقدات الدينية. وبالتالي فإنَّ الوحدة الوطنية تأتي على رأس التحديات التي تواجه الدولة الجديدة. خاض الجنوبيون الحرب وتحملوا صعابها جميعاً كشعب واحد. وعلى الرغم من ذلك لا يمكن إنكار حقيقة أنهم تماسكوا سوياً بسبب كرههم للعدو المشترك. تجربة الحكومة الإقليمية لجنوب السودان ( 1972 – 1983 ) لفتت أنظار الجنوبيين بصورة واضحة لهذه الحقيقة. وبالتالي فإنَّ هناك حاجة لتطوير غاية مشتركة يواليها الشعب دون إنقسام. في هذا الخصوص يتوجب على الجنوبيين تحويل تنوعهم إلى رصيد وهو الأمر الذي فشل السودان في عمله فشلاً ذريعاً منذ الإستقلال. لسوء الحظ فإنَّ نفس القضايا التي دفعت الجنوبيين لحمل السلاح ضد الخرطوم والمتمثلة في الحاجة إلى شراكة متكافئة في إدارة البلاد والاعتراف بالتنوع من السودان يتم المطالبة بها في جنوب السودان اليوم. يجب أن يدار التنوع بما يعود بالنفع على الجميع. ويجب على الوحدة الوطنية أن تشمل الجميع, كبيراً أو صغيراً, أقلية أو أغلبية.
الأمر الملح للغاية في مسيرة بناء الوحدة الوطنية هو وضع نهاية سريعة لحالة إنعدام الأمن الناجمة عن أعمال العنف بين وداخل القبيلة الواحدة والمتمردين الذين يقاتلون الحكومة.
يجب أن تستند الوحدة الوطنية على الحكم الرشيد الذي يرتكز على ستة محاور : توفير الأمن وسيادة القانون والديمقراطية الحزبية التعددية ، وتوفيرالبيئة المواتية للنمو الاقتصادي والازدهار, وتقديم الخدمات والمجتمع المدني النابض بالحياة.
الديموقراطية الحزبيَّة التعددية كنظام للحكم تشكل الضمانة الوحيدة للسلام المستدام في أى بلد. هى الوسيلة الوحيدة التي تضمن المشاركة المتساوية للجميع. وبالتالي يجب على الجميع إستبطانها. الديمقراطية ليست مجرد عملية موسمية ولكنها وسيلة للحياة تتخلل جميع أعمالنا في المجال السياسي. مبدأ الديمقراطية ليس خاضعاً للنقاش، بل الذي يجب مناقشته هو كيفية تحسين الوضع الحالي وإتاحة فرص متكافئة للجميع للتعبير عن أنفسهم, و لتنظيم أنفسهم في أحزاب سياسية ومنظمات للمجتمع المدني. الدور القيادي هنا يقع على عاتق الحزب (الأحزاب) التي تمسك بالسلطة. لا يمكن للديمقراطية أبداً أن تكون كاملة اذا لم تكن هناك معارضة قوية للحكومة. يجب على الحكومة أن لا تنظر للمعارضة كعدو, و ينبغي على المعارضة تقديم النقد البناء لسياسات الحكومة وليس للحكومة كمؤسسة. كلاهما (الحكومة والمعارضة) وجهان مختلفان لعملة واحدة.
يحتاج جنوب السودان لوضع سياسات وإجراءات نقدية و مالية صارمة للسيطرة على التضخم وتحفيز إنتعاش ونمو الإقتصاد. من دون نمو حقيقي في الاقتصاد، ستظل أحوال الكثير من الناس مثيرة للشفقة : البطالة ستستمر في الارتفاع وكذلك ستستمر غيرها من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية في تسجيل أداء ضعيف. يجب أن يعاد النظر في نظام الضرائب الذي عمل الآن في جنوب السودان وذلك بهدف جعل الشركات تدفع الضرائب المطلوبة منها. كذلك لا بد من تنويع مصادر الدخل القومي بدلاً من الإعتماد فقط على عائدات النفط الذي هو مصدر غير متجدد للطاقة ويتسم بعدم الاستقرار في الأسعار. يجب كذلك خفض الإنفاق الحكومي الكبير الحالي بصورة حاسمة.
استرداد الثمن
التنمية هي المدخل إلى تحقيق التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي والازدهار في جنوب السودان. لقد عانى الشعب كثيرا خلال الحرب وتحقيق السلام يشكل بالنسبة له "وقت إسترداد الثمن". المواطنين لديهم توقعات كبيرة من حيث تقديم الخدمات والأوقات الأفضل في المستقبل. لا يمكن أن تتحقق هذه التوقعات دون خطة متماسكة وواقعية التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل ( يمكن أن نطلق عليها خطة عام 2020 او عام 2025 وما إلى ذلك) تستفيد من موارد البلاد الطبيعية, وتأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الوضع الاقتصادي العالمي. هذه الخطة الاستراتيجية يتم الاتفاق عليها والعمل بها من قبل جميع القطاعات النشطة في المجتمع. نحن نعيش في عالم تختفي فيه الحدود وينفتح بصورة واسعة ليتحول لسوق واحد كبير.
في حالة جنوب السودان, يمكنه الانضمام إلى المجموعة الإقتصادية لشرق إفريقيا أوالكوميسا, أو غيرها. بحجم كبير من السكان ( أكثر من 400 و 100 مليون, على التوالي, لدول الكوميسا ومجموعة شرق افريقيا ) تشكل سوقا واحدة بدون رسوم جمركية على منتجاتها. وبالتالي فإن أي بلد لا تنتج سلعاً وخدمات منافسة تتحول إلى مستهلك, ولا يمكنها التمتع بفوائد تجمع مثل هذا. جنوب السودان بلد وهبته الطبيعة بالزراعة, بشقيها النباتي والحيواني. هذا هو المجال الذي يشارك فيه أكثر من 80% من السكان لكسب سبل معيشتهم. توجد بالبلاد ملايين الهكتارات من الأراضي البكر، والموارد المائية الضخمة ورأس المال الكافي للاستثمار في الزراعة النباتية. في مجال الثروة الحيوانية والسمكية، هناك حاجة لتحويل ثروة الماشية الضخمة إلى قيمة إقتصادية, وينبغي كذلك إنشاء مصايد للأسماك . الدواجن أمر أساسي من أجل الاحتياجات الغذائية ولذا يتعين الإهتمام بها. لا بد من توجيه موارد النفط لإحداث ثورة زراعية لإنتاج ما يكفي من الغذاء لأنفسنا (الأمن الغذائي) وللتصدير. بدلاً من أن يصبح سلة للمساعدات يمكن لجنوب السودان أن يصبح سلة غذاء المنطقة و ما وراءها. تذكر أن بعض دول الخليج تستورد الأغنام واللحوم من استراليا.
البشر هم وسيلة التنمية وغايتها. وبالتالي فإنَّ الموارد البشرية في حاجة إلى أن تصنف و يتم تدريبها بطريقة من شأنها أن تمنحها القدرة على المنافسة في هذا العالم المتغير بسرعة. لذا لا بد من التعليم النوعي والتدريب المستمر المخطط له بدقة و ينفذ على جميع المستويات. وفي هذا الصدد, يجب أن نشدَّد على أن السياسات الخاطئة والمواقف الاجتماعية السلبية تجاه أنواع معينة من التعليم في السودان أدت إلى إختلال النسبة الضرورية بين الفنيين والمهنيين. لمعالجة هذا الخلل, هناك حاجة لوضع التعليم الفني والتكنولوجي من المرحلة الابتدائية إلى مستويات التعليم العالي بصورة منفصلة وموازية للمساق الأكاديمي.
التنمية الصناعية يجب أن تبدأ بالصناعة المرتبطة بالزراعة. هذا هو المجال الذي يمتلك فيه جنوب السودان مزية تنافسية واضحة. صناعة السكر, تعليب المواد الغذائية والزيوت النباتية والصناعات المرتبطة بها من الصابون والمنظفات, وجبات غذاء الحيوان, تعليب وحفظ الأسماك, منتجات الغابات مع المراعاة الواجبة للتشجير، الورق والوقود من النباتات, الأعشاب، الخ والقائمة طويلة. الصناعة تحتاج لطاقة تشغلها. في هذا الصدد, هناك حاجة لتطوير الطاقة الكهرومائية من الشلالات الموجودة لدينا والأشكال الأخرى من الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. بالطبع، لفترة من الزمن قد لا يكون من الممكن الاستغناء عن الطاقة الحرارية مع وجود النفط .
النفط المنتج في جنوب السودان يمثل مصدراً هاماً لعائدات الصادر. ومع ذلك فإنَّ جنوب السودان يحتاج لبناء مصفاة واحدة على الأقل ليس فقط لتوفير إحتياجات الوقود والأسفلت ولكن لتشكيل قاعدة للصناعات البتروكيميائية لتوفير إحتياجات البلاستيك وغيره من المنتجات.
السياحة مجال آخر واعد بالنسبة لجنوب السودان. المزيج الجيد من ممارسات الحفاظ على الحياة البرية والإستثمار التجاري في الحدائق والفنادق وغير ذلك سيؤدي في الغالب لنتائج ممتازة ودخل جيد. ويجب، والرعاية ومع ذلك، يتعين تجنب النواحي السياحية التي تؤثر سلباً على قيم أهل جنوب السودان.
مجال النقل والبنى التحتية للإتصالات يستحق اهتماماً خاصاً, وذلك لربط مناطق الإنتاج بالأسواق، وربط المناطق الريفية مع المدن وتحسين الأمن وتيسير الوصول إلى المناطق النائية . في قطاع النقل يجب إعطاء أولوية للنقل النهري ليس فقط لتكلفته الزهيدة ولكن لأنَّ معظم أنحاء جنوب السودان ترتبط عن طريق الأنهار الصالحة للملاحة موسمياً أو على مدار السنة. لقد كان هذا هو الحال السائد خلال الفترة الاستعمارية, وليس هناك ما يمنع من إستمراره حالياً مع وجود التكنلوجياً الأكثر تطوراً. لقد قدمت العديد من الدول الصديقة لجنوب السودان مثل النرويج وهولندا مساعدات في الماضي ويمكن أن تساعد الآن في تطوير كفاءة النقل النهري. هناك مجال ملح آخر في قطاع النقل وهو بناء الطرق الصالحة للحركة طوال العام مع إعطاء أولوية لتلك الطرق التي تربط المناطق التي لا يمكن الوصول إليها عبر النقل النهري أو للطرق السريعة التي تربط البلد مع الدول المجاورة. مشروع السكك الحديدية يجب تأجيله في الوقت الراهن لسبب بسيط وهو أنَّ نقل الكميات الكبيرة ذهاباً وإياباً يجب أن يكون مجدياً من الناحية الإقتصادية وهو الأمر الذي لن يكون متوفراً وفق معطيات إقتصاد جنوب السودان الراهنة.
لقد وردت الكثير من الأقوال غير المصحوبة بالأفعال عن تشجيع الاستثمار في دولة جنوب السودان. هناك عدد من المسائل التي تحتاج إلى تقويم من أجل أن يجد الاستثمار المجدى والمرغوب فيه طريقه للجنوب . أولاً وقبل كل شيء, يجب أن يكون لدى الحكومة خريطة استثمارية للبلد ككل. ثانياً, نظراً للوضع الصعب للبنية التحتية في جنوب السودان يجب أن تكون هناك حوافز حقيقية للمستثمرين للمجيء إلا إذا كان المقصود هو الاستثمار في المدن حيث توجد تسهيلات أفضل. ثالثاً, هناك عوائق أخرى يجب التغلب عليها مثل انعدام الأمن, وفرض الضرائب المتعددة, سياسات التوظيف, الخ.
الشؤون الخارجية هى المجال الذي يتطلب توافقاً في الآراء بين جميع أصحاب المصلحة في البلد أكثر من بقية المجالات. البلد يحتاج الى توافق على المبادئ التي توجه السياسة الخارجية التي لا تتغير مع تغير الحكومات. يجب أن تخدم الدبلوماسية المصلحة المشتركة للبلاد في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بإنضمامه الى الهيئات الدولية والإقليمية فإنَّ البلد قد دخل في إلتزامات يجب أن يكون مستعداً لإحترامها والالتزام بها وتنفيذها.
الفساد هو المرض الذي يتغذي من الموارد الشحيحة, ويبدو أنه قد وصل الى مرحلة سرطانية و يجب أن يتم إستئصاله.
خاتمة :
السودان وجنوب السودان لديهما فرص عظيمة للتعايش السلمي كجيران أصحاب إقتصادات متكاملة. سنوات بقائهم الطويل كبلد واحد ساهمت بصورة كبيرة في ترابطهما. إستغلال هذه الإمكانيات الهائلة يتطلب وجود قيادة بعيدة النظر في البلدين.
التحدي الأكبر أمام جنوب السودان هو تعزيز وحدة وطنية مبنية على تنوع شعبه. الحركة الشعبية كحزب حاكم تواجه تحديات الحفاظ على القانون والنظام, وبناء القدرات الإدارية, وتقديم الخدمات لتلبية توقعات شعب جنوب السودان في حصاد ثمار السلام التي طالما وعد بها منذ عام 2005 عندما تم التوقيع على اتفاق السلام الشامل. جنوب السودان لا يزال يعتمد إعتماداً كلياً على عائدات النفط. لقد فشلت حكومة جنوب السودان خلال فترة الست سنوات الانتقالية في تشجيع التنويع الاقتصادي من خلال الإستثمار في قطاعات الصناعة والزراعة وغيرها من قطاعات التصدير غير النفطية .
علاوة على ذلك, ينبغي أن يتصدر التصدي لإنعدام الأمن في البلاد أولويات الحكومة. السببان اللذان أديا إلى إنعدام الأمن هما : الصراع داخل وبين القبائل على الماشية والأراضي والحصول على الموارد, والتمرد المسلح من جنود الجيش الشعبي السابقين الساخطين من عدم دمجهم في الجيش الوطني أو كرد فعل على تزوير الإنتخابات العامة في أبريل 2010 أبريل . حتى الآن, فشلت الحركة الشعبية في الإعتراف بالحاجة إلى خلق مجتمع شامل ومفتوح وأكتفت فقط بإستيعاب أحزاب تدور في فلكها وتردِّد نفس أغانيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.