مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان والسودان الجنوبي..فرص وتحديات (1-2)
نشر في السوداني يوم 05 - 08 - 2012


ترجمة : بابكر فيصل
على الرغم مما يبدو في اللحظة الراهنة من وقوف البلدين على شفير الحرب إلا أنَّ أمام السودان وجنوب السودان فرصاً كبيرة للإحتفاظ بعلاقات جيَّدة وتطويرها. رغم كل شىء فقد كانا بلداً واحداً لفترة طويلة حتى وقت قريب, ولا يمكن بين عشية وضحاها التخلص من العديد من الأوضاع التي كانت سائدة عندما كان البلد موحداً. معظم أجزاء جنوب السودان - وهو قطر ليس له منفذ بحري – خصوصاً الولايات المجاورة للسودان تعتمد بصورة شبه كاملة على البضائع والخدمات التي تأتي من الشمال. في نفس الوقت فإنَّ الرعاة في الشمال يقضون معظم أيام السنة في جنوب السودان بحثاً عن المرعى لماشيتهم. الإعتماد المتبادل في هذه القضايا الحيوية يمثل علاقات حقيقية ماثلة على الأرض لا تستطيع الأنظمة الحاكمة في البلدين قطعها. أضف إلى ذلك حقيقة أنَّ الحدود المشتركة بين البلدين أطول من أي حدود لكلاهما مع أي من جيرانه. هذه الحدود التي تمتد لأكثر من 2.000 كلم لا يمكن حمايتها بواسطة الإجراءات الأمنية. العلاقات الطيبة فقط هى الكفيلة بالحفاظ على أمن وسلامة الحدود لخدمة مصالح البلدين. كذلك فإنه من الناحية الثقافية والإجتماعية حدث تلاقح للثقافات وأساليب الحياة بما في ذلك الزيجات المختلطة. هذه بعض العوامل التي تعمل على تعزيز علاقات حسن الجوار بين السودان وجنوب السودان.
غني عن القول أن أي انعدام للأمن في أي من البلدين سيكون له بالتأكيد آثار سلبية على البلد الآخر، أقل هذه الآثار هي تدفق اللاجئين إلى البلد الجار. وبالتالي فإنَّ من مصلحة كلا البلدين تعزيز الاستقرار داخل أراضيه والكف عن التحريض أو التشجيع على عدم الاستقرار في البلد الآخر.
من حيث إمكانات التنمية فإنَّ البلدين يمتلكان موارد ضخمة يمكن استغلالها لبناء اقتصادات قوية ومتكاملة. الإستفادة من هذه الموارد تمثل في حد ذاتها تحدياً سوف ننظر في بعض تفاصيله في ما يتعلق بجنوب السودان في هذه الورقة. و سيتناول زميلي الآخر التفاصيل فيما يتعلق بالسودان.
تحديات ماثلة
هنالك نوعان من التحديات التي تواجه دولتي السودان : التحديات داخل كل بلد, والتحديات التي تواجههما سوياً. التحديات التي تواجههما سوياً والتي تهدِّد في الوقت الراهن بجرهما للحرب ترتبط في الأساس بالتركة العالقة من إتفاق السلام الشامل وكيفية تطبيقها. هى في الواقع قضايا ما بعد الإنفصال. إتفاق السلام الشامل الذي نصَّ على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان بما في ذلك خيار الإنفصال لم يوضح كيفية التعامل مع إحتمال الإنفصال في حال وقوعه. السبب في ذلك هو أنَّ الطرفين الموقعين على الإتفاق ( حزب المؤتمر الوطني الذي يمثل حكومة السودان, والحركة الشعبية لتحرير السودان) ألزما أنفسهما بالعمل من أجل وحدة السودان وذلك بجعلها جاذبة للجنوبيين حتى تصبح خيارهم المفضل في الإستفتاء. وبالتالي فقد إفترضا أن النتيجة ستكون محسومة سلفاً لصالح الوحدة. يبدو أنهما لم يستفيدا من تجربة النرويج في 1996 عندما صوَّت شعبها في إستفتاء للإنضمام للإتحاد الأوروبي أو عدم الإنضمام له. قضايا ما بعد الإستفتاء – كما أطلقوا عليها في محاولة لتجنب تسمية الإنفصال – تمت الإشارة إليها لأول مرَّة في مناقشات الطرفين لمشروع قانون الإستفتاء قبل عامين من إنتهاء الفترة الإنتقالية. حتى ذلك الحين كان يمكن أن تكون المناقشات ودية لولا العداء التي نشأ بين "الشريكين" في أثناء تنفيذ اتفاق السلام الشامل. أسباب ذلك العداء تقع خارج نطاق هذه الورقة , ولكن الحقيقة هي أن الصعوبات التي تواجه الاتفاق في الوقت الراهن حول قضايا ما بعد الانفصال أكبر من طبيعة العلاقات بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني خلال الفترة الانتقالية . في الواقع , الناس لا يرون فرقاً كبيراً في المحادثات التي تجري الآن وتلك التي جرت في الماضي : إنهم لا ينظرون إليها كمفاوضات بين بلدين ولكن بين حزبين سياسيين.
تحديات الجنوب
ظهرت جمهورية جنوب السودان إلى حيز الوجود في 9 يوليو 2011 وبذلك أصبحت أحدث دولة في المجتمع الدولي. وبطبيعة الحال، الدولة الجديدة تواجه تحديات هائلة, تحديات تتطلب وحدة الهدف بين مواطنيها من أجل مواجهتها.
لدى جنوب السودان لديها تحت تصرفه تجارب الدول التي نالت استقلالها قبله سواء في أفريقيا أو في غيرها من البلدان النامية. يجب على جنوب السودان دراسة تلك الثروة من الخبرة من أجل البناء على الجوانب الإيجابية وتجنب الاخطاء التي ارتكبت.
التحدي الأول يتمثل في كيفية تحقيق الاستقلال الاقتصادي. النضال الأفريقي من أجل الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ركز على الاستقلال السياسي ولم يلتفت كثيراً إلى الاستقلال الاقتصادي المصاحب له. عندما تم تحقيق الاستقلال، وجد الأفارقة أنفسهم مواجهين باقتصاديات التخلف الاستعماري مما أدى بهم إلى طريق مسدود. وبالتالي لم تكن مصادفة سيطرة الإنقلابات العسكرية على الحكم في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي ووعودها للشعوب بحياة أفضل. البلدان القليلة التي لم تشهد إنقلابات عسكرية – مثل كينيا وزامبيا – تبَّنت نظام الحزب الواحد والذي أدى بدوره لدكتاتورية مدنية. من الناحية الإقتصادية فقد خضعت كل الدول الإفريقية المستقلة تقريباً لروشتة " برنامج الإصلاح الهيكلي ". برنامج الإصلاح الهيكلي فرض على كل الدول التي رغبت في الإستفادة من مؤسسات مؤتمر " بريتون وودز " ( البنك الدولي, صندوق النقد الدولي ) تطبيق وصفة واحدة من الإجراءات التقشفية : تخفيض العمالة, تخفيض قيمة العملة, رفع الدعم عن السلع, إلخ . نحن نعلم الآن أنَّ إعتماد بلد ما اقتصادياً على بلاد أخرى يجعل إستقلاله السياسي ليس أكثر من مُجرَّد علم وطني, وبعض مظاهر السلطة.
الحزبان اللذان حكما السودان في فترات الديموقراطيَّة المتقطعة منذ 1954 ( الحزب الوطني الإتحادي الذي تحوَّل للحزب الإتحادي الديموقراطي بعد إندماجه مع حزب الشعب الديموقراطي, وحزب الأمَّة ) لم يختلفا كثيراً عن نظرائهم الأفارقة. لم يوجد أى شىء في برامجهما متعلق بقضية التنمية. الديموقراطيَّة بالنسبة لهما عنت فقط الفوز في الإنتخابات و حكم البلاد بالكيفية التي أرادوها. لذلك ليس مستغرباً أنَّ جميع الإنقلابات العسكرية التي وقعت في السودان لم تجد مقاومة من جموع المواطنين. في الحقيقة كان إنقلاب 1958 عبارة عن تسليم السلطة لقيادة الجيش من قبل رئيس وزراء حزب الأمة. كذلك فإنَّ الحرب في الجنوب و عبئها الباهظ على الإقتصاد كان السبب وراء تغيير الأنظمة في 1964 , 1985, 1989 . واقع الأمر أن مشكلة الجنوب تم إستغلالها من قبل الأحزاب السياسية الشمالية في صراعها السياسي. على سبيل المثال كان الدافع وراء قيام حكومة 1958 بنشر تقرير القاضي قطران حول " أحداث توريت " هو إحراج إسماعيل الأزهري وليس توضيح الحقائق مجرَّدة.
راس الاولويات
يوجد بجنوب السودان تنوع في الثقافات والمجموعات العرقية واللغات والمعتقدات الدينية. وبالتالي فإنَّ الوحدة الوطنية تأتي على رأس التحديات التي تواجه الدولة الجديدة. خاض الجنوبيون الحرب وتحملوا صعابها جميعاً كشعب واحد. وعلى الرغم من ذلك لا يمكن إنكار حقيقة أنهم تماسكوا سوياً بسبب كرههم للعدو المشترك. تجربة الحكومة الإقليمية لجنوب السودان ( 1972 – 1983 ) لفتت أنظار الجنوبيين بصورة واضحة لهذه الحقيقة. وبالتالي فإنَّ هناك حاجة لتطوير غاية مشتركة يواليها الشعب دون إنقسام. في هذا الخصوص يتوجب على الجنوبيين تحويل تنوعهم إلى رصيد وهو الأمر الذي فشل السودان في عمله فشلاً ذريعاً منذ الإستقلال. لسوء الحظ فإنَّ نفس القضايا التي دفعت الجنوبيين لحمل السلاح ضد الخرطوم والمتمثلة في الحاجة إلى شراكة متكافئة في إدارة البلاد والاعتراف بالتنوع من السودان يتم المطالبة بها في جنوب السودان اليوم. يجب أن يدار التنوع بما يعود بالنفع على الجميع. ويجب على الوحدة الوطنية أن تشمل الجميع, كبيراً أو صغيراً, أقلية أو أغلبية.
الأمر الملح للغاية في مسيرة بناء الوحدة الوطنية هو وضع نهاية سريعة لحالة إنعدام الأمن الناجمة عن أعمال العنف بين وداخل القبيلة الواحدة والمتمردين الذين يقاتلون الحكومة.
يجب أن تستند الوحدة الوطنية على الحكم الرشيد الذي يرتكز على ستة محاور : توفير الأمن وسيادة القانون والديمقراطية الحزبية التعددية ، وتوفيرالبيئة المواتية للنمو الاقتصادي والازدهار, وتقديم الخدمات والمجتمع المدني النابض بالحياة.
الديموقراطية الحزبيَّة التعددية كنظام للحكم تشكل الضمانة الوحيدة للسلام المستدام في أى بلد. هى الوسيلة الوحيدة التي تضمن المشاركة المتساوية للجميع. وبالتالي يجب على الجميع إستبطانها. الديمقراطية ليست مجرد عملية موسمية ولكنها وسيلة للحياة تتخلل جميع أعمالنا في المجال السياسي. مبدأ الديمقراطية ليس خاضعاً للنقاش، بل الذي يجب مناقشته هو كيفية تحسين الوضع الحالي وإتاحة فرص متكافئة للجميع للتعبير عن أنفسهم, و لتنظيم أنفسهم في أحزاب سياسية ومنظمات للمجتمع المدني. الدور القيادي هنا يقع على عاتق الحزب (الأحزاب) التي تمسك بالسلطة. لا يمكن للديمقراطية أبداً أن تكون كاملة اذا لم تكن هناك معارضة قوية للحكومة. يجب على الحكومة أن لا تنظر للمعارضة كعدو, و ينبغي على المعارضة تقديم النقد البناء لسياسات الحكومة وليس للحكومة كمؤسسة. كلاهما (الحكومة والمعارضة) وجهان مختلفان لعملة واحدة.
يحتاج جنوب السودان لوضع سياسات وإجراءات نقدية و مالية صارمة للسيطرة على التضخم وتحفيز إنتعاش ونمو الإقتصاد. من دون نمو حقيقي في الاقتصاد، ستظل أحوال الكثير من الناس مثيرة للشفقة : البطالة ستستمر في الارتفاع وكذلك ستستمر غيرها من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية في تسجيل أداء ضعيف. يجب أن يعاد النظر في نظام الضرائب الذي عمل الآن في جنوب السودان وذلك بهدف جعل الشركات تدفع الضرائب المطلوبة منها. كذلك لا بد من تنويع مصادر الدخل القومي بدلاً من الإعتماد فقط على عائدات النفط الذي هو مصدر غير متجدد للطاقة ويتسم بعدم الاستقرار في الأسعار. يجب كذلك خفض الإنفاق الحكومي الكبير الحالي بصورة حاسمة.
استرداد الثمن
التنمية هي المدخل إلى تحقيق التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي والازدهار في جنوب السودان. لقد عانى الشعب كثيرا خلال الحرب وتحقيق السلام يشكل بالنسبة له "وقت إسترداد الثمن". المواطنين لديهم توقعات كبيرة من حيث تقديم الخدمات والأوقات الأفضل في المستقبل. لا يمكن أن تتحقق هذه التوقعات دون خطة متماسكة وواقعية التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل ( يمكن أن نطلق عليها خطة عام 2020 او عام 2025 وما إلى ذلك) تستفيد من موارد البلاد الطبيعية, وتأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الوضع الاقتصادي العالمي. هذه الخطة الاستراتيجية يتم الاتفاق عليها والعمل بها من قبل جميع القطاعات النشطة في المجتمع. نحن نعيش في عالم تختفي فيه الحدود وينفتح بصورة واسعة ليتحول لسوق واحد كبير.
في حالة جنوب السودان, يمكنه الانضمام إلى المجموعة الإقتصادية لشرق إفريقيا أوالكوميسا, أو غيرها. بحجم كبير من السكان ( أكثر من 400 و 100 مليون, على التوالي, لدول الكوميسا ومجموعة شرق افريقيا ) تشكل سوقا واحدة بدون رسوم جمركية على منتجاتها. وبالتالي فإن أي بلد لا تنتج سلعاً وخدمات منافسة تتحول إلى مستهلك, ولا يمكنها التمتع بفوائد تجمع مثل هذا. جنوب السودان بلد وهبته الطبيعة بالزراعة, بشقيها النباتي والحيواني. هذا هو المجال الذي يشارك فيه أكثر من 80% من السكان لكسب سبل معيشتهم. توجد بالبلاد ملايين الهكتارات من الأراضي البكر، والموارد المائية الضخمة ورأس المال الكافي للاستثمار في الزراعة النباتية. في مجال الثروة الحيوانية والسمكية، هناك حاجة لتحويل ثروة الماشية الضخمة إلى قيمة إقتصادية, وينبغي كذلك إنشاء مصايد للأسماك . الدواجن أمر أساسي من أجل الاحتياجات الغذائية ولذا يتعين الإهتمام بها. لا بد من توجيه موارد النفط لإحداث ثورة زراعية لإنتاج ما يكفي من الغذاء لأنفسنا (الأمن الغذائي) وللتصدير. بدلاً من أن يصبح سلة للمساعدات يمكن لجنوب السودان أن يصبح سلة غذاء المنطقة و ما وراءها. تذكر أن بعض دول الخليج تستورد الأغنام واللحوم من استراليا.
البشر هم وسيلة التنمية وغايتها. وبالتالي فإنَّ الموارد البشرية في حاجة إلى أن تصنف و يتم تدريبها بطريقة من شأنها أن تمنحها القدرة على المنافسة في هذا العالم المتغير بسرعة. لذا لا بد من التعليم النوعي والتدريب المستمر المخطط له بدقة و ينفذ على جميع المستويات. وفي هذا الصدد, يجب أن نشدَّد على أن السياسات الخاطئة والمواقف الاجتماعية السلبية تجاه أنواع معينة من التعليم في السودان أدت إلى إختلال النسبة الضرورية بين الفنيين والمهنيين. لمعالجة هذا الخلل, هناك حاجة لوضع التعليم الفني والتكنولوجي من المرحلة الابتدائية إلى مستويات التعليم العالي بصورة منفصلة وموازية للمساق الأكاديمي.
التنمية الصناعية يجب أن تبدأ بالصناعة المرتبطة بالزراعة. هذا هو المجال الذي يمتلك فيه جنوب السودان مزية تنافسية واضحة. صناعة السكر, تعليب المواد الغذائية والزيوت النباتية والصناعات المرتبطة بها من الصابون والمنظفات, وجبات غذاء الحيوان, تعليب وحفظ الأسماك, منتجات الغابات مع المراعاة الواجبة للتشجير، الورق والوقود من النباتات, الأعشاب، الخ والقائمة طويلة. الصناعة تحتاج لطاقة تشغلها. في هذا الصدد, هناك حاجة لتطوير الطاقة الكهرومائية من الشلالات الموجودة لدينا والأشكال الأخرى من الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. بالطبع، لفترة من الزمن قد لا يكون من الممكن الاستغناء عن الطاقة الحرارية مع وجود النفط .
النفط المنتج في جنوب السودان يمثل مصدراً هاماً لعائدات الصادر. ومع ذلك فإنَّ جنوب السودان يحتاج لبناء مصفاة واحدة على الأقل ليس فقط لتوفير إحتياجات الوقود والأسفلت ولكن لتشكيل قاعدة للصناعات البتروكيميائية لتوفير إحتياجات البلاستيك وغيره من المنتجات.
السياحة مجال آخر واعد بالنسبة لجنوب السودان. المزيج الجيد من ممارسات الحفاظ على الحياة البرية والإستثمار التجاري في الحدائق والفنادق وغير ذلك سيؤدي في الغالب لنتائج ممتازة ودخل جيد. ويجب، والرعاية ومع ذلك، يتعين تجنب النواحي السياحية التي تؤثر سلباً على قيم أهل جنوب السودان.
مجال النقل والبنى التحتية للإتصالات يستحق اهتماماً خاصاً, وذلك لربط مناطق الإنتاج بالأسواق، وربط المناطق الريفية مع المدن وتحسين الأمن وتيسير الوصول إلى المناطق النائية . في قطاع النقل يجب إعطاء أولوية للنقل النهري ليس فقط لتكلفته الزهيدة ولكن لأنَّ معظم أنحاء جنوب السودان ترتبط عن طريق الأنهار الصالحة للملاحة موسمياً أو على مدار السنة. لقد كان هذا هو الحال السائد خلال الفترة الاستعمارية, وليس هناك ما يمنع من إستمراره حالياً مع وجود التكنلوجياً الأكثر تطوراً. لقد قدمت العديد من الدول الصديقة لجنوب السودان مثل النرويج وهولندا مساعدات في الماضي ويمكن أن تساعد الآن في تطوير كفاءة النقل النهري. هناك مجال ملح آخر في قطاع النقل وهو بناء الطرق الصالحة للحركة طوال العام مع إعطاء أولوية لتلك الطرق التي تربط المناطق التي لا يمكن الوصول إليها عبر النقل النهري أو للطرق السريعة التي تربط البلد مع الدول المجاورة. مشروع السكك الحديدية يجب تأجيله في الوقت الراهن لسبب بسيط وهو أنَّ نقل الكميات الكبيرة ذهاباً وإياباً يجب أن يكون مجدياً من الناحية الإقتصادية وهو الأمر الذي لن يكون متوفراً وفق معطيات إقتصاد جنوب السودان الراهنة.
لقد وردت الكثير من الأقوال غير المصحوبة بالأفعال عن تشجيع الاستثمار في دولة جنوب السودان. هناك عدد من المسائل التي تحتاج إلى تقويم من أجل أن يجد الاستثمار المجدى والمرغوب فيه طريقه للجنوب . أولاً وقبل كل شيء, يجب أن يكون لدى الحكومة خريطة استثمارية للبلد ككل. ثانياً, نظراً للوضع الصعب للبنية التحتية في جنوب السودان يجب أن تكون هناك حوافز حقيقية للمستثمرين للمجيء إلا إذا كان المقصود هو الاستثمار في المدن حيث توجد تسهيلات أفضل. ثالثاً, هناك عوائق أخرى يجب التغلب عليها مثل انعدام الأمن, وفرض الضرائب المتعددة, سياسات التوظيف, الخ.
الشؤون الخارجية هى المجال الذي يتطلب توافقاً في الآراء بين جميع أصحاب المصلحة في البلد أكثر من بقية المجالات. البلد يحتاج الى توافق على المبادئ التي توجه السياسة الخارجية التي لا تتغير مع تغير الحكومات. يجب أن تخدم الدبلوماسية المصلحة المشتركة للبلاد في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بإنضمامه الى الهيئات الدولية والإقليمية فإنَّ البلد قد دخل في إلتزامات يجب أن يكون مستعداً لإحترامها والالتزام بها وتنفيذها.
الفساد هو المرض الذي يتغذي من الموارد الشحيحة, ويبدو أنه قد وصل الى مرحلة سرطانية و يجب أن يتم إستئصاله.
خاتمة :
السودان وجنوب السودان لديهما فرص عظيمة للتعايش السلمي كجيران أصحاب إقتصادات متكاملة. سنوات بقائهم الطويل كبلد واحد ساهمت بصورة كبيرة في ترابطهما. إستغلال هذه الإمكانيات الهائلة يتطلب وجود قيادة بعيدة النظر في البلدين.
التحدي الأكبر أمام جنوب السودان هو تعزيز وحدة وطنية مبنية على تنوع شعبه. الحركة الشعبية كحزب حاكم تواجه تحديات الحفاظ على القانون والنظام, وبناء القدرات الإدارية, وتقديم الخدمات لتلبية توقعات شعب جنوب السودان في حصاد ثمار السلام التي طالما وعد بها منذ عام 2005 عندما تم التوقيع على اتفاق السلام الشامل. جنوب السودان لا يزال يعتمد إعتماداً كلياً على عائدات النفط. لقد فشلت حكومة جنوب السودان خلال فترة الست سنوات الانتقالية في تشجيع التنويع الاقتصادي من خلال الإستثمار في قطاعات الصناعة والزراعة وغيرها من قطاعات التصدير غير النفطية .
علاوة على ذلك, ينبغي أن يتصدر التصدي لإنعدام الأمن في البلاد أولويات الحكومة. السببان اللذان أديا إلى إنعدام الأمن هما : الصراع داخل وبين القبائل على الماشية والأراضي والحصول على الموارد, والتمرد المسلح من جنود الجيش الشعبي السابقين الساخطين من عدم دمجهم في الجيش الوطني أو كرد فعل على تزوير الإنتخابات العامة في أبريل 2010 أبريل . حتى الآن, فشلت الحركة الشعبية في الإعتراف بالحاجة إلى خلق مجتمع شامل ومفتوح وأكتفت فقط بإستيعاب أحزاب تدور في فلكها وتردِّد نفس أغانيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.