عرف الإنسان البجاوي بالذكاء الخارق والسخرية النابعة من سرعة البديهة والحضور الذهني ومن صفاته أيضاً الركون إلى العزلة والبعد عن صخب الدنيا وضجيجها محملاً بقيم فاضلة وعتيقة لا سوق لها في زماننا الردئ هذا زمن اللهث وراء سراب المادة والتشبث بالظل دون "الأصل" والإنسان البجاوي يعتمد في حياته على قواعد راسخة من التقاليد والأعراف والتي صاغها بتجاربه عبر قرون فهو سليل ممالك سادت ثم بادت ورث منها تليد الأعراف في التعامل فالبجاوي أمي وليس جاهلاً.. ولعل خير ما نقدمه لهذا "المارد" العملاق والذي اقعدته صروف الدهر للحاق بمسيرة الأمم هو ان نبث أنوار العلم في ربوعه ونعمل آيات الفرقان في غرفاته فهو إن اضأنا له السبيل كفيل بالحفاظ على أسباب تماسك أمتنا وقادر على كسر شوكة المدسوسين بين ظهرانينا يثيرون الفتن لعرقلة التقدم والاستقرار.. يقول الأستاذ نافع محمود وهو من قيادات شرق السودان والذين عركتهم التجارب وعاني من صعوبات تحصيل العلم يقول مولانا نافع "إذا لاقيت خريجاً جامعياً في أبناء البجا فإنك أمام شخصية غير عادية حطمت قيود التقاليد وأحقاد البيئة وأحالت المستحيل إلى الممكن، فعلى الرغم من الذكاء الذي يتمتع به الطالب البجاوي إلا أن ظروف الأسرة والبيئة المحيطة به لا تساعد على نهل العلوم فالوالد لا يحفز الابناء ليتعلموا ولا الأم تكرس وقتها ليتهيأ الطفل للدراسة والسبب هو عدم توفر القناعة لدي الوالدين لتعليم الابن لان الإنسان "راعي" حياته الترحال وينظر للحضارة والتطور بنظرات الريب والتردد، إذن أن الأسرة لا تعرف للعلم "قيمة" ولم تتغلغل أهداف العلم في أوصال مجتمعهم والإنسان الراعي يرى في حركة التغيير والعمران والتقدم الصناعي الذي يسود الكون "سراباً" واهياً وينظر إلي حركة التقدم باستخفاف، ومشكلة الإنسان الراعي بأنه مقتنع بما هو فيه من تخلف لذلك يصعب أعمال التغيير في أوساطه بسهولة ويسر. ولما كان الإنسان بدون "التعلم" هو عبارة عن حيوان غاشم فإن الإنسان هنا "عرضة" للانقراض أمام حركة التطور التي تسود الكون ويطبق عليه قانون البقاء للأقوى والمتسلح بالعلم والفناء للأميين. ومشكلة الإنسان البجاوي أنه لا يعرف الشكوى من نكد الدنيا ولا من تمرد الطبيعة انه لا يعرف تظاهرات الاحتجاج ولا مواكب الجوعى وإذا نفقت الماشية وظل الموت يتخاطفه من كل جانب التف في اسماله البالية وغط في سبات عميق لا مآب منه.. ان فك العزلة وتحطيم جسور الانغلاق التي ضربت حول الإنسان البجاوي تكمن في التعليم فبالعلم ينتفض وينهض هذا العملاق ليتماهى ويتفاعل مع موارد الطبيعة البكر والتي يزخر بها شرق السودان وتنبعث الحيوية في مجتمعاته من جديد.. ومعروف ان تحصيل العلم شاق على ابنائنا في زماننا هذا زمن شبكة الاتصالات المرئية والمسموعة ورغم ذلك ينبغي أن نهيئ اسباب التدافع نحو التعلم حتى ولو طبقنا سياسة التعليم الاجباري في بعض مناطق شرق السودان، ومما يروى عن مسيرة التعليم في المناطق المتاخمة للشقيقة مصر أن السلطات المصرية تدفع مبالغ يومية للتلميذ إضافة إلى وجبة الافطار مما جعل الكثير من المواطنين يقطنون حول تلك المدارس واجبار ابنائهم للذهاب والانخراط فيها بانتظام، إذن ان التحفيز عنصر مهم يدفع طلاب الريف للتدافع نحو المدارس.. لقد ترامي إلى مسامعنا ان حكومة ولاية البحر الأحمر قد طبقت سياسة الغذاء مقابل التعليم في أرياف الولاية وهذه بلاشك سياسة لها مردودها الايجابي نحو نشر العلم وتقوم المنطقة بتحقيق التنمية البشرية حتي يتناغم الإنسان مع معطيات الطبيعة فالشرق يعج بخيرات وفيرة ولكن الإنسان غير متفاعل مع حركة التنمية التي تسود المنطقة، والإنسان البجاوي يحتاج إلى كوادر رسالية ومتجردة من الأهواء الذاتية كوادر قوية تخترق سياج المجتمع المغلق "باسوار" الأمية والتقاليد البالية وإذا تفرقت فرق شبابنا وقادتنا بالأمس إلى شيع وأحزاب وطوائف قدداً فلنجتمع اليوم لمحاربة دياجير الأمية لتتصافي النفوس وتتقارب الآراء ولنزرع بذور التحابب والتلاقي بديلاً للتفرق والشتات فقوتنا تكمن في توحدنا وتفاكرنا لنضع الخطط والاستراتيجيات لمستقبل ابنائنا المبعثرين في الجامعات والراغبين التعليم والراغبين عن التعليم ولكم اضعنا الأزمان في الصراعات الفارغة والعراك في غير معترك. ومن مثالب الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم أنها تتعامل مع الطالب البجاوي كأنه من الأثرياء ومن أبناء الذوات التي تكدس الأموال فتطالبه بدفع الرسوم ويحرم من المنح وبالتالي تغلق أبواب تحصيل العلم أمامه بينما ينعم أبناء "مناطق" بعينها في السودان باعفاءات الرسوم وتغدق على العناية بهم الأموال وتصدق لهم المنح المجانية على حساب الدولة ولست أدري إن كانت هذه السياسة التعليمية نابعة من عدم فهم القائمين على أمر التعليم بتركيبة المجتمع أم أنه "أمر" قصد به حرمان أبناء البجا من فرص التعليم؟ والتلميذ البجاوي إذا تسرب من المدارس فلا تثريب عليه وليس "ملوماً" فحياة أسرته الترحال وعدم القناعة بفوائد العلم وإذا "الفيت" طالباً إذا فطر لا يتعشى من الفقر صامتاً تحفه "العفة" لا يسأل الناس "الحافاً" فإنك أمام إنسان بجاوي مكمم "الفاه" بالأدب العالي وان تبدى لك الجوع في عينيه الغاعرتين وجسمه المنتحل فإنه هو سليل من حطموا المربع الانجليزي انه الطالب البجاوي أمل الغد فلنرعاه وليهن المال في سبيل خلق الجو المعافى ليعب من قطوف العلم ولنقرع الأجراس وليتنادي الخيرون من أبناء الشرق مسؤولين وشعبيين فطلابنا ذخرنا لقادمات الأيام ولنؤذن ان حي علي الكفاح من أجل نشر العلم برعاية طلابنا وبناء المساكن لهم.