لازالت الافراح تنداح لتشمل "ربوع الحي" العتيق ، بفعل حدثين مهمين الاول هو اهتمام الدولة وعلى اعلى مستوياتها بتكريم نجمين من نجوم الحي اللذين كان لهما دورهما البارز كل في مجاله، وهما الاستاذ الموقر حسن محمد عبد الله رجل التعليم المشهود له، والثاني صحافي معتق هو الاخ شيخ ادريس بركات ، كان التكريم له صدى عند اهل الحي مسلميه واقباطه ، كما كانت المناسبة الاكبر هي الاحتفال بفطر صوم رمضان والذي تزامن الى حد ما مع فطر صوم السيدة العذراء مريم ام يسوع ، حقا كان الحي العتيق في الفترة الماضية دوحة للفرح ، ومنذ الصباح والمآذن تصدح بتكبيرات العيد كان الاخوة من اهل الحي ينتشرون في شوارع الحي بلباسهم الابيض الجميل والبعض يحمل مصلايته لاداء صلاة العيد في فرح وسرور تحفهم من على القرب انظار اخوتهم المسيحيين وهم يرسلون لهم تهاني العيد في يومه الاول ، كان الصغار يمرحون ويزهون بالملابس الزاهية والبعض في جلابيب بيضاء وعمامات صغيرة تسقط من الرؤوس الصغيرة من حين لآخر ، ينفخون على بوق العابهم "صينية الصنع" بينما الآخرون يقذفون بلهب المسدسات الصينية ايضا ، وحينها صغار الاسر الاخرى يتصارخون بفعل الغيرة ويطلبون من الاهل توفير تلك الالعاب لهم ودون احساس بأن المناسبة لا تعنيهم في هذه الايام على الاقل ، ولكن دون جدوى ، ولعل في ذلك مؤشر دال على أن التجانس والتعايش الديني بين الاقباط والمسلمين في حينا هذا يعتبر موروثا حضاريا عرف به الاهل ومنذ القدم . بعد صلاة العيد ومباشرة انتشر الكل يبارك العيد للكل من خلال زيارات ولو قصيرة يتناولون فيها الحلوى" إن كانت غير مصنعة باللبن او مشتقاته" اما اكل الكعك في ذلك اليوم فكان من "محظورات "على اعتباره يفطر صيام الست العذراء ، المهم في الامر صورة الحب والود القائم الذي تجسد في المشاركة التي وجدت التقدير بلا شك عند الاخوة المسلمين والذين فعلوا الشيء مثله عندما قرعت اجراس الكنيسة القبطية اجراسها ايذانا ببداية عيد السيدة العذراء ، والذي تصادف اليوم الرابع من عيد الفطر ، الشيء الذي ضاعف من فرحة الجميع بالعيدين هذا العام والجميع يتمنى دوام تلك العلاقة المتينة والباقية عبر التاريخ . هذا وقد اوحت لي هذه المناسبة أن ارجع بالتاريخ قليلا واعيد سرد بعض المظاهر التي كانت سائدة بالحي في مثل تلك الايام ، اعيدها في هذا المقال كفذلكات من الزمن الجميل ، يسبق يوم العيد في زمان غير زماننا ( يوم الوقفة ) ازدهار السوق الكبير الذي كان يكتظ بالاسر واحتياجات العيد ولوازم المخبوزات من السكر والدقيق والسمن البلدي الذي اشتهر به التاجر المرحوم اسحق مشرقي والد السيد عادل اسحق "وجد" الوجيه اشرف عادل ، جنبا إلى جنب مع متجر المرحوم نجيب كباشي الذي تكاد لا تراه او اي من مساعديه من جراء تزاحم النسوة اللائي يتدافعن للحاق بنصيبهن ، بينما تجد انواعا متواضعة من الحلوى إما على اواني كبيرة على قارعة الطريق او معبأة في اكياس النايلون من انواع الدروبس او الكريكاب وحلاوة النعناع البيضاء الدائرية الشكل، وكانت لمن لا يستطيع اليه سبيلا توضع في الصحن على تربيزة صغيرة بغرفة الزوار يشاركها قليل من التمر لزوم العيدية ، كانت الحياة بسيطة والناس بسطاء ، وعندما ينتصف النهار يوم الوقفة، تجد اسرابا من النسوة كبيرات السن وغالبا ما يصحطبن البنات الصغيرات يحملن صواني دائرية على الرؤوس في الطريق إلى فرن المرحوم ( الريح ) ولعلها المخبز الوحيد بالحي يتجاذبن الحديث ولا اقول الثرثرة قطعا للوقت وهن صائمات ، يتخذن من ساحة المخبز او الظلال المجاورة متكأ ، ينهشون الغائبات بالنميمة ودون تحسب للشهر الكريم ، بينما ( الفران ) يضحك ويتضجر احيانا من ذلك ، الا انه كان يلوذ بالصمت . وكثيرا ما كانت تحدث الكثير من المشاجرات بين النسوة . اما عن اهلي الاقباط فإن معظم الاسر كانت تقوم بعمل المخبوزات بالافران البلدية التي لم يخل منها منزل والتي كان يصنع به رغيف العيش اسبوعيا وتكفيهم شر المزاحمة بالمخبز ، وكان ليوم الخبيز طقوسه ايضا وهو توزيع ايام الاسبوع قبل العيد على افراد الاسرة ( فلانة يوم كدا وعلانة يوم كدا ) وعلى السيدة الكبيرة ( تيتة ) عبء البقاء امام لهب الفرن كل اليوم الا أن السعادة كانت تغمر الجميع مما يزيل تلك المعاناة . بالطبع قد اندثرت هذه المظاهر الآن بفعل توفر المخبوزات وبأذواق مختلفة الآن وايضا بفعل توفر الاجهزة الحديثة بالمنازل الشيء الذي وفر عبء الانشغال بإعداد خبيز العيد ، واصبحت ذكريات للزمن الجميل . في صباح العيد وباكرا كنا نشاهد ونحن اطفال الكثير من النسوة يحملن ( القفاف ) في اتجاه مقابر (البكري ) لزيارة القبور واحياء ذكرى امواتهن وبداخل تلك السلال انواع المخبوزات الا أن ( المنين ) يكون سيد الموقف ، بعد الزيارة يتم توزيع هذه المواد على الاطفال الذين يتجمعون بين القبور وجلهم من ابناء الوافدين ينتظرون بشغف البدء في التوزيع ويتزاحمون للفوز بأكبر كمية ، اما عن اهلي الاقباط فكنت اراهم يتسابقون لزيارة المقابر وكذا يحملون ( قفة او كيسا ) مملوءا بالكعك وبعض الفواكه والحلوى ويوزع على المنتظرين او ما يسمونهم ( المساكين ) ، وعندما شببت قليلا استفسرت عن مغزى الفعل هذا ، وكان الرد ساذجا اعتقادا بأن روح المتوفى تأتي وتأخذ ما كان يتلذذ له الميت في حياته ، قبلت ذلك التفسير الا انني علمت انها مجرد عادة فرعونية موروثة . ومن المضحكات أن بعضهن يعد شرائح من البطيخ لذات الغرض فعجبت لذلك. هذه الفذلكات اعددتها لمقالي الذي كنت انتوي ارساله للصحيفة مع نهاية العطلة الا أن بعض الظروف لم تسمح لي بذلك ، وبهذه المناسبة اود أن اقدم التعازي لنفسي و للاخ الجنرال مزدوجة بمناسبة انتقال البطريرك الاثيوبي وكذا الرئيس ملس زناوي إلى الامجاد السماوية ، وتعزياتنا في كلمات الكتاب التي تقول " إن عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت وان عشنا او متنا فللرب نحن " كل عام والجميع بخير والى لقاء