(14) ميل مربع.. بين البراءة والمؤامرة (السوداني) تورد التفاصيل... من الذي وضع منطقة 14 ميل مربع ضمن حدود دولة الجنوب؟ أكواب العصير وقوارير المياه كانت موضوعة على طول الطاولة، المفاوضون يتناقشون لساعات حول مسألة معقدة، رغم ذلك؛ الأجواء هادئة والابتسامات متبادلة.. المشهد يتكرر على مدى أيام متتالية، لكن قبل أن تنتهي الجولة يطلب وفد السودان المفاوض في أديس أببا من الوساطة الإفريقية أن تُعدل منطقة واحدة في الخريطة الجغرافية المقترحة من قبلهم.. وهي 14 ميل مربع الواقعة جنوب بحر العرب، والمضمنة في خريطة الآلية الإفريقية – أو هكذا يمكن تسميتها – وبدا للوهلة الأولى أن المسألة مجرد خطأ فني غير مقصود لكن بعد مرور ساعات تأكد الوفد أن الأمر لم يقع سهوا.. (14) ميل مربع، تعتبر العقبة الأولى في مفاوضات الترتيبات الأمنية لسبب واضح جدا.. أن المنطقة في جميع الخرط الدولية المعترف بها موجودة ضمن حدود دولة السودان، إلا أن خلافا حدث بين الدولتين حولها، فأحيل الموضوع لآخر قمة رئاسية عقدت في الخرطوم بين الرئيسين المشير عمر البشير والفريق سلفاكير مياردت، فاتفقا أن تكون هذه المنطقة ضمن المناطق المتنازع حولها.. فما الذي حدث؟؟ تقرير: لينا يعقوب يبدو واضحا أن الحكومة تخلت عن فكرة التفاوض والانتهاء من بند الترتيبات الأمنية ثم الانتقال إلى باقي القضايا العالقة في المباحثات.. والأمر قد لا يكون تنازلا بقدر ما هو محاولة لكسب الوقت من خلال الخوض في جميع الملفات وإحداث تقدم فيها دون التوقيع على أي منها قبل إحداث اختراق في الملف الأمني.. وذات العقبات تقف كل مرة أمام ذلك الملف المعقد.. المقترح الذي قدمته الحكومة للوساطة الأفريقية، تمثل بأن تلتزم دولة الجنوب بالوقف الفوري بإيواء ودعم الحركات المسلحة، فك الارتباط بين حكومة جنوب السودان والفرقتين التاسعة والعاشرة، إنهاء وجود وتسريح كافة العناصر ذات الأصول السودانية (أبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور والمسيرية والرزيقات وأي قبائل أخرى) في الجيش الشعبي والقوات النظامية وشطبهم من كشوفات القوة، تسوية حقوق المسرحين ومنحهم مستحقاتهم المالية، والالتزام بتنفيذ المنطقة الآمنة المنزوعة السلاح وتفعيل لجنة مراقبة الحدود. وجدت هذه المقترحات ترحيب الآلية الإفريقية، وتم بحث كيفية تنفيذ النقاط المتفق عليها، ووقف بند فك ارتباط الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي كحجر عثرة في تحقيق أي تقدم بعد نفي الحركة الشعبية وجود أي ارتباط.. إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت في الخريطة الجغرافية المقدمة. خطأ يتكرر مرتين: اتفق وفدا الدولتين في بداية المفاوضات على اعتماد أربع مناطق خلافية (دبة الفخار، المقينص، كاكا، وكافيه كنجي) إلا أن الرئيس سلفاكير ميارديت أصر خلال آخر لقاء له بالرئيس البشير في الخرطوم على ضم منطقة (14) ميل مربع إلى المناطق المختلف عليها، وهو ما حدث. لكن حدث ما أثار استغراب وفد الحكومة حينما قدمت الآلية الإفريقية خلال إحدى جلسات التفاوض الخريطة الجغرافية وهي تضم منطقة (14) ميل إلى حدود دولة الجنوب، وحسب مصادر مطلعة تحدثت ل(السوداني) فإن وفد الحكومة سارع باستفسار رئيس الآلية الإفريقية ثابو مبيكي عن أسباب وضع المنطقة في حدود دولة الجنوب، وأوضحت أن امبيكي وعد بمراجعة المسألة والرد عليها.. الوفد ربما اعتقد أنه خطأ غير مقصود سيتم تصحيحه بأعجل ما تيسر، لكنه تفاجأ للمرة الثانية أن ذات الخريطة جاءت دون تعديل على طاولة التفاوض، وهو ما اعتبر مؤشرا خطيرا حول مستقبل سير مسألة الترتيبات الأمنية. بريطانيا ما دخلها؟ الأدلة كلها تثبت أن الخريطة المقدمة تخالف كل الخرط الدولية والإقليمية المعتمدة والمعروفة، (الأممالمتحدة، اليونميس، اليوناميد) والتي أشارت بكل وضوح أن المنطقة تقع جنوب بحر العرب ضمن حدود دولة السودان، لذا برز السؤال المهم لدى أعضاء الوفد، من الذي وضع هذه الخريطة؟. (السوداني) من مصادر مطلعة علمت أن الخريطة وضعتها سكرتارية الاتحاد الإفريقي، وفصلت المصادر أكثر حينما أشارت إلى أن الملحق العسكري البريطاني بالخرطوم والمشارك في لجنة امبيكي وسكرتارية التفاوض كخبير فني، هو الذي وضع هذه الخريطة الجغرافية، وأوضحت ذات المصادر أن الأمر كأنه دل على مؤامرة تحاك "لأن الخريطة لا يسندها تاريخ أو منطق ومن غير المعقول اختراع خريطة جديدة تضمن منطقة تنازع ضمن حدود دولة أخرى" وأشارت إلى أن المرجعية الأساسية هي حدود 1/1/1956.. ولا بديل عنها. المصادر توقعت أن تبدأ هذه الجولة بتقديم خريطة صحيحة توضح المناطق المتنازع عليها واعتبرت عدم حدوث هذا الأمر يدل على عدم جدية من قبل الآلية الإفريقية، وأكدت أن العقبتين في الملف الأمني لا تخرج من منطقة (14) ميل مربع وفصل حكومة جنوب السودان للفرقتين التاسعة والعاشرة من قوات الجيش الشعبي. السفير البريطاني: لا توجد خريطة حاسمة (السوداني) اتجهت إلى السفير البريطاني بالخرطوم د. بيتر تيبر تستفسره عن الأسباب التي دفعت الملحق العسكري البريطاني بالسفارة على وضع منطقة (14) ميل مربع ضمن حدود دولة الجنوب، إلا أنه نفى صحة الأمر وقال "الاتحاد الإفريقي وضع مقترحا لمنطقة منزوحة السلاح، والخريطة المقترحة تؤسس للمنطقة التي وافق عليها كل طرف والتي سيتم مراقبتها بواسطة مراقبين مستقلين لأنها ستخلق حدودا منزوعة السلاح وستسمح بتجارة آمنة، وأوضح أن المنطقة الآمنة ليست تعريفا لمصطلح الحدود الطويلة، فحسب السفير إن موافقة السودان على هذه الخريطة لا يعبر عن موقفها بشأن سيادة أراضيها لأنه مجرد مقترح وضع من قبل الاتحاد الإفريقي بالتعاون مع الأممالمتحدة، مؤكدا أن بريطانيا تساند عملهم عبر فريق التنفيذ وزودتهم بدعم مالي وخبراء"، وقال: "هذا ليس مقترحا بريطانيا ولم يكن عملا فرديا بريطانيا، إنما كان عمل يقوده امبيكي". والمعروف أن بريطانيا من أكثر الدول التي يمكن أن تزود السودان ودولة جنوب السودان بخرائط الحدود، وقد أكد السفير تيبيت ل(السوداني) أن المملكة المتحدة زودت الاتحاد الإفريقي بوثائق تاريخية وخبرات بالقدر الذي استطاعت عليه، لكنه قال: "بكل تأكيد لا توجد خريطة حاسمة وقاطعة تظهر بكل وضوح كيف يمكن أن يكون التقسيم بين السودان وجنوب السودان، لأن السودان كان دولة واحدة" ولفت إلى وجود خرط إلا أنها لا تعطي إجابة دقيقة على هذا السؤال. وحول البيان الذي أصدره السفير أوضح أن ترحيبه بالخارطة لا يعتبر مؤشرا بالتأثير على السيادة أو الخط الحدودي الدائم لأن المملكة المتحدة تؤيد دعوات والاتحاد الإفريقي ومجلس لحكومة السودان بالموافقة على إقامة المنطقة الحدودية الآمنة ومنزوعة السلاح التي حددتها خارطة الاتحاد الإفريقي كما قامت بذلك حكومة جنوب السودان. كرتي يوجه لوما للسفير بدا أن حديث وزير الخارجية علي كرتي حول علاقة السودان مع بريطانيا معمم، إلا أن البعض تمكن من قراءة ما بين السطور، فالوزير قال لدى تسلمه أمس الأول أوراق اعتماد السفير تيبيت إن الدور البريطاني يتراجع في السودان بسبب سياسات المملكة المتحدة، منوها إلى أن علاقات البلدين في وقتها الراهن لا تعبر عن تلك الروابط التاريخية، وأعرب عن أمنيته بأن يتمكن السفير من الإسهام في الدفع بعلاقات البلدين لمستويات أفضل، مؤكدا في ذات الوقت استعداد السودان للتعاطي الإيجابي في هذا الشأن، غير أن السفير البريطاني أكد له اهتمام بلاده بما يحدث في السودان، مشيرا الى أن حكومة السودان قامت بأدوار جوهرية في مجال السلام كانت محل تقدير المجتمع الدولي، وتمنى أن تتمكن المفاوضات التي استؤنفت في أديس أببا من تجاوز العقبات التي تعترضها وأن يتوصل الطرفان الى حلول لكافة القضايا محل الخلاف. ليست المرة الأولى بأي حال التي يوجه مسؤولون في الحكومة انتقادات للسياسية البريطانية التي تعتبر من وجهة نظرهم غير محايدة، إلا أن المملكة المتحدة متمسكة بمواقفها وتعتبر في بعض الأحيان أن ما يحدث مجرد مزايدات من قبل الحكومة السودانية.