في مكتبتي أختزن الكثير من القصص والحكايات عسى أن تتيسر لي الكتابة عنها ذات يوم. في الغالب لا آتي على ذكر تلك الحكايات مع أصدقائي الصحفيين بسبب زعمي أن الحكايات الجيدة تصلح للرواية مرة واحدة فإذا رويت مرتين فإنها لا شك حكايات فاسدة. قبل سنوات كتب الأستاذ عادل الباز أن المسئولين السودانيين يحتفظون بالمعلومات حتى تفسد في خزاناتهم وأخشى دائماً أن تفسد حكاياتي التي أقصها من الصحف أو أصورها من شاشات الكمبيوتر أو أحملها من على الإنترنت. حين تولى الأستاذ العبيد أحمد مروح منصب الأمين العام لاتحاد الصحافة والمطبوعات طرحت عليه فكرة صياغة ميثاق شرف لممارسة الصحافة لكن حوارنا لم يمض كثيراً وقطعته تصاريف الوقت. ضمن ملفي عن ذلك الموضوع عشرات الوثائق من بينها فصل عن دور الصحافة في محاربة/ تحجيم/ فضح الفساد، سآخذ منه الآن واحدة من كبريات الانتصارات الصحفية التي حققتها يومية فقيرة تصدر في حجم التابلويد في جارتنا السابقة (يوغندا) بعنوان (نيو فيشن) أو رؤية جديدة. في عام 1997 فضحت الصحيفة صفقة طائرات هليوكوبتر فاسدة تورط فيها وزير الدفاع الجنرال سليم صالح (المناضل الثوري القديم وأخ الرئيس يوري موسيفيني). كشفت التحقيقات أن الرئيس كان على علم ببعض تفاصيل الفساد وأنه أمر أخاه الوزير بتنظيف يده عبر استخدام الرشوة التي حصل عليها في عمليات مواجهة التمرد في شمال البلاد. الصفقة كانت كبيرة واستوردت يوغندا سرباً من الطائرات البيلاروسية الفاسدة كلفت خزانتها 13 مليون دولار. لم يحاكم الجنرال صالح لكنه غادر الحياة السياسية العامة. فتحت هذه الخبطة شهية المجتمع المدني لمحاربة الفساد هناك وفي يوغندا الآن فرع كثيف النشاط لمنظمة الشفافية العالمية (ترانسبيرنسي إنترناشونال). هذه الأيام أتابع معركة صحيفتنا هذه مع الفساد من زاوية نظر تهتم بألا تنجر الصحيفة إلى أن تكون بديلاً عن الرأي العام وبديلاً عن الشعب أو نائبة عنه أو ممثلة له. لقد قدمت الصحيفة كتابها للسلطة وللجماهير وأدت على هذا النحو دورها كما ينبغي. كان يمكن للصحيفة –بكل سهولة ويسر- أن ترفض التعاون مع وزارة العدل وأن ترفض تسليمها أي وثائق أو معلومات فالصحف لا تعمل ضمن قلم (المخبرين) الخاص بالوزارة. هناك أجهزة تمولها الدولة من مال هذا الشعب مهمتها التحقيقات، وجمع الوثائق، وتقديم الأدلة وضبط الجناة، ومحاكمتهم، واستعادة الأموال موضع الاتهام. بمعركتها الحالية آمل أن تؤسس صحيفتنا لمدرسة جديدة تحارب الفساد – وفق المتاح- وتضع القلم في يد السلطة: فإما سلطة تحارب الفساد أو سلطة ترعاه! إما سلطة تحارب المفسدين، أو سلطة تروض المفسدين و(تكسر عينهم) من خلال حمايتهم ليؤدوا لها المهام القذرة عند الحاجة. آمل أن تشجع معركة الصحيفة الباسلة هذه الأيام في مواجهة بعض الفساد، المسئولين السابقين الذين عناهم الأستاذ الباز، ليخرجوا إلى الناس بمعلوماتهم قبل أن تفسد في صدورهم. لا أتوقع أن يتم استئصال الفساد كله، وقد استشرى، لكن لابد لكل مخطيء أن يترقب دوره في الصفحات الأولى وهذا قد يردع البعض ممن لم يفسدوا، مثلما قد يدفع آخرين إلى تسوية أوضاعهم في إطار القانون. في أحد الملتقيات الدولية لمحاربة الفساد، أوجز إعلامي مخضرم هو البروفيسور جوهان فريتز المدير العام للمعهد الدولي للصحافة (آي بي آي) مهمة الإعلام إزاء الفساد في أمرين هما: التحقيق فيه وكشفه للرأي العام، والترويج لجهود محاربته، وآن للشعب وللحكومة أن يقدما لصحيفتنا في هذا الشأن ما يستحق الترويج. محمد عثمان ابراهيم www.dabaiwa.com