لسنا استثناء في هذا العالم .. فهناك تحولات في العالم .. هناك تغيرات مناخية .. وهناك أزمة غلاء أسعار عالمية .. وهناك أزمة مالية تضرب كوكب الأرض، فالمؤشرات أن الأزمة ستطول .. وللأسف نحن غير متأهبين لها .. لأننا نفتقد للتخطيط للغد ونعيش الحياة يوم بيوم .. وننسى أن الله أمرنا أن نعد العدة، وأن الله قص علينا في كتابه العزيز - في سورة يوسف - أن بقرات سمان أكلتهن بقرات ضعاف، وأن يوسف الصديق فسر الرؤية، فكان التخطيط السليم .. فتجاوزت مصر سنوات الجفاف .. فبلادنا - كما قلت - ليست استثناء .. فالأزمة تخنق العالم وتخنق بلادنا .. وما زاد الطين بلة أن أوضاعاً سياسية تمر بها بلادنا زادت كيل الأزمة .. ولأننا نعالج أزماتنا باستعمال المهدئات والمخدرات الوقتية .. فإن أزمتنا تطول برغم أننا نملك المعالجات .. فالسبب في هذا التخطيط أننا لا نقترب من دائرة التخطيط .. فهناك غياب تام لرؤية اقتصادية وسياسية مستقبلية .. فالعجز في أية موازنة يدفعنا إلى البحث عن الحلول الوقتية .. رفع الدعم عن البترول .. زيادة سعر الكهرباء .. الاستدانة من البنك المركزي، وهلم جرا. لا تفكير جاد بزيادة الإنتاج .. برغم أننا نملك موارد يمكن تفجيرها وزيادة الإنتاج .. لنستعيض عنه بالرسومات والضرائب ورفع الدعم .. فعلاجاتنا لأية ازمة «علوق شدة». أردت بهذه المقدمة أن أقول إن خريف هذا العام مدخل واسع لخروجنا من هذه الأزمة .. فمعدلات الأمطار العالية طوق نجاة وسفينة تحملنا إلى بر الأمان .. فعقد الأمال على البترول.. والوصول إلى اتفاق مع دولة الجنوب .. ليس هو الحل .. فالحل يكمن في الزراعة .. فالحكومة التي لا تتجاوز فيها موازنة الزراعة 17% من الموازنة العامة.. كالتي هي جالسة و«تلولح ضنبا».. فتمويل الموسم الزراعي متواضع جداً بمقاس أن هناك أزمة وأن هناك إيرادات خرجت .. وللأسف فالمساحات لم تزد عن المساحات الماضية .. وعلى سبيل المثال القطن .. فالمزارعون وللأسف أحجموا عن زراعته وتقلصت مساحة هذا الموسم .. لأسباب أنهم استلموا الأرباح بعد أن دخل الموسم، وأظن أن البعض لم يستلم .. كما أن أسعار المدخلات ارتفعت، وعلى سبيل المثال، اليوريا تجاوز جوالها مائتي جنيه، وصحيح أنه متوفر .. القطن المحور الذي بدأ يدخل في الخريطة الزراعية سبقته حملات أخافت المنتجين .. فابتعدوا عنه.. «لما يشوفوا شبل التمساح في غيرهم» .. فالدولة جاءها الفرج بالخريف المطير .. لكنها لم تدفع المنتجين لزراعة مساحات أكبر .. وهذا يعود إلى غياب الإدارة .. فمشروع كمشروع الجزيرة لا توجد به إدارة .. فلا تقولوا لي هذه الإدارة المتكلسة .. فلا يمكن لعدد أقل من «30» يمكنهم إدارة مشروع بمساحة أكثر من مليوني فدان .. ولا تقولوا لي روابط مستخدمي المياه .. هذه «الوهمة» الكبيرة .. التي قضت على المشروع .. فالدولة المشغولة بالحلول الوقتية أضاعت فرصة هذا الخريف المطير .. ولا أظن أنها ستلحق به .. فالزراعة مواقيت .. وحتى لا يروح الجمل بما حمل .. عليها أن تعمل حسابها، وقالوا «المال تلتو ولا كتلتو» .. أقصد عليها أن تعد العدة لمكافحة الآفات - فمعلوم أن الخريف المطير يحمل معه الآفات - قبل أن تأتي الآفات مع الجفاف .. وأن تعمل حسابها للخيش وبقية المدخلات .. وشيئ آخر، هناك مدخل آخر للخروج من الأزمة يعقب الخريف، هو الصمغ العربي .. وهو أحد أهم صادراتنا. ليت الدولة وفرت التمويل للمنتجين وأعدت خارطة طريق لهذا المحصول المهم .. وهناك قطيع قومي مدخل آخر للخروج من الأزمة يكون جاهزاً بعد الخريف .. لا يعطله غير المحليات ورسوماتها وجباياتها، ولا يقف حجر عثرة في طريقه غير سياسات الصادر والمضاربات والسماسرة .. فمن المؤسف أن سياسة الدولة تجاه الصادر هي العقبة التي تعترض المصدرين، فحكومات الولايات التي دوماً ترى تحت رجليها، لا تملك وسائل لزيادة إيراداتها غير الأتاوات .. فهي سيف مسلط على الزراعة وعلى الثروة الحيوانية .. حكومات لا تعرف غير الجبايات .. حكومات أشبه بقطاع الطرق لا تلتزم بالقرارات الاتحادية .. تمارس النهب والسلب .. ولا تعرف الاستثمار .. اعتقد أن هناك فرصاً واسعة للخروج من الأزمة، تأتي من بوابة الزراعة والثروة الحيوانية والصمغ العربي ..إضافة للذهب.. والمن والسلوى الذي أنزله الله لبلادنا .. وافتكر أن وزارة التعدين .. قد استفادت كثيراً من أخطاء الوزارات المعنية بالإنتاج .. فعملت خريطة طريق للتعدين .. ورسمت طريقاً للإنتاج وفق إستراتيجية علمية لتستعيض بلادنا «بعض» ما افتقدناه من البترول .. والله المستعان.