كابتن هيثم مصطفى في ذمة المريخ بادئ ذي بدء لابد أن نبادر لنقدم كل الاعتذار لصديقنا الأمين البرير رئيس شعب الهلال، الرجل القوي البعيد عن العاطفة، والذي يبدو أننا قد ظلمناه يوم وقفنا ندق الطبول ونحرق البخور ونشق الجيوب وندعو بدعوى جاهلية رياضية، نبكي في حرقة على شخص لا يستحق كلمة الوداع مثلما لا يستحق تلك المشاعر الطيبة والود المصفق الذي ظلت تكنه له قواعد الأهلة العريضة، الوفية الصابرة والصامدة، وقد علمت الأيام أمة الهلال - يا هيثم - أن تمشي على الجرح وتمشي ثم تمشي كما يقول شاعر المقاومة الفلسطينية المبدع محمود درويش - عليه الرحمة. رباه.. لم أصدق وأنا على البعد من دار الوطن أن كابتن هيثم مصطفى قد فعلها وقام بارتكاب تلك الحماقة، مديراً ظهره وإلى الأبد مائة وثمانين درجة لناديه بعد أن ظلت أمة الهلال تبادله المحبة والوفاء.. وهو يقود فتية الموج الأزرق في فرح نبيل محققاً انتصاراً تلو الآخر، خاصة في شباك المريخ الذي يحلو لنا نحن معشر أمة الهلال إلحاق الهزيمة به بين الفينة والأخرى، وكان هيثم فارسها المغوار الذي أعدته لهذه المهمة لأكثر من سبعة عشر عاماً، وذلك قبل أن يمضي إلى رحابهم غير مأسوف عليه مضرجاً بكل معاني الاستسلام، وكفى. ويبدو أن كابتن هيثم لم يقرأ التاريخ الكروي جيداً، فقد حاول من قبله كابتن عز الدين الدحيش أن يرتكب ذات الحماقة، ولكنه عاد مسرعاً إلى أحضان أمته الكروية المجيدة، بعد أن صعب وعز عليه الموقف حين وجد نفسه مع أهل غير أهله ودار غير داره. وا حزني عليك أيها الفارس الذي تنكر وتنكب الطريق الجاد من أجل خلاف سطحي، أو قد تكون دريهمات لن تقيم صلبه.. ماذا دفعك - أخي هيثم - إلى هذا الانتحار الرياضي الذي أدميتم به قلوبنا؟! وكيف تسنى لكم أن تفارقوا «الفنلة» الزرقاء وبريقها ووهجها بعد أن حققتم بها ولها كل ملاحمكم الكروية، حيث شهدت بذلك كل الميادين الخضراء، بما في ذلك ساحة المريخ غريمنا الأبدي اللدود، وهل تقوى يا رفيق جهاد الأمس على أن ترتدي فنلة أخرى غير تلك التي عهدتكم بها ساحات الوغى الرياضي، فما في جسدك شبر واحد إلا وفيه ضربة حانق؛ يريد أن يوقف زحفك الرائع والمهيب عن شباكه، أو طعنة مرجف أعياه الوقوف أمامكم، فقد كنتم بحق سيف أمة الهلال البتار الذي ادخره للملمات، وذلك قبل أن تترجل لتذهب إلى مزالق أخرى غير مأسوف عليك من تلك الجماهير الوفية، ونعني أمة الهلال التي لن يخذلها الله العلي القدير، وسيعوضها قطعاً بفارس ألمعي خير منكم، ويومها سنهدّ معقل طغمة الأشرار أينما وجدوا، ونرسل قذائفنا فوق رؤوسكم ونحصد أهدافنا رضيتم أنتم بذلك أم لم ترضو مهللين مكبرين مرددين بملء أفواهنا في تهدج صادق قوله تعالى: «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» ويومها أيضاً يؤكد الهلال أن لا أحد حتى ولو كان هيثم مصطفى يستطيع أن يلوي يده أو يعلو فوق ثوابته المشهودة. أخي هيثم، لقد سقطتم في الاختبار وكان ينبغي أن تصمدوا مهما كان الموقف في انتظار إرادة جماهيركم الوفية بهلال الملايين بدلاً من الولوج في عوالم كانت - حتى الأمس القريب - تخشاكم وتعمل لكم ألف حساب يوم كنتم تتصدرون المحافل الكروية في مقدمة الزحف الهلالي الأزرق بأمواجه المتلاطمة القادرة على صنع الحياة وتحقيق المعجزات أما اليوم، فإنك لا تستطيع أن تعطيهم أكثر مما أعطيت أمة الهلال، فالزمان غير الزمان وكذلك المكان.. لتمضي هذه الزوبعة التي افتعلتها ضد أمة الهلال بعد أن تنتهي مدة ضيافتكم القصيرة لتعود وتجلسون في مقاعد الحيرة باحتياطي فريقكم الجديد محملين بكل ألوان الهزيمة والهوان ووخزات الضمير الكروي، وذلك لأن الفنلة الحمراء التي ارتديتموها اليوم لا تشبهكم بل هي غير لائقة إذا ما قورنت بالأزرق الفنان، وتكونوا بذلك قد فقدتم الماضي والحاضر والمستقبل. أما الراحل المقيم الأمير صديق منزول - عليه شآبيب الرحمة - والكابتن الفنان الإنسان السمح نصر الدين جكسا أبناء الهلال الخلص الأوفياء الميامين فليعذراني إذا تطاولت عليهم وقمت بعقد مقارنة بينهم ومن يتخاذلون.. فقد كانت تلك الكوكبة الكريمة بحق رجال أوفياء صدقوا ما عاهدوا عليه أمة الهلال من إنجاز وعز وسمو وتاريخ ناصع طويل مليئ بالبطولات.. فمنهم من قضى نحبه من أمثال الأمير صديق منزول والسد العالي وإبراهيم يحيى الكوارتي ومنهم - وهم كثر - ينتظرون ليذهب الزبد جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس.. ولنحيي ذكرى الأوفياء الغر الميامين من جند أمة الهلال، بل جند الوطن كله.. والله ما أعطى والله ما أخذ.. ولهفي على تلك الأيام، فقد أضحت سراباً وذكرى.. ولهفي على «فارس الحوبة» الذي أثر أن يكون من القاعدين.. وسلام على أمة الهلال العزيزة أبداً.. والمعطاة دوماً.. والحمد لله رب العالمين أولا وأخيراً. آخر العمود أعدوا أنفسكم لتقبل الحقيقة، فإن التسليم بما حدث هو الخطوة الأولى في التغلب على المصائب. - وليم جيمس -