بالأمس تناولت هذه الزاوية تبادل الأدوار بين مؤسسات الإدارة الأمريكية المختلفة على أن تظل السياسة الخارجية لأمريكا كما هي دون أن تتاثر بهذه التباينات فالولاياتالمتحدةالأمريكية التي قصفت مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم في أغسطس عام 1998م تحت حجة أنه مصنع لأشياء أخرى بعد أن سرب لها هذه المعلومات مبارك الفاضل آخر وزراء الداخلية في حقبة ماقبل حكومة الإنقاذ ومساعد رئيس الجمهورية في أوائل الألفية الثانية قبل أن ينسحب حز به من الحكومة بحجة أنه لا يكلف بأي ملف داخل القصر الرئاسي وقبل خروجه من حزب الأمة القومي بحجة أنه لم يتم استيعابه ضمن مؤسسات الحزب وأخيراً يتجه إلى دولة الجنوب ويشارك في أعمال الجبهة الثورية بتوقيع ميثاق الفجر الجديد.. الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ضربت بالتنسيق مع بريطانيا العراق ودمرتها تحت حجة أن هناك أسلحة دمار شامل ولم تجدها ولم تعتذر عن خطئها ولم يحاسبها مجلس الأمن على أي من جرائمها في العراق أو السودان أو باكستان لأنها تسيطر عليه ويأتمر بأمرها.. أمريكا التي اطلقت يد القائم بأعمالها في الخرطوم أن يتحرك كيفما يشاء ويطلق الوعود بتحسين علاقات بلاده مع السودان وإنه سوف يوفر المنح الدراسية لأساتذة الجامعات، إلا أنه يرهن تطبيع علاقات بلاده بالسودان بتنفيذ الشروط المعلنة وغير المعلنة المطلوبة من حكومة السودان، وأولها إيقاف الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ومعالجة أوضاع النازحين في دارفور دون أن يسأل نفسه من الذي تسبب في كل ذلك؟ وماهو دور بلاده في تفاقم الخلاف بين السودان ودولة الجنوب؟ وكيف يمكن لبلاده أن تمنع قيام مؤتمر المانحين لدولة السودان في تركيا وتسعى لتنظيم مؤتمر المانحين لدولة الجنوب في واشنطن؟ وكيف يمكن لبلاده أن تشجع الحركات المتمردة في دارفور على مواصلة اعتدائها على الآمنين والأبرياء، وتطلب من السودان معالجة مشاكل وأوضاع النازحين الذين نزحوا بسبب هذه الحرب المدعومة من أمريكا؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تريد لسفارتها في الخرطوم أن تعمل بكامل قوتها وفق العرف الدبلوماسي لأنها تخطط لإرسال المبعوثين الذين ينفذون لها ما تريد عبر التقارير الملفقة والتجاوز في الاختصاصات.. فكل المبعوثين الأمريكيين للسودان من لدن ناتسيوس وحتى ليمان لم يقدموا للسودان شيئا يذكر ولم تتعدل صورة السودان المقلوبة في مخيلة الإدارة الأمريكية منذ بداية التسعينات وإلى يومنا هذا مما يؤكد أنهم لا دور لهم ولا تعول عليه الإدارة الأمريكية في كثير ومع ذلك تجعلهم يتجاوزون حدود تكليفهم كما فعل المبعوث الأخير الذي استقال من منصبه بسبب لم يذكره البيت الأبيض حيث بدا في تسويق مقترح يجعل من أبيي ولاية فيدرالية تتبع لدولة جنوب السودان على أن يتم حسب المقترح الأمريكي- استيعاب بعض مجموعات المسيرية للعيش في أبيي نظير منحهم جزءاً من عائدات البترول والمشاركة في المناصب الدستورية والوزارية تلك هي رؤية دولة جنوب السودان التي أرادت أن تمررها عبر الإدارة الأمريكية.. ولعلها مقترحات تتعارض تماما مع بروتوكول أبيي الموقع ضمن اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا وإنه مقترح يجعل المسيرية ضيوفا على المنطقة بما يخالف القوانين والأعراف والتقاليد.. إن مقترح بهذه الطريقة المنحازة تماما لدولة الجنوب يؤدي إلى تعقيد المشكلة بأكثر مما هي عليه الآن.. وهو مقترح يتعارض مع ما تم الاتفاق عليه في بروتوكول أبيي وفي الاتفاقيات التي وقعت مؤخرا في أديس وفي الحلول المطروحة الآن والتي يجب أن تنتهي بالاستفتاء الذي يحفظ للمسيرية حقوقهم كاملة في الإدلاء بآرائهم.. إن مثل هذه المقترحات المنحازة يجب ألا تعول عليها دولة الجنوب أو الإدارة الأمريكية لأنها سوف تصطدم بالواقع دون شك، لذلك فلتذهب هذه المقترحات مع المبعوث الذي اقترحها وقدم استقالته غير مأسوف عليه..