لم يكن التيار العام وسط الشعب السوداني راضياً عن قرار الحكومة عقب عودة وفدها المفاوض في أديس أبابا والذي قضى بإتفاق الحريات الأربع لأبناء دولة الجنوب من إقامة وعمل وتنقُل وتملُك، ولكن مع ذلك فقد تم إتخاذ القرار وأصبح مُلزماً، وجاء بعدها وفد دولة الجنوب إلى الخرطوم في إستراحة ثلاثة أيام لتقوم الأخيرة بضيافته ، وعبر عن فرحته حديثاً ورقصاً وطرباً ولكن كعادة حكومة الحركة الشعبية في نقض العهود فقبل أن تحط طائرة وفد باقان أموم في مطار جوبا قادمة من الخرطوم بعد أن إحتفلوا بنجاح مفاوضات أديس والتوصل لإتفاق الحريات فإذا بجيش الحركة الشعبية مدعوماً بجيش مناوي وخليل وعبدالواحد يدخلون هجليج ويُحطمون كل البنيات التحتية لبترول السودان في توجه وأضح لتدمير إقتصاد السودان بعد أن أغلقوا آبار نفط الجنوب ومنعوا إنسيابه عبر أنابيب الشمال.. تلك رواية من التاريخ القريب لممارسات الحركة الشعبية وجيشها وهي تدير دولة كاملة السيادة وليس حركة متمردة كما كانت، ولكنه من الواضح جدا أن حكومة الحركة الشعبية لم تستطع حتى تاريخه أن تنتقل من حركة متمردة الى حزب سياسي يُدير دولة كاملة. إن تأسيس ما يُسمى بالجبهة الثورية وميلادها بمدينة جوبا وبدعم كامل من حكومة دولة الجنوب هو الآخر يُعَبر عن تمرد هذه الحركة وسعيها الدؤوب لإكمال مشروع السودان الجديد وقد حدث ما هو متوقع بأن وجدت حركات دارفور المتمردة المأوى والدعم لتنطلق ضد السودان وأهله وليس الحكومة فقط بعد أن فقدت تماماً أي موطئ قدم لها في ليبيا وتشاد بعد التحولات التي حدثت فيهما ولم تستطع أيضاً حكومة الجنوب وجيشها أن تتحلحل من إلتزامها لما يُعرف بقطاع الشمال لفترة ما قبل الإنفصال فظلت تدعم وتُمون وتُعين الضباط وضباط الصف والجنود من أبناء الجنوب ومن أبناء جنوب كردفان والنيل الأزرق واعتقلت تلفون كوكو القيادي السوداني المُنتَمي لجبال النوبة في جوبا لكي لا يفصح عما يعرف من ممارسات الحركة الشعبية إبان توليه قيادة جيشها في تلك المناطق، كما ذهبت أبعد من ذلك فعندما تعرضت لضغوط دولية قامت بنفيه الى فرنسا كلاجئاً سياسياً بمواصفات غريبة إتفقت عليها دولة الجنوب مع فرنسا وبعض الدول الأوروبية، والهدف من ذلك إبعاده جغرافياً وإسكات صوته عملياً رغم أن الجميع يعلمون أن مواصفات اللاجئ السياسي لا تنطبق على تلفون كوكو ولكنه أُجبر على أن يقول: إنه يخاف على حياته ويتعرض لتهديد لكي تأمن دولة الجنوب شر وجوده في ولايته وبلده، وتريد أيضاً دولة الجنوب أن تُمكن عبدالعزيز الحلو، وعقار، وعرمان من مفاصل ما يُعرف بقطاع الشمال لأنهم يعرفون جيداً رأي تلفون كوكو في هذه القيادات المتنفذة الآن. إن كانت هذه الأسباب تسوقها دولة الجنوب لآخرين من دول الغرب بأنها لاتستطيع أن تفُك إرتباطها مع قطاع الشمال ولا تستطيع التوقف عن دعم الجبهة الثورية فإنها أي حكومة الجنوب تترك كل تلك الأسباب المفهومة والتي تُعَبِر عن ضعف إرادتها السياسية والضغوط التي تُمارس عليها فإنها تعكس دون مصداقية لحكومة السودان بأنها لا تدعم تلك الحركات وإن الحرب في السودان داخلية وإنها قد فكت إرتباطها وإنها .. وإنها. لذلك كان لابد أن يكون هناك مدى زمنياً للتحقُق من أكاذيب وإدعاءات بعض قيادات دولة الجنوب، وعندما ثبت بالأدلة أن هناك دعماً مادياً وعسكرياً ولوجستياً مازال قائماً جاء قرار حكومة السودان بإيقاف ضخ النفط، الأمر الذي يعني أن جميع الإتفاقات التي وردت في المصفوفة قد تم تجميدها تماماً وأنه بدون أمن حدودي وبدون إلتزام عملي بعدم دعم التمرد فإنه لا مجال لحديث عن تطبيق المصفوفة فأين تجد دولة الجنوب نفسها الآن مما إلتزمت به ولم تنفذه؟..