من الواضح أن أحزابنا السياسية لم تبلغ سن الرشد حتى الآن على الرغم من أن بعضها تأسس في منتصف عقد الخمسينيات من القرن الماضي. وبعض منها في حقيقة الأمر ماهو إلا امتداد لموروث تاريخي من القرن التاسع عشر .. والبعض يقولون إن المسألة ليست في توقف نمو الأحزاب عند مرحلة الطفولة وفقدان جرعات انزيم البلوغ والعقل ولكن المشكلة في أن هذه الأحزاب قد شاخت و«هرمت» وأصابها «الزهايمر» . .. والواضح أن أحزابنا السياسية فعلاً أصيبت بأمراض الشيخوخة مما جعلها تفقد البوصلة والاتجاه .. فهي تريد المشاركة في الحكومة بأي طريقة وأي صورة وهي في ذات الوقت تعلن أنها «ما عايزة» تشارك في الحكومة .. وزعيم حزبي يقول إنه غير مشارك مع بعض أهل بيته من كبار رجالات النظام .. وحتى والحزب الشيوعي يقول إنه لن يشارك أو يفاوض مع أن فلذات أكباده يتمرغون في مؤسسات النظام العامة والخاصة إذا رأيتهم حسبتهم لؤلواً منثوراً .. وينشق الحزبان الكبيران ويتقسمان مثل انقسام الأميبا والباكتريا بطريقتين أحداهما طريقة الانقسام البسيط الذي يتدرج من اثنين إلى اربعة إلى ثمانية إلى ستة عشر قسماً وحزباً «وهلم جرَّا» والطريقة الاخرى اسمها انقسام المتوالية الهندسية والذي يضاعف فيه عدد الانقسامات من اثنين إلى اربعة الى ستة عشر الى مائتان وستة وخمسين وما حدث للحزبين الكبيرين «سابقاً» يحدث أيضاً لكل احزاب «الفكة» الاخرى وكل «فكة» ولها زعيم يريد ان يستوزر وهو ربما لا يملك من مواصفات الاستوزار غير البدلة التي تزوج فيها وقد يحتاج الى من يربط له «الكرفتة» يوم أداء القسم ... وأحزابنا السياسية لا تعرف شيئاً اسمه «برامج العمل» .. فهي لم تسمع بشيء اسمه خطة العمل وبرامج التنمية. وما يريده أي زعيم حزب لا يزيد عن رغبته في أن يحشر نفسه او يحشرمحسوبيه في أحد كراسي الوزارة .. وإذا كانت الاحزاب السياسية لم تجتمع في يوم من الأيام لعقد جمعيتها العمومية فكيف يكون لها برامج عمل وخطط. ومن هو ذلك الذي يعد لها البرامج والخطط فهي فقيرة في الافكار والكوادر وهي فقيرة في الاداء ... ولا أدري ما الذي يجبر الحكومة على مشاركة الأحزاب «المهترئة» المفتتة في الحكم وهي التي سقطت في الانتخابات الماضية وسوف تسقط «تاني» إذا قامت الانتخابات هذا إذا علمنا أن لعبة الديمقراطية وأصولها تقول بأن الفائز هو الذي يحكم... ويقيني أن مشاركة الاحزاب مهما كثر عددها وصار خمسة عشر حزباً مشاركاً أو حتى مائة وخمسين حزباً لن يضيف شيئاً جديداً لسبب بسيط وهو أن هذه الأحزاب غير مؤثرة في النوع ولا في الكم .. والحركة الإسلامية في السودان قد تسربت إلى أوصال المجتمع سواء سميناها المؤتمر الوطني أو الشعبي أو الجبهة الإسلامية أو أي شيء آخر فهي قد «تغلغلت» في المجتمع بأفرادها وكوادرها ومؤسساتها المالية والإقتصادية والإجتماعية وجعلت لها في كل بيت وكل دار مؤيداً لها او مربوطاً في مصالحه بمصالحها .. وفي مقابل ذلك انزوت الأحزاب كلها ولم يبقَ منها غير الرؤوس الظاهرة .. وعليه فإن إضافة كوادر الاحزاب إلى «حكومة» الانقاذ سيكون مثل إضافة ملعقة من الملح الى برميل موية .. وسرعان ما يتلاشى تأثير الملعقة في البرميل .. وفي اعتقادي أن ناس الاحزاب إذا استمروا في «الجوطة» و«مسك العصاية» من النص .. وحتى لا تعود الى حالتها القديمة «بتوضيحاتها» فربما أن الشعب قد يرغب في سماع مزيكة الجيش من الاذاعة والتلفزيون وإعلان تشكيل حكومة من «التكنوقراط» والعساكر الذين لا يعرفون غير أن اثنين في اثنين يساوي أربعة وما عندهم «يمة ارحميني».