أستاذة جامعية في جامعة معروفة، تحمل درجة الدكتوراه في تخصصها، كما أنها تشغل منصباً إدراياً رفيعاً. متميزة في تخصصها متفوقة منذ أن كانت طالبة بكالريوس، تلقت دعوة من جامعة بريطانية عريقة تعقد مؤتمراً علمياً في مجالها، قبلت الدكتورة الدعوة وبعثت بأوراق اعتمادها من الجامعة وصوراً من شهاداتها وورقة علمية أعدتها، وسيرة ذاتية مطوَّلة حوت مشاركاتها في مؤتمرات مشابهة في عدة دول من قبل ومساهماتها بالأوراق العلمية. الى هنا مضت الأمور بسلاسة، حيث تتبادل الدكتورة رسائل البريد الإلكتروني مع الجهة المختصة بالجامعة، تبعث لهم كل ما يطلبونه ويردون عليها دائماً بأنها مستوفية لشروط المشاركة في المؤتمر العلمي الرفيع، وبدأت الإعدادات للرحلة، وعندما تبقت أياماً على موعد انعقاد المؤتمر، بعثت الجهة المنسقة للمؤتمر بإدارة الجامعة البريطانية برسالة بريد إلكتروني للدكتورة تطالبها بتفاصيل عن راتبها الشهري الذي تتقاضاه من الجامعة التي تدرِّس بها، فقامت بإرسال ما طلبوه، رسالة تفصيلية توضح المبلغ الكلي للراتب الشهري الذي تتقاضاه لقاء عملها من وزارة التعليم العالي مرفقاً بالبدلات والعلاوات الشهرية والسنوية وما الى ذلك. انتظرت ليومين وجاء رد الجامعة المضيفة، كان صادماً ومريعاً بالنسبة لها، وأكثر صدمة واحباطاً بالنسبة لي وأنا أستمع للقصة، كشف لي حجم البؤس الذي نعيشه، ومدى التدهور الذي وصلنا إليه، إدارة الجامعة البريطانية المرموقة العريقة، بعثت برسالة بريد إلكتروني تعتذر فيها عن عدم مقدرتها استضافة الدكتورة الجامعية رغم استيفائها للشروط العلمية، وعللت ذلك بأن راتبها الشهري الذي تتقاضاه يعادل راتب أسبوع لعامل النظافة في تلك الجامعة. تخيلوا معي حجم تلك المأساة، راتب أستاذ جامعي ورئيس قسم يحمل درجة الدكتوراه في الجامعات السودانية، يعادل راتب أسبوع لعامل نظافة في جامعة بأوروبا، لا أدري هل ستستطيع تلك الدكتورة العمل بذات الرغبة القديمة بعد تلقيها هذا الخبر المحبط أم لا؟. علمت الآن لماذا يهاجر سنوياً مئات الأساتذة الجامعيين الى دول الخليج ليتركوا جامعاتنا تعيش عجزاً في اصطفاها يتم سده بالمتعاونين ومساعدي التدريس. تهاجر تلك العقول بحثاً عن سُبل رزق أفضل، ومؤسسات تُقدِّر مجهوداتهم المبذولة، وتوفر لهم مقابلاً مادياً يشبه ما يقدمونه من علم ومعرفة.