[email protected] الحدائق العامة هي الرئة التي يتنفس بها المواطن ولكن الدخول إليها ليس سهلاً فأنت تدفع لنفسك ولأسرتك عن تذكرة الدخول ثم تدفع مرة أخرى نظير المشروبات الساخنة والباردة والآيس كريم والذي منه كما أن أنك تدفع مرة ثالثة ثمن تذاكر الألعاب الكهربائية وغير الكهربائية الموجودة بالحديقة ، ويصر أطفالك على الإستمتاع باللعب بها أكثر من مرة فتلك فرصة لا تعوض فأنت تستمتع وكذلك اطفالك ولكن ذلك الإستمتاع لساعات قليلة من الوقت قد يكلفك الكثير خصوصاً إذا كنت من أصحاب الدخل المحدود والحظ المنكود ونتطلع إلى مجاراة غيرك فيما لا طاقة لك به وقد دفعت بك زوجتك دفعاً إلى مواقف انت لست من فرسانها مجاراة لجارتها التي أغاظتها بونستها وقتاً ممتعاً في تلك الحديقة المشهورة والمدهشة. جاءت فكرة الحدائق المفتوحة وهي ليست حدائق بالمعايير الصارمة التي يضعها الزراعيون لمواصفات الحديقة عندهم بل هي قطعة ارض تم تنجيلها وزراعتها ببضع شجيرات لتعطي ظلاً ظليلاً فيما بعد إتخذها البعض من الناس مكاناً لقضاء أوقات أفضل، كانت تلك الحدائق التي إنتشرت بالعاصمة بهذه المواصفات البسيطة فلا رسوم دخول يتم جبايتها من المرتادين ولا العاب كهربائية او غير كهربائية بها فهي لا تكلفك شيئاً ذو بال فالدخول مجاناً والجلوس ارضاً أقصى ما يمكن أن تدفعه هو ثمن عبوة صغيرة من الترمس او الكبكبي وقد تدير ظهرك لذلك البائع فينصرف عنك ولا يلح عليك لشراء بضاعته فهو سيبيع ما لديه ويصرف إلى منزله ليعيد المحاولة مرة أخرى مساء اليوم التالي وهكذا تطور الحال وأصبح العشاق يرتادون مثل تلك الحدائق والتي أطلقوا عليها تندراً اسم «حبيبي مفلس» وهم يتطلعون لمستقبل يتمنون أن يكون مشرقاً لديهم مقارنة بأوضاعهم المأساوية منذ العاشق الولهان قد تخرج من الجامعة وقد حفيت قدماه وهو يبحث عن أي عمل ينقذه مما يعانيه من المعاناة اما حبيبته الآن وزوجته كما يخطط في المستقبل فهي قد تخرجت ايضاً من الجامعة وظلت تبحث عن العمل حتى ادركها اليأس بل وقد قاربت بلوغ سن اليأس فهي تتمسك بحبيبها الذي يبدو انه متمسك بها ايضاً فلا فتاة ترضى به غير رفيقة دربه منذ ايام الجامعة فهو بلا مال ولا جاه ولا سلطان تبتعد عنه النساء كما يبتعد السليم من الأجرب ماذا يفعلان؟ لا شىء غير ارتياد حدائق حبيبي مفلس.. ولكن هل الحدائق هي وحدها التي يمكن أن توصف بالفلس؟ ألا تعتبر وزارة المالية هي ايضاً من المفلسين وهي تعاني من عجز دائم يبلغ المليارات ألا تعتبر المحلية التي تطارد شيخ مسن يبيع مساويك ناشفة وتطالبه بدفع ما عليه من «رسوم» وهو يسرح في حر شمس مايو الحارقة ألا تعتبر تلك المحلية هي ايضاً من المفلسين؟ ألا يعتبر الموظف الذي ترقى للدرجة الأولى ويتقاضى راتباً شهرياً جملته «مليون جنيه» بالقديم طبعاً مفلس ولكن بدرجة نسبية.. اما زميله والذي يتقاضى «نصف مليون جنيه» بالقديم ايضاً فهو يستحق أن يوضع في غرفة «إن عاش» ويترك هو وحظه اما ذلك المعاشي الهرم والذي رفعت الوزارة أخيراً معاشه إلى 052 ج شهرياً فهو يكفن ويذهب به إلى المقابر ويترك لفترة تجريبية لمدة من الزمن إن «خرخر» كان بها وإذا لم يستجب جسده لأي حِراك فيدفن بعدها مباشرة وينتهي العزاء بإنتهاء مراسم الدفن..