استطاع المفاوض السوداني أن يحقق انتصاراً بتفويت الفرصة على المتربصين الذين كانوا يريدون من الدولتين عدم الوصول الى اتفاق لطي الملفات العالقة.. والاستمرار في دوامة المفاوضات دون تحقيق تقدم يذكر، حيث أن الآلة الإعلامية الرافضة للتقارب السوداني الجنوبي قد اتخذت وسائل مختلفة بتجويف أمخاخ الناس وابتذالهم وتسخيفهم وتسطيحهم واستهبالهم واستعباطهم بأن الجانبين لم يصلا ولن يصلا الى اتفاق.. وإن الجنوب يحتل أراضي سودانية وكأن المفاوض السوداني لا يملك مقدرات تفاوضية يعيد بها هذه الأراضي المحتلة طالما للسودان حجته عبر حدود 1956م، فإذا كان رجاء الرئيس للإعلامي أن يراعي المصالح الوطنية العليا بعدم تأجيج وتحريف ما توصل إليه الجانبان في هذا الاتفاق الاطاري . فإننا في السودان خلال المرحلة القادمة في حاجة الى بنية سياسية خارجية جديدة تقرن واقعيتنا المتشددة مع المثالية القيمية لمشروعنا الحضاري لأننا بعد هذا الاتفاق لسنا في حاجة الى انتصارات عسكرية على جيراننا. ولكننا في نفس الوقت قادرين على استخدام قوتنا متى ما اضطررنا للدفاع عن مصالحنا وأمننا الاستراتيجي فيجب أن تكون معاركنا القادمة مع دولة الجنوب الجارة معارك أفكار التي تحفظ وتحقق لنا آمالنا وأحلامنا لأن ما نحتاجه بعد هذا الاتفاق هو حليف ثابت مخلص، حليف يقاسمنا المثل والمصالح ويرى مصلحته في مصلحتنا. حليف تجمعنا معه التحالفات العسكرية والاقتصادية والتجارية. فالحقيقة التي يجب الا تفوت على الدولتين ان الانفصال قد احدث ارتدادات زلزالية ما زالت تطارد الدولتين وهذا ما يجعل الدولتين من حتمية مراجعة مواقفهما والعمل على احتواء الصراع في كل الظروف وحتى وإن كان هذا الصراع قائم في كل الظروف. فالحدود بين الدولتين اطول الحدود الافريقية تبلغ حوالي الفين وسبعين كليومتر لا تستطيع جيوش الدولتين تغطية هذه الحدود وهذا ما يحتم على الدولتين ضرورة ان تتركا هذه الحدود منصهرة وليست متوترة. فاذا كان انفصال الجنوب عبر تقرير مصير الجنوبيين قد جاء وفق الاتفاق الوفاقي الرضائي الوفائي فإن المدخل للدولتين ضرورة التداخل والتفاعل. وخاصة في ظل تعدد القراءات السياسية واختلافات التوقعات وهشاشية المقترحات التي كانت تطرح في المفاوضات. وهذا ما عرض الدولتين للمساومات والضغوطات الاقليمية والدولية وتدخل مجلس الأمن بقراره رقم 2046 لأن الدولتين قد اندفعتا نحو المسارات الحرجة دون حساب لحسابات الفرص المتاحة. فلقد قلنا مراراً وتكراراً إن الحسم لهذه المعضلة بيد الرئيسين المشير البشير والقائد ميارديت لأنهما أصحاب القرار باعتبارها بوصلة لسفينة دولتيهما. فالمشير البشير الذي يعتبر أعقل عقلاء القارة الافريقية والقرن الحديث. استطاع أن يجمع عوامل الانتصار دون السماح لتفتيتها وبعث بوزير الدفاع رجل المهمات الصعبة ليقود وفد المفاوضات هذه المرة. وكانت الحصيلة النهائية انتصار السلام، لأن الوزير الهمام الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين بتواضعه قد نال احترام الجنوب منذ البداية، فالرجل وهو يحس بالجمر المتأجج تحت الرماد أراد وضع حد لتلك الحروب. فإذا كنا قد فشلنا في نيفاشا باستيعاب مراميها وتخلينا عن الجنوب بالرغم ان الاستراتيجية التي قادها مولانا النائب الأول علي عثمان محمد طه لايقاف الحرب كان عملاً وطنياً شهد له الاعداء قبل الاصدقاء. واليوم والرئيس البشير قد وضع لبنة السلام والتقارب مع الجار الجنوبي فإن واجبنا أن نحافظ على هذا العمل الكبير بأن نحترم هذا الجار الوليد الذي لم نعد دولة حاضنة له، حيث له تفرده بتاريخه وجغرافيته وثقافته واستراتيجياته وتحالفاته وعلاقاته الاقليمية والدولية المستقلة وفلسفته في إدارة سياسته الخارجية. وكان من نعم الله على شعبنا أن يتم الانفصال على يد القائدين المشير البشير والقائد الرمز ميارديت. ومن هنا فإنني اناشد رجال الفكر والسياسة أن يساهموا مع الحكومة السودانية حتى تكون لسياستنا الخارجية بعد نظر الذي نستغله لخدمة مصالحنا الوطنية العليا ومثلنا الروحية بعيداً عن تلك الافتراضات التي تتجاهل التطلعات والطموحات المشروعة لنا وللآخرين. فالذين يشعرون بأن السودان لم يجني من هذا الاتفاق شيئاً وخاصة في مجال البترول نقول لهم دعونا نتصارح. إن الجنوب في حاجة الى مائة وثمانية وتسعون سلعة تجارية من السودان، بما في ذلك البترول المصفى، حيث أن المصافي في السودان وموانئ التصدير والاستيراد في السودان لاحتياجات الجنوب السلعية والتنموية وأن الجنوب ينفق على احتياجاته السلعية والتنموية مما يعادل 76% من موارده دع السودان يحصل فقط على نسبة 56% بجانب أن العمال المهرة والمهندسين والأطباء والزراعيين والبياطرة والمعلمين وأساتذة الجامعات وحركة التجارة عبر الموانئ الداخلية في كوستي والمجلد والسكك الحديدية بجانب اصحاب الدمغة الذين يمكن أن يستفاد منهم كل هؤلاء يمثلون قناطير مقنطرة من الدولارات البترولية يمكن ان تعود للسودان. لقد كنت ممسكاً بالملف الاقتصادي ابان الفترة الانتقالية، فكان من بين ما حصل عليه الجنوب من نصيبه في عائدات البترول نال التجار الشماليون ما يقارب 40% من المعاملات التجارية والمناقصية مع حكومة جنوب السودان. فالجنوب يريد أن يستفيد من الجماجم السودانية حيث أن الثروة في الجماجم وليست في المناجم، وان البنيات التحتية الجنوبية في حاجة الى الايادي السودانية المهرة. بجانب أن الجنوب يمكن أن يلعب دوراً ريادياً في إنهاء النزاعات بين السودان و الحركات المسلحة المعارضة عبر ابعاد هذه الحركات لولوج طاولة المفاوضات، لأنه لا توجد دولة مهما كانت درجة استعداداتها مستعدة لتوريط نفسها في خطر الكارثة بسبب تقصير الهيكليات الداخلية لدولة أخرى أو تتكر لوجود نظام معين في هذه الدولة أو وجود هذه الدولة بجوارها.. فالرئيس المشير يدرك تماماً أنه إذا كان الجنوب بخير فحتماً يكون السودان بخير لأن الأمن القومي الاستراتيجي لجنوب السودان من صميم الأمن القومي الاستراتيجي للسودان .. للحديث بقية