سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. عبد الله سليمان العوض.. ذكريات ومواقف «7» البشير رحب بمبادرة الهيئة الشعبية والطابور الخامس حجبها عنه
بعض رجال الهندي كانوا وراء اعتقالي، والشريف هدد بعدم العودة
[email protected] مبادرة الهيئة الشعبية للحوار الوطني و السلام التي نشرت متنها وحواشيها في الحلقات الماضية والتي كان الراحل المقيم الدكتور عبد الله سليمان العوض أحد أهم أقطابها حرصنا على توصيلها إلى الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير، ولم يكن حرصنا على إيصالها للرئيس ليس لأنه المسئول الأول في الدولة فحسب، ولكن فعلنا ذلك لعلمنا بحرصه على تحقيق الوفاق في السودان، وبسط السلام، فذهبت إلى الأخ الصديق الصادق بخيت المستشار الصحفي للرئيس في ذاك الزمان، وملّكته كل نصوص وأوراق المبادرة لإطلاع الرئيس عليها، والصادق كان مطّلعاً عليها من خلال تواصلنا الدائم معه. وبعد أيام قليلة من تسليم الأخ الصادق أوراق المبادرة، اتصل بي ونقل لنا ترحيب الرئيس البشير بالمبادرة، وأبدى استعداداً لمقابلة ممثلين للهيئة الشعبية للحوار الوطني والسلام لمناقشتهم في المبادرة، وبحث سبل دعمها، فنقلت هذا الرأي للإخوة أعضاء الهيئة في اجتماع عقدناه في دار الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، والذي صار مقراً للهيئة. فلما تحدد موعد لملاقاة الرئيس تم اختيار وفد يمثل الهيئة تكوّن من الدكتور حسين سليمان أبو صالح رئيس الهيئة، ونائبه تاج السر عبدون رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، والدكتور عبد الله سليمان العوض الأمين العام للهيئة، ونائبه المرحوم عبد الله بدري، والشيخ علي أحمد سليمان، وشخصي المنسق العام. ذهبنا إلى رئاسة الجهمورية قبل الوقت المحدد بنصف ساعة تقريباً، ووجدنا أسماءنا موضوعة على الباب، فدخلنا مكاتب الرئاسة، وأجلسنا في صالون الانتظار، وامتد انتظارنا لنحو ساعتين تقريباً، أحسنوا خلالهما إكرامنا واستضافتنا، دون أن يفيدونا بشيء حول مقابلة الرئيس التي جئنا من أجلها، وكان الذين يأتوننا في صالون الانتظار كلهم من الشباب الذين لا يمكن أن يفيدوننا بمعلومة لها قيمة، وفي نهاية الأمر أخبرنا واحد من هؤلاء الشباب أن الرئيس غادر القصر الجمهوري لأمر طارئ مهم، فخرجنا، وذهب كل منا من حيث أتى. وفي أول اجتماع للهيئة عرض الرئيس الدكتور حسين أبو صالح الأمر على الحاضرين، ولم يكن راضياً عن الطريقة التي تمت بها معاملتنا في القصر الجمهوري، وكان رأيه أن نصرف النظر عن مقابلة الرئيس أو أي مسئول حكومي ونتجه بالمبادرة إلى القواعد الشعبية من أهل السودان الحاكمين والمعارضين على حد سواء، ووافقه على هذا الرأي كثيرون من أعضاء الهيئة، إلا أن الدكتور عبد الله سليمان كان رأيه غير ذلك، ودعا إلى الصبر وإعادة المحاولة، وثنّاه القمص فليوثاوس فرج كاهن كنيسة الشهيدين، والذي كان له دور مهم في هذه الهيئة، وطلب إعطاءه فرصة لتحديد موعد لمقابلة الرئيس عبر آلياته هو، فوافق أعضاء الهيئة على ذلك. وبعد أيام قلائل اتصل بي القمص فليوثاوس فرج وأخبرني بالموعد الذي تحدد لنا للقاء الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير، فأبلغت كل الوفد القديم بالموعد الجديد فذهبنا جميعاً بالإضافة إلى القمص فليوثاوس فرج إلى القصر الجمهوري، ووجدنا أسماءنا أيضاً على بوابة القصر، فدخلنا وذُهب بنا إلى ذات الإستراحة القديمة، ووجدنا ذات الشباب الذين وجدناهم في محاولتنا السابقة، وأكرمونا ذات الإكرام الأول بالشاي والقهوة والمشروبات الباردة، ولمّا بلغ انتظارنا ساعتين كاملتين، هب الدكتور حسين أبو صالح واقفاً غضبان أسفاً، وأقسم بالله العظيم ألا يجلس بعد ذلك دقيقة واحدة، فنهض الجميع من مقاعدهم، وخرجنا مغادرين القصر الجمهوري بعد أن فشلنا في محاولتين من مقابلة السيد رئيس الجمهورية، وفي المرتين تحدد موعد اللقاء بعد ترحيب الرئيس بذلك، إلا أن قوة مجهولة كانت تعمل على ألا يتم لقاؤنا بالسيد رئيس الجمهورية. علمنا بعد ذلك أن الطابور الخامس في الحكومة من الإقصائيين الذين لا يريدون لمواعين الإنقاذ أن تتسع فتستوعب غيرهم، هم الذين يعطلون اللقاء ويحولون دون مقابلتنا لرئيس الجمهورية رغم أن الرئيس كان ينتظر ذلك، ويرجوه لدفع مسيرة التراضي الوطني التي كان يقودها بنفسه، ولم يجد كثيرون يعاونونه عليها. لقد تزامن قيام الهيئة الشعبية للحوار الوطني والسلام مع توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام الذي كان في ابريل عام1997م، وبين الحكومة وبين فصيل من الحركة الشعبية الذي كان يقوده الدكتور رياك مشار، وكذلك مع اتفاقية فشودة بقيادة الدكتور لام اكول، ومع مجموعة جبال النوبة في الحركة الشعبية الذين كان يقودهم محمد هارون كافي، فنشط كثيرون من هؤلاء في أعمال الهيئة وكان أنشطهم من العائدين من الحركة الشعبية الدكتور لام اكول، العميد اروك طون اروك، والدكتور رياك قاي، وشول دينق الاك، ومن مجموعة جبال النوبة عبد الباقي حمدان كبير وإسماعيل سعد الدين، ويونس دومي كافي، وكان محمد هارون كافي ينشط أحياناً، ثم جاء بعد ذلك وفد مقدمة مبادرة الشريف زين العابدين الهندي المكون من الدكتور أحمد بلال عثمان والبروفيسور علي عثمان محمد صالح، فنشّطت عودتهم مجموعة الهندي في الداخل، وكان أنشط هؤلاء عثمان عمر الشريف وحسن عوض أحمد المحامي وهذان كانا من الأعضاء المؤسسين للهيئة، ونشط معهم من أعضاء الحزب في الداخل إشراقة سيد محمود، وطارق عمر، وحسين الشريف إبراهيم الهندي، ومصعب ومجاهد عبد الرحمن، ومأمون فاروق سليمان وآخرون غيرهم. وكما ذكرت في حلقة سابقة أن وفد مقدمة مبادرة الشريف زين العابدين الهندي عقدنا أول لقاء له مع القيادات الفاعلة في الحركة الإسلامية وكان اللقاء في منزل البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، ولقد رتبنا ذلك مع الدكتور عبد الله سليمان العوض حسب طلب الأخ صديق الهندي الذي كان يهمه معرفة موقف الإسلاميين من المبادرة، ثم عقدنا لهم لقاءً ثانياً مع الأخ محمد الأمين خليفة - رئيس المجلس الأعلى للسلام، وشكل اللقاءات دفعاً قوياً للمبادرة، وفتحنا لها الطريق أمام حوار مفتوح، ولتفعيل ذلك نظمنا لهم لقاءً مع الهيئة الشعبية للحوار في دار الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، وكنا نريد من هذا اللقاء فتح حوار المبادرة على قطاعات الشعب السوداني كافة. واتضح مع الأيام الأولى لوصول وفد مقدمة مبادرة الشريف زين العابدين الهندي وجود تيارين في الحزب، أحدهم يريد من المبادرة فتح حوار ثنائي مع الحكومة، والآخر يريدها لفتح أجواء للحوار الشعبي المفتوح، ولمّا كنت من الذين يرون أن المبادرة للحوار مع مكونات المجتمع السوداني وليس مع الحكومة، فإن تيار الحوار الثنائي في حزب الهندي لم يكن راضياً عن رؤيتي، وسعى بعضهم للوقيعة بيني وبين بعض الأجهزة الحكومية، مدعون أنني أعطل عمل المبادرة، وأخرج بها من مسارها. في تلك الأثناء وقع اعتداء قوات الحركة الشعبية على مدينتي الكرمك وقيسان واحتلالهما، فغضب الرئيس البشير لذلك غضباً شديداً، وألقى خطاباً عبّر فيه عن هذا الغضب، وأعلن فيه وقف الحوار، ذلك إن بعض القوى السياسية المنضوية تحت لواء التجمع المعارض سرها ذاك الانتصار للحركة الشعبية. كنا في الحركة الشعبية أكثر الناس تأثراً بهذه الأحداث، فجلسنا مع الدكتور عبد الله سليمان العوض والأخ محمد الأمين خليفة في كيفية ندعم بها مسيرة الحوار التي قطعنا بها شوطاً بعيداً دون أن يتأثر بتلك الأجواء المتوترة، فاقترحت أن نجعل الموقف من العدوان على الكرمك وقيسان خطاً فاصلاً بين المعارضة والخيانة، وقدمت مقترحاً بتكوين لواءً سياسياً عسكرياً ينتظم فيه كل الرافضين للعدوان من مختلف مكونات الشعب السوداني، ويقود هذا اللقاء نفرة تصل إلى آخر نقطة يرابط فيها الجيش السوداني، يعلنون تضامنهم العملي معه، ثم يكون هذا اللواء هو ملتقى الحوار الوطني السوداني في تلك المرحلة، فلما اتصلنا بالرئيس البشير ونقلنا له الفكرة سعد بها سعادة شديدة، وقال بالنص والحرف «خلوا اللواء ده يعيد فكرة مسيرة أمان السودان». وكالعادة اتصلت بالاتحاد العام لنقابات عمال السودان، وكالعهد به وافق على رعاية المشروع، فدعونا إلى لقاء نوعي حاشد لتكوين اللواء، ومن الذين حضروا ذاك اللقاء السيد أبو القاسم محمد أحمد والشيخ أحمد عبد السلام من هيئة علماء السودان والطيب محمد الطيب، واللواء إبراهيم نايل إيدام، والسفير الدكتور علي قاقرين والشاعر محمد يوسف موسى، واللواء عبد الحي محجوب، والعميد اروك طون اروك، والأستاذ حسن عوض أحمد المحامي، والمرحومة ليلى المغربي، والدكتورة سمية أبو كشوة، وهذه الأسماء ذكرتها فقط لتدل على شكل التنوع الذي كان، فتم تشكيل اللواء واختير اللواء إبراهيم نايل إيدام قائداً للواء، والدكتور عبد الله سليمان العوض والعميد اروك طون اروك قادة مناوبين، وتم اختياري منسقاً عاماً للواء الذي أسميناه «لواء السودان لردع العدوان ودعم مسيرة الحوار الوطني والسلام». وبعد تكوين اللقاء مباشرة تم اختطافي واعتقالي، ولم يطلق سراحي إلا بعد أسبوعين، رغم أن الرئيس البشير لما ذهب إليه الأخ محمد الأمين خليفة وأخبره بنبأ اعتقالي، استدعى المسئولين عن الأمن كافة في ذاك الوقت، وطلب منهم إطلاق سراحي فوراً، ولقد ذكر لي من حضر ذاك الاجتماع، إنه لما قال له أحدهم لدينا معلومات عن جمال عنقرة، قال لهم أنا أعرفه أكثر منكم، وما يقوم به لا تقوم به مؤسسات كاملة، ومع ذلك لم يطلقوا سراحي فوراً مثلما طلب منهم الرئيس البشير، ولقد غضب الشريف زين العابدين الهندي جداً لهذا الاعتقال، وهدد بعدم العودة إلى السودان في مثل تلك الأجواء.