سيداتي: سادتي فيما مضى من الزمان يحكون أن رجلاً من أهل الخير توفي لرحمة مولاها وجاء الناس رجالاً ونساءً يبكون في ألم الفراق ويعزون أبناءه في الفقد الكبير، وجاءت امرأة تسوق وتحمل اطفالاً وجاءت وهي من الشارع تبكي وتوصف في الفقيد وخصاله الإنسانية قائلة: الليل يا أبو فلان وأبو فلان الليلة ياجمل الشيل ويا شيال الحمول فقدناك نمشي وين ونقبل وين وسكت الناس عن البكاء والصياح ولكنها ظلت تبكي ودموعها تسيل وصوتها يعلو باكية حتى رق الناس لحالها وجاءت بنات الفقيد واخواته يطلبن منها أن تستغفر الله وترجع عن البكاء ولم تسكت وصارت تبكي بصوت حزين وكمان بنات المرحوم واخواته اللائي جئن لمراجعتها ولم تتراجع واصلن معها البكاء واستمرت تبكي ولا تسكت وجاءوا لها بالماء والفطور وأبت أن تأكل ولا تشرب وأخيراً فترت وأضجعت راقده وأطفالها بالقرب منها يبكون هكذا وظل أبناء الفقيد وأهله يسألون عن أمرها وأخيراً قالوا جائز أن والدنا تزوجها سراً دون علمنا واعتقدوا ذلك وقالوا نسألها عن أمرها لتخبرنا بالحقيقة وجلسوا بالقرب منها حتى سكتت عن البكاء وقال أحدهم يا والدة إنتي من وين وما علاقتك بالمرحوم قالت سأحكي لكم علاقتي بالمرحوم.. كنت في يوم من الأيام أسكن في منزل بالايجار ولم أتمكن من دفع الايجار لمدة طويلة وجاء صاحب المنزل بأمر وطلعوا عدة المنزل في الشارع وطردونا بره أنا وأطفالي وظللنا نبكي بصوت عالي وجاء الجيران وأهل الشارع يقفون بالقرب منّا ولا يملكون حلاً ثم فجأة جاء رجل يركب فارهة ووقف وسأل عن أسباب بكائي وأطفالي وعرف الحاصل وذهب لصاحب المنزل ودفع له الأجرة كاملة وأدخلنا للمنزل ونحن في فرح بعد البكاء ثم سلمنا مبلغ من المال للمصاريف وسأل عن الأطفال ومدرستهم وقال سأعود لكم باكر أدفع لمدرسة الاطفال ليعاودوا التعليم: ثم ذهب لصاحب المنزل واشتراه وسجله باسمي وأحضر لنا وثيقة التسجيل وظللنا لا نعرف اسمه وبعد مدة تعرفنا على اسمه ومكانه واليوم سمعنا بوفاته وجينا نعزيكم ونعزي أنفسنا وهكذا كبروا أبناء المرحوم لموقف والدهم الذي يعرفون بأنه من أهل الخير: ولكنهم لايعلمون بمثل هذه المواقف: وقالوا لها إن ما كان يقوم به والدنا نحوك: نحن من أمواله نواصل أعماله.. هذه القصة واقعية وحكاه اليّ من أثق فيه ومعرفتي بالمرحوم كاملة واليوم تنير قبره هذه المكرمات فهل من يسلك دربه عليه الرحمة؟!.