السياسيون الأفذاذ الذين عاصروا الحركة الوطنية ومؤتمر الخريجين، كانوا أعضاء بارزين فيه بل كانوا أعلاماً وطنية بإمتياز حازوا على شهادة النضال والكفاح الوطني، لا بالإنتساب، إنما بجهدهم وعرقهم وكفاحهم المرير ضد الإستعمار البريطاني، حينما كانت تتلاقى كل الإجتهادات الوطنية بدار الزعيم الخالد اسماعيل الأزهري «قلعة النضال»، حيث كانت عيون الإستعمار مصوبة نحو نادي الخريجين بام درمان ودار الزعيم الأزهري كان «البوليس السري» التابع للداخلية يجوب كل منطقة نادي الخريجين ولبيت الزعيم الأزهري، فمن مؤتمر الخريجين الذي أنجب الشرفاء، من أبناء هذا الوطن الشرفاء ومن الذين أنجبهم نادي الخريجين الراحل السياسي المخضرم والوطني الغيور المناضل المرحوم محمد أحمد الجلال فارس الإتحاديين وشعلة من مؤتمر الخريجين، وأنا لا أقف اليوم بقلمي لأرثيه فقد رحل في نهاية العام الماضي بعد رحلة كفاح مرير ضد الإستعمار، وضد كل الأنظمة الشمولية، حيث كان رفيق الزعيم الأزهري في دروب الكفاح والنضال، إنما أقف اليوم بقلمي بتواضع وتقدير ونحن نجسد مشاعرنا الوطنية نحوه حياً وميتاً وإمتناننا له بالحقائق الحية التي شاهدناها في حق هذا الفارس الإتحادي في ساحات النضال الوطني، فما تقاعس أبداً عن النضال وعن أداء واجبه نحو وطنه وجماهيره الإتحادية ، وغير الإتحادية ، كان دائماً وأبداً يطالب في ظل الأنظمة الشمولية حينما كان صوته يرتفع من على المنابر الوطنية، مطالباً أن ترتفع إرادة الجماهير الشعبية بالمشاركة الديمقراطية الفعالة الحقة في صياغة حياتها وتحديد مسارها ، على أن تتجسم مواقفها الوطنية بإرادة شعبية تقود البلاد نحو التحرر والتقدم، فكانت معاناته وتضحياته الوطنية ونضاله الوطني كل هذه الصفات الوطنية التي كان يتحلى بها الراحل ود الجلال، إنما هي مدرسة وطنية ومن هذه المدرسة تعلم الكثير من الإتحاديين أصول اللعبة السياسية الشريفة، وكما ذكرت انني أقف بقلمي عند محطته الوطنية لا للرثاء فهو في القلوب إذ أنه كان رجل بر وإحسان، وكان المرحوم ود الجلال في عهد النظام المايوي المباد كان بعض الإتحاديين يلجأون إليه عندما تكون هنالك أسر اتحادية ألقى النظام المايوي القبض على رب الأسرة، فيقوم مولانا فتح الرحمن البدوي القطب الإتحادي الكبير بالذهاب إلى المرحوم محمد أحمد الجلال ويشرح له أن هناك أسرة اتحادية معتقل والدهم ، فيقوم على الفور بمساعدة هذه الأسرة حتى ولم تكن الأُسرة اتحادية، كما كانت تربطه علاقة صداقة حميمة مع المناضل المرحوم الشريف حسين الهندي، وكان الشريف حسين الهندي يلجأ إلى صديقه ود الجلال ليرتاح في صالون منزله، فكان يرى في صالونه المتواضع راحة باله ومنطقة سكون وهدوء وملاذ تفكير عندما تتكاثر عليه الهموم ، ويود الإختفاء، فكان يرى في صالون ود الجلال الملاذ الآمن ، وكان يتفاكر معه في شؤون كثيرة. وظل ود الجلال ذو وطنية عالية لم يستغل هذه العلاقة الأزلية التي بينهما لأهداف شخصية أبداً إنما كان يضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح وهو أول من تفاكر مع الشريف حسين في إنشاء «بند العطالة» الشهير الذي لعب دوراً كبيراً في الحياة الإقتصادية والإجتماعية في السودان ، وعندما هاجر الشريف حسين الهندي إلى بريطانيا كان محمد احمد الجلال الرسول السياسي الذي يستدعيه الشريف الهندي إلى لندن للقيام بالمهام الداخلية السرية، وكان مؤتمناً على كل الأسرار لا يبوح بها إطلاقاً، وكما ذكرت كان المناضل فتح الرحمن البدوي وغيره من الإتحاديين يذهبون إليه ويشرحون له احوال الناس الذين يعيشون على الكفاف من أسر اتحادية وغير اتحادية فيقوم بدعمهم مالياً بلا منّ ولا أذى كما أن الشريف حسين الهندي كان يطلب منه بدعم أية أسرة تعيش على الكفاف، وتم تكوين لجنة برئاسة دكتور مبارك الفاضل شداد رئيس الجمعية التأسيسية الأسبق وعضوية فتح الرحمن البدوي وآخرين تم تكوين هذه اللجنة إبان العهد المايوي العسكري المباد، وهذه اللجنة كانت ذات مهام وطنية تقوم بدعم النقابات العمالية واتحادات الطلاب بالجامعات والمدارس الثانوية، وبدعم اتحاد المزارعين والنقابات المهنية وغيرها من النقابات الأخرى كانت هذه اللجنة تستلم الأموال من ود الجلال على حساب الشريف حسين الهندي الذي كان يقوم بضخ هذه الأموال من لندن لدعم هذه النقابات والإتحادات لمقاومة النظام المايوي المباد، وكان ود الجلال يسافر إلى لندن لمقابلة الشريف حسين للتفاكر معه بشأن الدعم المالي للعمل الوطني عامة، كما ظل يعمل على المستوى القاعدي بمركزية الخرطوم منذ فجر الدائرة الجنوبية ومركزية مديرية الخرطوم ظل يعلم في صمت ويقوم بعمل الإحسان في صمت كذلك، ويدعم الناس بسرية بالمال حتى لا تعلم يمينه ما صنعت شماله، وظل متمسكاً بمبادىء الجزب الوطنية، وكان قد عقد اجتماعاً عام 7002م بمنزله رافضاً إنضمامه للمؤتمر الوطني وأعلن في هذا الإجتماع قائلاً «إن الحزب الإتحادي الديمقراطي هو وجهتي وقبلتي السياسية مرتكزاً على أهداف الحزب ومبادئه الوطنية وقيمه وموروثاته» ولا يمكن لي أن انتقل إلى حزب آخر، وإن قبلتم بالممارسة الديمقراطية فإن الديمقراطية هي التي تجمعنا لأننا لا نقصي أحداً ، ولنتنقل الرأي والرأي الآخر، قال ذلك لقادة المؤتمر الوطني، فهذا هو الزعيم الوطني الراحل محمد احمد الجلال ظل حتى وفاته متمسكاً بالمبادىء الإتحادية ورافضاً الهيمنة الطائفية على الحزب الإتحادي الديمقراطي، وأود أن أذكر أن من بين أعضاء اللجنة التي تم تكوينها لدعم العمل الوطني الأستاذ رمضان حسين. فاليوم نطالب بتكريم الزعيم محمد احمد الجلال في اسرته واطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة المثلثة لأنه كان أحد كبار الرموز الوطنية في بلادنا وأسطورة العمل الوطني عامة فهو من الرعيل الأول للحركة الوطنية ومؤتمر الخريجين الذي كان فيه علماً بارزاً بداخله صال وجال بكفاحه ونضاله فتكريمه تكريماً للعمل الوطني.