قد يعجب القارئ عندما يتطلع علي هذا المقال في الأسئلة التي سوف أطرحها إلي من يهمهم الأمر . والحق أقول : إنني لا أعرف الكثير عن هذه الهيئة غير أنها هيئة سلطانية تدور أني دارت السلطة وتصدر الفتاوي عند اللزوم، وإنه من المفترض أن أعرف عنها الكثير وإن لم أكن عضواً فيها لصلتي وعلاقتي بالعلماء في مجال العلم الشرعي ، ربما تجعلني أنال شرف العضوية . فالعلم درجات ، كما إنه أنواع شتي ، والعلم الذي أعنيه والذي أتشرف أن أنسب إليه هو العلم الشرعي ، وليس مطلق العلم فكل من تعلم علماً وأتقنه يكون عالماً في مجاله . والعلم الشرعي له مكانته وخاصيته إذ أن العالم بالعلم الشرعي يفتي بحسب الشرع معتمداً علي نصوص قطعية من الكتاب والسنة ، ويجتهد في تفسيره لتلك النصوص إذا كان في ملكته مقومات الاجتهاد من كتاب وسنة ولغة وتفسير ، وغير ذلك . فإن لم يكن متقناً للمقومات وأفتي ، يترتب عليه حمل أوزار الآخرين الذي سيعملون وفق فتواه ، الأمر الذي يدخلهم هو والآخرين في (حيص بيص) وفي الآخرة عقاب شديد وعذاب أليم . لا أدري متي ، وكيف أنشئت هيئة علماء السودان ، وما هي المعايير التي استخدموها في اختيار وتسجيل الأعضاء ، وكيف تم تكوين هذه الهيئة ؟ كيف تم اختيار رئيسها وأمينها العام ، هل كان بالانتخاب أم بالتعيين ، فإن كان بالتعيين من عينهما ، وهل للهيئة دستور يحدد أهلية العضو ، أم أن الولاء السياسي وحده كان يكفي ؟ وعن مال التسيير من أين تتلقي الهيئة دعمها المادي ، هل هي مكتفية ذاتياً باشتراكات الأعضاء ، أم تتلقي دعماً من الدولة ؟ وما هي المؤهلات المطلوبة بأن يدرج اسم الرجل أو المرأة في سجل عضوية الهيئة ؟ فإن كانت الهيئة تتلقي دعماً مادياً من السلطة ، فلنا رأي في ذلك ، لأن أُلي النعمة يمكن أن يملي عليهم ما يريد فيفتون ، ويكون هنالك تأثير سياسي علي الفتاوي والقرارات ، فإن جاملوا لدخلوا في المحظور (ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) . هذه الأسئلة قليلة إلا أنها لو وجدت الإجابة من الهيئة لأطمانالناس لها ، ونتقبل آراءها وفتاواها ، ويجب أن تقول رأيها صراحة حتي في الدولة ، معتمدين علي :(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) . لقد ظللنا نسمع عن شيء اسمه هيئة علماء السودان، يجتمعون ويتفرقون ، عند اللزوم ، ويفتون ، ويحللون الربا أحياناً بفقه الضرورة ويكفرون البعض أحياناً أخري ، وهم ماضون في طريقهم ولا يترددون في شيء ، إذ العقوبة الآنية أو الفورية موقوفة بأمر السماء ، بعد البعثة المحمدية إكراماً لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم . قبل ثلاث سنوات أو أكثر كانت هنالك أحداث سياسية مهمة ، وكنت أتطلع في صحيفة من الصحف فلفت نظري إعلان كبير فيه دعوة من هيئة علماء السودان المسجلين في سجل الهيئة ، ومن باب حب الاستطلاع بدأت أقرأ الأسماء علِّي أجد من زملائي من هو مجرد عضو ، لأني أعرف قادة المسألة وهم زملاء ، فلاحظت أن هنالك أسماء رجال ونساء لا صلة لهم البتة بهيئة علماء السودان أو أي هيئة علمية أخري ، بعضهم تجار وآخرين لا ندري من هم إلا أنهم أعضاء دعوا ليقولوا كلمتهم في المشكل آنذاك ، فقلت : سبحان الله قد اختلط علينا الحابل بالنابل فكيف الخلاص من هذه الورطة ، يا عباد الله أفتونا ؟. ما الفرق بين اتحاد عمال السودان وهيئة علماء السودان ، لماذا لا تفتوننا عن أمر رئيس إتحاد عمال السودان الذي يطالب بكل برفع الحد الأدني للأجور إلي 450 جنيه في الشهر الكامل بالتمام ، كيف يطالب لبشر مثله بهذا المرتب البخس في الشهر لآدمي مثله وله عيال ، كما أن له عيال ، وهو مثلهم مخلوق من لحم ودم وعظم ؟ لماذا لا تفتوننا في أمر هذا الرجل يا علماء الهيئة ، هل الشرع الإسلامي يرضي بالتفرقة بهذه الدرجة ، ويرضي بأن يتقاضي المسؤل الكبير عشرات الآلاف كمرتبات ومخصصات لنفسه ويطالب للآخرين ب450 جنيه في الشهر وكلاهما مواطنان ومسلمان كالجسد الواحد بحسب الشرع؟ لماذا لا تصدر هيئة علماء السودان فتوي بحرمة هذا النوع من التعامل بالتفرقة بين العباد؟ . قبل شهرين علي ما أعتقد أن وزارة المالية والاقتصاد قد أخذت قرضاً ربوياً من دولة الصين لأغراض التنمية بالبلاد ، ولا أدري أي نوع من التنمية هذه ؟ فهل سمعت هيئة علماء السودان بهذا القرض الربوي ، وهل مروا بالآية في كتاب الله : (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله) فكيف تكون تنمية بالربا ؟ لم نسمع صوتاً من هيئة علماء السودان يُفتي ببطلان هذا القرض (أكان التنمية بالربا أريتها ما تنت) . هنالك أشياء كثيرة مخالفة للشرع مخالفة صريحة لم تفت فيها الهيئة بشيء ، وحتي في الأمور الجلل كالتنازلات التي قدمت ومازالت للأعداء في المفاوضات ، من قبل ومن بعد الانفصال ، حيث حصرت دولتنا نفسها في شيء اسمه (السلام) مهما يكلف ذلك . فيا هيئة علماء السودان إن بالساحة السياسية أمر خطير لا يقل ذنب المفاوضين عن ذنب من يتولون يوم الزحف في الجهاد ، والحالة التي نحن فيها هي حالة جهادية لا شك . في أي المفاوضات جنح ثنائي الشر سلفا وباقان للسلم ، مع أننا نجنح للسلم وبلهفة الغرقان ، ألا يحتاج هذا إلي فتاوي تلجم أولي الأمر منا من المضي في طريق الهلاك الذي نحن فيه الآن . تفتوننا عن ختان الإناث وزواج القاصرات وغير ذلك من الأمور الهايفة ، هروباً من الواقع الجد ، فلماذا لا تفتون في الأمور المهمة التي نحن في أمس الحاجة إلي فتوي فيها ، وأنتم العلماء ورثة الأنبياء كما جاء في الأثر . فهل وجدتم في سير الأنبياء أنهم تراخوا يوماً أو جبنوا من حاكم وكتموا الحق وهم يعلمون ، وحتي المعصوم عليه الصلاة والسلام ما كان يسلم من العذاب لو خالف أمراً من أمور الله ، حيث يقول الحق عز وجل : (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين) . فأين أنتم يا علماء السودان من الذكر الحكيم ؟ والحق إنما صرح به العضو السابق بالهيئة الدكتور الكودة ، وهو خير شاهد لهشاشة مواقفكم تجاه القضايا وأنتم معنون بها في المقام الأول . فاتقوا الله فينا وفي أنفسكم ، فإنه تبارك وتعالي لا يسألكم جماعياً كهيئة مثلما أنتم عليه الآن ولكنه يسألكم فرادي : (وكل آتيه يوم القيامة فرداً) . فنرجوا ألا تكون فتاواكم عند اللزوم وعند الطلب ، تابعوا مشكلاتنا في الحياة كلها ، وعليكم بالجدية ، فهل نحن نسير وفقاً لشرع الله أم نحن مخالفون حتي لا نقع فريسة لشياطين الإنس والجن في رحلة الحياة هذه . (احكموا السفين فإن البحر عميق وأكثروا الزاد فإن الطريق طويل ، والعقبة كؤود واحسنوا الأعمال فإن الناقد بصير) . هذا وعلي الله قصد السبيل وهو المستعان .