مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبير الأمكنة
معاوية أبو قرون كسلا ... ومن هنا تنشر الشمس الضياء وتشرق عاش فيها البروفسير عبدالله الطيب والدكتور الترابى وتعلق بها صاحب الدهليز توفيق صالح جبريل كسلا استمدت عبقرية مكانها من موقعها المميز الجاذب لكل الناس
نشر في الوطن يوم 05 - 06 - 2013

كلما استمعت لرائعة الشاعر آسحق الحلنقى « حبيت عشانك كسلا» التى يتغنى بها الفنان المرهف المغترب التاج مكى بصوت شجى تشتم منه رائحة « عبير أمكنة كسلا... عاودتنى ذكرياتها المخزونة فى ذاكرتى...
زرتها مرات ومرات وفى كل مرة أترنم بذات القصيدة:
ظلم الزمان الخانى ياريتو لو كان خانك
ليه جرت وإتنكرت للساب ديارو عشانك
قدر عشانك كسلا
حبيت عشانك كسلا وخليت ديارى عشانا
وعشقت أرض التاكا الشاربة من ريحانا
كلمينى قولى فاكر ليالى القاش
لما الحنين عاودنى لعطفك الجياش
جفيت حبيت ماخانك
من نور بسمتك عاش
انا تانى ما تلقانى يوم فى طريقك ماش
قاصد مكان فى كسلا
* * * * * * * *
حبيت عشانك كسلا وخليت ديارى عشانك
وإخترت أرض التاكا الشاربة من ريحانا
صوت السواقى الحانى ذكرنى ماضى بعيد
وعلى الرمال آثارك طرتنى ليلة عيد
المنى قلبك ينسى يرفس غلاوة الريح
باقى الطريق بمشيوه خلينى فيهو وحيد
والحب عذاب فى كسلا
* * * * * * * *
كسلا .... كسلا
--
مدينة « كسلا « الجغرافيا، الطبواغرافيا ، التاريخ البعيد والقريب، الانسان صاحب المكان ، الانسان القادم إليها بفعل عبير الامكنة ... تعنى الكثير لكل السودانيين فهى مركز ونفوذ طائفة الختمية بكل تاريخها ورجالها حيث يعود دخول الختمية للعام 1840م وحينها لم تزل مركزاً لاشعاع نور الطريقة الممتد فى آنحاء السودان طولاً وعرضاً ... وهى القاش النهر المتمرد فى أزمان الفيضان الثائر ، الهادى الوادع فى ازمان غير الفيضان ... فهو عماد إقتصادها الذى يرتبط به إرتباطاً وثيقاً فعلى ضفافه حياة وزرع وخضرة ووجه حسن ، وهو فى ذات الوقت يمثل الخطر الموسمى عليها ما أن يتمرد ويفيض ويدمر أهل ضفافه حتى يخرج علينا أهل « ساس يسوس» فى كل العهود ليقولوا « ان محاولات ترويض القاش تجرى على قدم وساق سنقوم بتقوية الجسور وزيادة العرضات ... و ...و....و.... وآه و ... « ساس يسوس» فالساسة فى بلدى « يصنعون ويزرعون على طريقة حشاش بدقينتو»...
كسلا تعنى جبل التاكا وضريح الميرغنى وينبوع توتيل والسواقى « الله من هذه السواقى الجميلة»
وجبل مكرام وتعنى الحلنقة وجبل توتيل « هل تذكرون أغنية الفنان كمال ابراهيم المشهور ب كمال ترباس
هلا ياهلا جبل توتيل
بدور أصلها
أزور جبلها
واقابل أهلها
وأضوق عسلها
جاذبية المكان:
زرتها آخر مرة فى العام 2011م... وفى كل مرة أزورها أتيقن أن قاطنيها جذبهم المكان فمثلاً أهل السواقى جاءوها من شمال السودان فكل تفاصيلها الجغرافية والتاريخية ومجموعاتها السكانية فتعارفوا وتصاهروا وتمازجوا وخلقوا فيما بينهم مزاجاً كسلاوياً طابعه اللطف والكرم والترحاب وقبول الآخر مهما كان هذا الآخر، لايعرفون تفرقة بسبب اللون أو العرق أو الجهة أو الثقافة أو اللغة او اللهجة فكلهم سودانيين جمعهم السودان بتفاصيله المعروفة وحوتهم كسلا فكانت بالنسبة لهم الأم الروؤم...
فى زيارتنا تلك نزلنا السواقى الجنوبية يالها من طبيعة ساحرة « الناس هنا يزرعون الخضرة ويحبون الخضرة ويألفون الخضرة « والخضرة هذه جعلت تفاصيل الحياة جاذبة فعلى ظلال البرتقال والليمون والقريب فروت وسبائط الموز يسكنون فالسكن هنا جزء من الساقية والساقية جزء من دوران الحياة « والساقية لسة مدورة « ودورانها هنا بعكس ساقية المرحوم الطيب الدوش ولحنها ناجى القدسى وغناها حمد الريح التى أرسل فيها الشاعر رسالة « ساس يسوس» فى رمزية متناهية الابداع وأفصح فيها عبر الالحان الملحن عن مطالب جماهير ذلك الزمن فكان المقطع « يحيا الشعب يحيا الشعب» ... أما الفنان فأرسل إشارة أن الفن سلاح قاطع بتار....
دعونا من ذلك فلنعد لسواقى كسلا فقد ذكرتنى « القرير» و» كورتى» و « نورى» وكل مناطق « منحنى النيل» التى يسكن الناس فيها ويزرعون ويطربون ويغنون وهم على مرمى حجر من النيل حيث الماء والخضرة والوجه الحسن والشعر الجميل.
قلت كسلا جذبت كل الناس فسكانها البنى عامر والشكرية والهدندوة واللحويين والحلنقة والفلاتة والحمران والشايقية والجعليين والضبيانة والهوسا والحمران والبارا والأيليت والبوادرة وغيرهم...
ووجدت مجموعات اللاجئين من ارتريا واثيوبيا فى كسلا ملاذاً آمناً حتى أصبحوا بسبب الجفاف والتصحر الذى ضرب بلدانهم جزءً من نسيجها السكانى حيث يبلغ عددهم حوالى (110.000مائة وعشرة الف) نسمة حسب آخر إحصائية رسمية عام 2010م.
كذلك شكلت كسلا ملاذاً آمناً للسودانيين الذين اكتوا – السودانيين قبل إنفصال الجنوب- بنيران حرب الجنوب السودانى والمناطق التى امتدت إليها الحرب حيث هاجرت إليها اعداد كبيرة من جنوب السودان الذى كان وجبال النوبة ودارفور بسبب الحرب والتفلتات الأمنية...
أصل تسمية كسلا:
غنى عن القول أن « كسلا» « بفتح الكاف والسين» قد أخذت اسمها من « جبل كسلا» الذى يعتبر واحداً من أهم المعالم الطبوغرافية بالمنطقة ... ولكن إختلفت الروايات والتفسيرات حول اسم كسلا فالبعض يعتبر الاسم تحريف لاسم لكلمة « كساى- ألا» وتعنى زوال ظل الجبل بلغة « البداويت» والبعض الآخر ينسبها الى زعيم حبشى اسمه « كساى لول « والذى شن هجوماً على قبيلة « الحلنقة» وتعقبها الى ان وصلت المنطقة التى تقوم عليها « كسلا» حالياً حيث دارت معركة حاسمة ونهائية إنتهت بمقتل « كساى لول « فى المكان الذى يسمى اليوم ب « كسلا» ويرى آخرون ان اسم كسلا يقول أنها تعنى بلغة الهدندوة « مرحبا».
المكان استمد عبقريته من الموقع:
كثيرون يقولون ان كسلا « كمكان» استمد عبقريته من الموقع المميز « الجبال- التلال- القاش – السواقى- الخضرة» ... فهى المدينة التى تتوسط شرق السودان وكثيراً ما نسمع من شعار اذاعة كسلا عبارة « كسلا الشمس تشرق من هنا» ونضيف إليها من هنا كسلا تنشر الشمس الضياء وتشرق.
فهى من حيث الموقع تتوسط ولايات شرق السودان الثلاث « بعد ولاية القضارف وقبل ولاية البحر الاحمر» اى ان لها حدود مع الولايتين بالاضافة لولاية نهر النيل والدولتين الجارتين أثيوبيا واريتريا. وتقع على ارتفاع( 496) متر اى مايعادل (1637) قدم فوق سطح البحر وتقع على بعد (298) ميل من العاصمة الخرطوم اى على بعد (480) كيلو متر طولى ... وتتميز كسلا بموقع متفرد فهى تقع على رأس دلتا نهر القاش وعلى سفوح كتلة جبلية تتلاقى مع الحدود الدولية السودانية الاثيوبية الاريترية.
تاجوج والمحلق:
لكل مكان فى العالم أناس مشهورون وأحداث ترتبط بهذا المكان ... فكسلا إرتبطت فى الذهن السودانى على ايام الحرب العالمية الثانية باحداث « كرن» حيث قامت قوات من قوة دفاع السودان المتحالفة التابعة لقوات الحلفاء بالدخول فى معركة كرن فى مواجهة دولة « الطليان» – أيطاليا وكبدوها خسائر كبيرة وقد حفلت الاغانى السودانية بمشاهد بطولة هذه المعركة « يجو عائدين» التى غنتها عائشة الفلاتية...
كذلك ارتبطت كسلا بقصة المحلق وتاجوج التى تعتبر واحدة من اجمل التراث الثقافى السودانى وتم إنتاجها فى فيلم لقى رواجاً كبيراً تحت اسم « تاجوج» وقصة « المحلق وتاجوج» من حيث فنياتها تشابه قصص « الف ليلة وليلة» وقيس مجنون ليلى فى الادب العربى وقصة روميو وجوليت التى كتبها الاديب العالمى وليم شكسبير ...
كسلا فى الحق جنة الاشراق:
كسلا بسحرها وجمالها وطيبة ناسها فتنت الشعراء والادباء وألهمته جميل القصائد ولعلّ رائعة الشاعر الكبير صاحب الدهليز المرحوم توفيق صالح جبريل التى غناها الفنان الكبير عبدالكريم الكابلى تقف شاهداً على ذلك والتى قال فيها:
كسلا أشرقت بها شمس وجدى
فهى فى الحق جنة الاشراق
وإبنة القاش ان سرى الطيف وهنا
وإعتلى هائماً فكيف لحاق
كان صبحاً طلق المحيا ندياً
إذ حللنا حديقة العشاق
ظلت الغيد والقوارير صرعى والأباريق بتن في اغراق
ولكسلا أسماء ترتبط بها:
لكل مدينة فى السودان اسماء شخصيات كبيرة ترتبط بها فلا تذكر مدينة كسلا إلا بذكر الشاعر آسحق الحلنقى والفنان التاج مكى والفنان عبدالعظيم عبدالله المشهور بعبدالعظيم حركة والشاعر محمد عثمان كجراى والفنان ابراهيم حسين والشاعر ابو آمنة حامد والشاعر حسان ابو عاقلة أبوسى والشاعرة المجيدة روضة الحاج والاستاذ محجوب عروة والاستاذ الجنرال أحمد طه وغيرهم.
ومن الشخصيات العامة التى ارتبطت بها البروفسير عبدالله الطيب الذى درس فى حى الحلنقة فى خلوة الشيخ مالك التى كانت مقصداً لكل الطلاب من كل آنحاء السودان وأقام بها الاستاذ محمود محمد طه زعيم الجمهوريين ودرس فيها الدكتور حسن الترابى التى نقل اليها والده الذى كان يعمل فى القضاء.
صه ياكنار فى كسلا:
الصاغ محمود أبوبكر صاحب ديوان اكواب بلابل أصوله تعود الى كسلا وهو صاحب القصيدة الوطنية ذائعة الصيت « صه ياكنار» التى غناها عدد من كبار المطربين فى شكل كورالى...
صه ياكنار وضع يمينك فى يدى»
ففى مدينة كسلا كان مولده ونشأته الأولى قبل أن تستقر أسرته بحى الموردة بامدرمان قبالة الضفة الشمالية لخور أبوعنجة.
وزراء ومسئولون كبار:
حظيت كسلا بوزراء ومسؤولين كبار خلال سنوات الحكم الوطنى والآن من أبنائها السيد ابراهيم محمود حامد وزير الداخلية والسيد ادريس محمد عبدالقادر وزير الدولة برئاسة الجمهورية والسيد حسن موسى شيخ الصافى الامين العام لمجلس الولايات والسيد السعيد عثمان محجوب الامين العام للتخطيط الاستراتيجى بولاية الخرطوم.
نكتة وطرفة شاش:
أهم مايميز مجتمع مدينة كسلا الطرائف الكثيرة التى يتداولونها الناس على كل مستوياتهم ولعلها الطرفة التى تزامنت مع تعيين الادارى المرموق حامد على شاش حاكماً لكسلا فى عقد الثمانينات من القرن الماضى حيث تصادف أزمة فى لفافات الشاش التى تستخدم فى العمليات الجراحية بالمستشفى، حيث سرت طرفة ان الهيئة النقابية لعمال وعاملات مستشفى كسلا ارسلت برقية تهنئة لحاكم كسلا الجديد السيد / حامد على شاش كان نصها كالآتى ( السيد حامد على شاش تعينكم حاكماً للاقليم الشرقى أثلج صدورنا وإختيار صادف أهلك ... قف نريد جدك) ...
وقيل ان السيد حامد على شاش قد قابل الطرفة النكتة برحابة صدر ووجه بمعالجة أزمة الشاش وكل النقص فى المستشفيات باقليم كسلا...
--
أحداث كان لها ما بعدها
حل الحزب الشيوعى السودانى فى ستينات القرن الماضى
زلزل السياسة السودانية
الحل خلق أزمة دستورية أدخلت الفصل بين السلطات فى مأزق خطير
هل استخدم الحزب الشيوعى تنظيم الضباط الأحرار للثأر من عملية حله؟
إضاءة أولى:
واقعة حل الحزب الشيوعى السودانى فى منتصف عقد الستينات من القرن السابق تمثل نقطة فارقة فى تاريخ الحياة السياسية السودانية، فالواقعة وبمفهوم علاقة السببية تسببت فى احداث متتاليات ربما فى ظاهر الامر لا رابط بينها، والواقعة من حيث دلالاتها السياسية قد أسهمت – ومن باب الفعل ورد الفعل- فى متوالية وقائع أًخر خلفت مرارات هنا وهناك...
ولست هنا بصدد الحديث عن ندوة معهد المعلمين العالى- كلية التربية بجامعة الخرطوم بامدرمان الآن- فالندوة تفاصيلها معروفة ومعلومة وتكرر الحديث عنها وأستنطق الطالب وقتذاك مرات ومرات حول الحادثة وقدّم دفوعاته عن ماحدث فقبلها البعض باعتبار ان الزمن قد غيّر قناعاته ورفضها البعض الآخر باعتبار ان ما ادلى به فى تلك الندوة يدخله فى دائرة – إنكار المعلوم من ضرورات الدين...
ما أنا بصدد الحديث عنه هو الواقعة من خلال تأثيراتها ودلالاتها ذات البعد السياسى...
فتوى حل الحزب الشيوعى
من الثابت أنه فى الاسبوع الأول من شهر نوفمبر 1965م وفى أثناء ندوة أدبية بامدرمان تعرّض أحد طلبة معهد المعلمين العالى الى حديث الافك وتفوه بكلمات تمس الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل ان الطالب ينتمى الى الحزب الشيوعى السودانى « انظر للتفاصيل الكاملة فى مضابط الجمعية التأسيسية – اجراءات الدورة الاولى بجلسة 15/11/1965م ص 26.
وقامت الدنيا ولم تقعد وهب الشعب السودانى فى العاصمة المثلثة وفى مدن الاقاليم الأخرى وخرجت المظاهرات الصاخبة تطوف المدن الأخرى وتطالب بحل الحزب الشيوعى ووفقاً للدكتور ابراهيم محمد حاج موسى فى كتابه « التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم فى السودان « – الصادر عن دار الجيل بيروت ودار المامون الخرطوم والذى كان فى اصله رسالة الدكتوراة – على صفحة 461 « أصدرت جماعة من العلماء فتوى بان الطالب كافر وملحد وان كل من ينتمى الى الحزب الشيوعى كافر وملحد»... والمعلوم ان بلاغاً قد فتح فى مواجهة الطالب وقُدم للمحاكمة لكنه بُرئ... وبالمقابل نفى قادة الحزب الشيوعى إنتماء هذا الطالب الى الحزب.
الغضب يحاصر البرلمان:
القارئ لهذا الحدث ينتهى الى ان البرلمان حاصرته المظاهرات بكل تأثيراتها مما أدى لاستغلال بعض العناصر المعادية للشيوعيين وأحزاب الحكومة الائتلافية التى أزعجتها ممارسة النواب الشيوعيين العنيفة داخل الجمعية التأسيسية وإستغلت الواقعة وأرادت ان تتخلص من الحزب الشيوعى ونوابه داخل وخارج الجمعية التأسيسية وتطورت الاحداث بشكل عاصف وداو....
اجراءات التعديل الدستورى:
فى جلسة يوم 15/11/1965م تقدم سته من أعضائها باقتراح بتكليف الحكومة بتقديم مشروع لحل الحزب الشيوعى ... وشهدت تلك الجلسة نقاشاً حاداً وعنيفاً حول الاقتراح.
وقد أصدرت الجمعية التأسيسية وفى نفس الجلسة القرار التالى « إنه من راى الجمعية التأسيسية بالنسبة للاحداث التى جرت اخيراً فى العاصمة والاقاليم وبالنسبة لتجربة الحكم الديمقراطى فى هذه البلاد، وفقدانه للحماية اللازمة لنموه وتطوره أنه رأى الجمعية التأسيسية ان تكلف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعى السودانى ويحرم بموجبه قيام اى احزاب شيوعية او أحزاب او منظمة أخرى تنطوى مبادؤها على الالحاد او الاستهتار بمعتقدات الناس او ممارسة الأساليب الدكتاتورية» وقد اجيز الاقتراح باغلبية 151 عضواً ومعارضة 12 من النواب وامتناع 9 منهم من التصويت.وقد اعترض بعض النواب على مناقشة الأمر لتعارضه مع الفقرة 2 من المادة 22 من اللائحة الداخلية للجمعية التأسيسية التى تقرأ « لايجوز ان يعرض للمداولة ايه دعوى معلقة أمام القضاء» ، حيث ان الطالب الذى تفوه بتلك الالفاظ مازال يحاكم امام محكمة الجنايات والتى برأته فى وقت لاحق.
قانون حل الحزب الشيوعى :
بعد انتهاء سلسلة الاجراءات الى ما إنتهت عليه والتى تم بناءً عليها تعديل الدستور مرتين تقدمت الحكومة فى جلسة 8/12/1965م بمشروع قانون حل الحزب الشيوعى السودانى وهو ذات القانون الذى قدمته لجلسة 6/11/1965م وتم سحبه وحددت جلسة 9/12 موعداً للقراءة الثانية وقدم للقراءة الثالثة وأجيز فى نفس الجلسة ونشر فى الجريدة الرسمية لحكومة السودان « الغازيته» يوم 9/12/1965م وجاء فيه:
منذ سريان هذا القانون بحل الحزب الشيوعى السودانى وجميع المنظمات غير المشروعة فى حدود المعنى الوارد فى المادة السابقة وتقفل دورها وتصادر ممتلكاتها وصحفها وجميع وسائلها.
منذ سريان هذا القانون « اى شخص ينتمى الى منظمة غير مشروعة او اى شخص ترشح فى الانتخابات العامة سنة 1965م بوصفه عضواً فى الحزب الشيوعى او سانده الحزب الشيوعى السودانى بوصفه أحد اعضائه لايعتبر أهلاً لان يكون او يستمر عضواً فى الجمعية التأسيسية»
وبناء على هذا القانون تقدم احد اعضاء الجمعية التأسيسية بجلسة 16 ديسمبر 1965م يطلب فيه من الجمعية ان:
« تقرر بحكم الدستور والقانون قد سقطت العضوية عن السادة حسن الطاهر زروق- عزالدين على عامر- محمد ابراهيم نقد – عمر مصطفى المكى – الرشيد نائل – عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة - الطاهر عبد الباسط – جوزيف قرنق.
ثلاث قضايا دستورية:
إزاء ذلك تقدم الحزب الشيوعى السودانى بثلاث قضايا للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا حيث كانت الاولى ضد تعديل الدستور والثانية ضد قرار الحل والثالثة ضد طرد نوابه من البرلمان.
وقضت المحكمة العليا ببطلان الاجراءات التى قامت بها الجمعية التأسيسية وتوصلت للآتى:
بطلان التعديلات الدستورية التى أصدرتها الجمعية التاسيسية .
بطلان قانون حل الحزب الشيوعى والقرارات التى ترتبت عليه.
اعلان استمرار اعضاء الحزب الشيوعى المبعدين من الجمعية التاسيسية بناءً على قرارى بطلان التعديلات الدستورية وقرار حل الحزب الشيوعى.
السودان والصفيح الساخن:
القرارات التى أصدرتها المحكمة العليا يوم 22/12/1965م لم ترق للسلطة التنفيذية حيث اصدر مجلس الوزراء بياناً عقب اجتماعه الطارئ عقب صدور القرارات جاء فيه « ان الجمعية التأسيسية هى الهيئة العليا فى البلاد ومصدر السلطات وسيادتها وفق كل سيادة وحقها فى تعديل الدستور المؤقت حق لايسلب وحرية لايتعدى عليها واى اعتداءعليها اعتداء على هذا الشعب وتعد على حقوق هذا الشعب وإرادته» واضاف البيان « اننا نحترم القضاء واستقلال القضاء فى حدود صلاحياته وحقوقه الستورية ووفق نظمه الدستورية واجراءاته القانونية الصحيحة»...
وفى اليوم التالى قال رئيس الوزراء امام الجمعية التأسيسية ان الحكومة ستتخذ الاجراءات التى تكفل التأكد من عدم حدوث اى اجراءات عملية مترتبة على قرار المحكمة العليا طالما ان الحكومة قد قررت استئناف الحكم لدى محكمة الاستئناف المدنية العليا» ... وبهذا تكون السلطة التنفيذية قد تحدت السلطة القضائية حيث لم تنفذ قرارها القاضى باستئناف اعضاء الحزب الشيوعى لعضويته بالبرلمان حيث لم يصدر حكم مخالف للحكم من محكمة الاستئناف المدنية العليا او يصدر أمر منها بايقاف تنفيذه حتى يتم الفصل فى الاستئناف...
ومن هنا دخلت البلاد فى صفيح ساخن...
نواصل الاسبوع المقبل
فى حلقة الاسبوع المقبل:
لماذا كان موقف مجلس السيادة حيادياً من الأزمة الدستورية
إستقالة رئيس القضاء بسبب الأزمة الدستورية وظهوره فى طاقم مجلس قيادة ثورة مايو... منْ يفك اللغز
ماذا قال زعماء الأحزاب السياسية عن أزمة حل الحزب الشيوعى بعد مرور أكثر من عشرين عاماً عليها
الحزب الشيوعى يثأر لموقف حله ويستولى عبر الضباط الأحرار على السُلطة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.