[email protected] كم هي تعيسة بلاد العجائب ترحل عنها القواسم المشتركة وتبقي بها اعمدة الاختلاف . اداني عدد السنين الاربعين عمراً وتهفو الروح دومواً للعوالي طلبت المجد والتاريخ دهراً عذلت اللهو عني غير سالي فيهفو القلب للأفراح حيناً ويأبى الحوت عني اعتزالي هل تصدقون انني وبرغم صدق مشاعري فيما كتبت لم استمع لأغنية كاملة في حياتي للفنان محمود عبد العزيز لأني ببساطة لا استمع للغناء ولا اميل لسماع الاغاني حالياً وحتى عندما كنت اهيم في دروب العشق في فجر الشباب الاول كنت اميل للغناء الكلاسيكي ولكن ما هو سر هذا التدفق الوجداني الجياش هل هو نفاق العواطف ام استجداء الاعجاب ام استعراض فنون الكتابة؟ لا كل هذا ليس صحيحاً. محمود عبد العزيز كان القاسم المشترك لشباب السودان من الغرب والشرق والشمال والجنوب بالقديم والجنوب بالجديد , استمتع كثيراً وانا اشاهد هذا الانصهار والتناغم والتسامي فوق الصغائر والعرق واللون عند الجلوس في رحاب المبدع محمود عبدالعزيز وبالمناسبة اكثر ما يعجبني في قبيلة الفنانين انها لا تحتفي كثيراً بقبيلة الفنان واثنيته وعرقه ولونه والجهة القادم منها وإنما الابداع المتدفق منه فقط هو الفيصل واخشى علي هذه الصفة الزوال . سر كتابتي لهذه السطور اعلاها انني احد سكان بلاد العجائب المنحوسة يفرحني ما يفرحهم ويحزنني ما يحزنهم فهم شعب يستحق الفرح. لم اتألم في حياتي لفقد الشخصيات العامة كثيراً ولكن إحساس بالألم يعتصر قلبي انتابني ثلاثة مرات في فقدان الشخصيات العامة عندما فقدت البلاد الاستاذ حسن ساتي وعند فقد الاستاذ مكي على بلايل وفقدنا لمحمود عبد العزيز . اجدني دائماً مراقب لفن الموت في بلاد العجائب لأنه يختار الشخصيات المتفق عليها لكنها سنة الله في خلقه ولكل اجل كتاب . انني انظر للأحداث بمنظار اخر غير منظار الاتفاق والاختلاف فمنظار المصلحة العامة يجب ان يسود فموت البروفيسور عبدالله الطيب وموت الطيب صالح اخرس لسان بلاد العجائب العالمي والدولي وموت الشيخ عبدالرحيم البرعي عمق من جراحات الوطن لأنه شاءت شخصية قومية يستطيع ان يجلس في مجالس الصلح القبلي التي سالت دماؤها انهاراً ويعلم الجميع وعلى رأسهم الحكومة ان الاجتماع سينفض وقد توقفت شلالات الدم وضحك الجميع . مكي على بلايل كان من قيادات النوبة المستنيرين الذين لم يتهافتوا على ابواب السلطان ولم ينخدعوا بدعوات العنصريين البغيضة كان في المنطقة الوسطى له افكاره وبرامجه لتأصيل الدعوة الإسلامية وتنقية المجتمع في جبال النوبة وله فلسفته في مناهضة التهميش الذي ابتلى به سكان بلاد العجائب ولكن برؤية وطنية تحت عباءة الوطن الواحد فتخطفته يد المنون صباح عيد الفطر المبارك في يوم من ايام الانتنوف حالكة السود. لهفي على بلاد العجائب فكأنما ضربت مع الاحزان موعداً. اكاد اطير بأجنحة الفرح عندما اتي لمحل غسيل وكي الملابس المجاور لمنزلنا والمملوك لأحد ابناء قبيلة الزغاوة واجده يفتح مشغلات الMP3 بأعلى صوت وهي تصدح بأغنيات المبدع محمود عبدالعزيز واحياناً اغنيات الطنبور الشايقي , واندهش غاية الاندهاش عندما استدعي ذكريات دارفور المريرة والأحقاد والبغضاء ورائحة الموت والبارود بين القبائل وبين الحكومة وبين العصابات والنهب المسلح والسلب والاغتصاب وتضيع الحقيقة في ثنايا الخاطر والخيال ليس لجهلي ولا لعدم اجتهادي في الإمساك بها وسبر اغوارها والتمكن منها ولكن يحول بيني وبين تعميم الشرور على كل التجارب ما اشاهده من تناغم وانصهار حول قامات سامقة نقشت على وجدان الشعب السوداني احرف الحب بماء الذهب لا تعرف غير السودان وطناً ولا غير صوت العصافير طرباً ولا سوى هدأت الليل وإرخاء سدوله على ضفاف النيل سكناً لم تدري معني التلون والمماحكات السياسية البغيضة تردد انغام العطبراوي والشاعر القامة محمد عبدا لرحيم عثمان كل اجزائه لنا وطن اذ نباهي به ونفتتن نتغنى لحسنه ابداً دونه لا يروقنا حسن كل هذي الدماء نبذلها كالفدائي حين يمتحن بسخاء بجرأة بقوى لا يني جهدها ولا تهن تستهين الخطوب عن جلد تلك تنهال وهي تتزن انا سوداني انا انا سوداني انا فلنسكب الدمع السخين على حبات المسبحة والعقد الفريد الذي انقطع عنه الخيط . تبقي الدموع ويبقي الامل لأن حواء السودان ولوداً .