يدخل الباحث الأكاديمي في مؤسسات التعليم العالي في أول مدارجها وهو يافع غصن الإهاب وحوت صغير السين، ويتم قبوله كمساعد تدريس ليتدرب ثم يؤهل عن طريق التعليم المباشر والبحث الأكاديمي حتى يلج أبواب المؤهلات العلمية الدقيقة كالدبلوم العالي والماجستير فالدكتوراة ويغدو في نهاية المطاف استشارياً في أرفع مراحلها ويصير أستاذاً كامل التخصص في إحدى فروع المعرفة العلمية مع رؤية فكرية ثاقبة تجعله من حكماء المعارف الانسانية وبهذا الأسلوب الكبير والرفيع يترى العلم وتفيض به المؤسسات الأكاديمية وهذا ما يجعل المجتمع الذي يعاشه أمثال هؤلاء متطوراً فاذاً بأسباب النماء الفكري والتقدم البشري. وهذه أبرز غايات المؤسسات الأكاديمية ولهذه الغايات المهمة والرفيعة المقاصد نجد أن القائمين على شؤون التعليم العالي في كل أقطار العالم التي تجتهد أن لا تشغل هؤلاء العلماء بشيء غير البحث العلمي الرفيع وتهيئ له كل وسائل البحث وبيئة مهيئة لاحداث ذلك الهدف وتحقيقه وتمضي السنوات ويزداد العدد الذي همه البحث وتطويره والذي يرتقي بدوره وتتضح آثاره في الأمة جمعاء في وطن متسع الأرجاء كالسودان وزاخر بالموارد الطبيعية والبشرية والثقافية والانسانية، وفيه يفضل الله هذا الحق من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة بمستوياتها المختلفة منها الجامعية والمعاهد العالية ومراكز البحوث العديدة فلو تم توظيفها جميعاً للإرتقاء بالبحث المرتبط بحياة الناس واللصيق بها تماماً، ذلك الذي نجده في بحوث طلاب العلم في هذه المؤسسات الأكاديمية فهو تزخر به البحوث التكميلية لطلاب البكلاريوس وكلها تطرح قضايا مهمة في المجتمع الذي يعيش بين طبقاته هؤلاء الطلاب ولا تبعد بحوث أساتذتهم في الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراة عن هذا المنهل. وتخدم العديد من المشاكل البحثية للمجتمع السوداني. وهي تطرح في محصلتها الكثير من الحلول للقضايا الفكرية والإجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية وبذلك هي المرآة التي تعكس ما نعانيه في الحياة السودانية وفي نفس الوقت تحمل بين طياتها مقترحات علمية لما تعانيه حياة أهل السودان في الريف والحضر، وهذا الذي يجعل للمؤسسات الأكاديمية فعالياتها وفوائدها التي تنعكس على حياة الناس بحلولها القائمة على العلم كما تضم تلك البحوث العديد من المقترحات لبحوث أخرى ضرورية لإكمال الصورة المرجوة من خلال التقصي العلمي لما تعانيه هذه الأمة في مجالات عديدة في مسيرة حياتها. وعلى هذا يكون للأكاديميين في مؤسسات التعليم العالي في السودان مهام محددة يدور فلكها في نطاق البحث العلمي الذي يطور حياة أهل هذا البلد. وهي المهام المحددة لهم في مؤسساتهم ولا يحيدون عنها وهي عينها في كل سنوات خدمتهم فيها والتي يقضونها بين المكتبات والمعامل والمختبرات المختلفة وصالات عروض نتائج البحث الأكاديمي في مختلف صورها ولنا أن نتصور يافع وحديث السن في هذا المجال حتى يشتعل الرأس شيباً ويدور في فلك الشيخوخة، ويفيض علماً ومعرفة لا غنى عنها لطلابه وكل الناس المحيطين به ولنتصور أي نماء علمي سيناله هذا البلد من خلال سدنة هذه المحاريب العلمية الرفيعة. ولذلك أرى ألا يشغل الأكاديميون في مؤسسات التعليم العالي بالوظائف الادارية فيها وأن تفرد الوزارة لها آخرين مهامهم ادارية بحتة همها تطوير وسائل البحث العلمي وإيجادها للباحثين وهذا ما يجعلني استنكر جداً نظام الدورات التي تعمل به الجامعات والمعاهد وأرى فيه إرباك لعطاء الأكاديميين وتكليفهم بغير مهامهم البحثية البحتة ولو قدر في النظام الحالي لاداري من الأكاديميين وهو ينجز في روعة وبهاء وعطاء وافر فما الذي يمنع تعطيل نظام الدورة وتركه لمزيد من الإبداع والإنجاز ويجب أن يستمر الحال كذلك حتى يتم فصل الكادريين عن بعضهما البعض. ومن جهة أخرى إلى متى ستظل ميزانيات البحث العلمي ضئيلة؟ وإلى متى ستظل آلياته محدودة وقاصرة؟ ولكي يتطور هذه الأمة لابد من العطاء السخي للبحث العلمي، وإعداد ميزانيات تتكفل بوفرة العطاء لكل مجالاته المختلفة، وأن يتبوأ الباحثون مراتب ومراقي حياتية رائعة يزداد عطاؤهم وأن تجد منهم أجيال الشباب الباحث عن المعارف الموثقة في علومهم وإرواء طموحهم العلمي فكم يلهث اليوم الأبناء لجمع شتات المعارف لبحوثهم العلمية على مختلف درجاتها العلمية ؟ ويحدثني أحدهم وكم يعاني في جمع عينات له في بحثه في مجال المختبرات الطبية حيث عليه أن يلهث بين المستشفيات لجمع هذه العينات لمرضى السكري أو الفشل الكلوي وخلاف ذلك لأمراض أخرى، ولو أنها كانت في مراكز بحثية في الجامعات او المعاهد لتوفر له الزمن ولقلة معاناة الجرئ واللهات بحثاً عنها وعلى هذا نقيس هذه المعاناة والإضاعة للزمن والعرف على عينات أساساً محاليلها غير متوفرة لهؤلاء الطلاب. وعلى هذا أكرر الرجاء للتعليم العالي ولوزارة المالية وكل الجهات التي هي منوطة بتطوير البحث العلمي أن تهيء كل الظروف لتطويره والصرف السخي على ذلك حتى ينعكس الأمر على اولادنا في الجامعات علماً نافعاً ولينهلوا من أساتذتهم كبار الباحثين فيوضأ كامنة من علم ثر العطاء وخلاصة القضية نكمن بلد زاخر بموارد كالسودان، يجد الباحثون فيه وسائل تسخير العلم لكي يتطور وينمو بين البلاد الافريقية والعربية ويصير رقماً يشار إليه بالبنان واللهم نسألك السداد.