[email protected] منذ عدة اشهر تكرر الحكومة نيتها رفع (الدعم ) عن المحروقات وتضيف اليها مرة السكر ومرة اخرى الخبز وفي بعض الحالات يشخص المسؤولون نوع المحروقات المراد رفع الدعم عنها بانها البنزين فقط وفي مرات اخرى يذكرون الجازولين والبنزين ومعروف ان المحروقات تشمل اشياء اخرى غير البنزين والجازولين .الحكومة التي تعج مؤسساتها بحملة الدرجات العليا في الاقتصاد لابد انها تعرف جيدا الاثار السالبة على الاقتصاد جراء هذه التصريحات المتواترة عن رفع الدعم ان كان هناك دعم اصلا ويدركون ايضا الاثار السالبة للالتباس في نوعية السلع التي سيشملها القرار رفع الدعم . رجل الشارع العادي يعرف ان الاقتصاد يتاثر باي حدث او حديث او اي تلعثم او تردد يظهره المسؤول وهو يتناول القضايا الاقتصادية . ومن الامثلة القريبة ما حدث لسعر صرف الدولار بعد زيارة سلفا كير الاخيرة وما حدث من ارتفاع للدولار عندما اعلنت الحكومة عن نيتها اغلاق الانبوب الناقل لنفط الجنوب رغما عن العائد الضئيل لقيمة نقل البترول .وان الاقتصاد العالمي كله يتاثر عندما يعلن الرئيس الامريكي عن نيته توجيه ضربة عسكرية الي سوريا فيرتفع سعر النفط وفئآت التامين على السفن المتجهة للشرق الاوسط وبالتالي فئآت النقل ... الخ . استنادا للمعطيات المذكور اعلاه نستطيع ان نؤكد ان الحكومة بحديثها عن رفع الدعم قد تسببت بالفعل في تحقيق كل الاثار المترتبة على رفع الدعم حتى قبل ان تنفذ قرارها ، فمنذ مطلع العام عندما بدأ الحديث يتردد عن زياد اسعار الجازولين والبنزين اثناء مناقشة الميزانية بدأت اسعار جميع السلع المنتجة محليا والمستوردة في التصاعد ابتداءا من حبة الليمون التي وصل سعرها الي جنيه الان و(كباية) الشاي التي وصل سعرها في المواقع غير السياحية الي جنيه ونصف ، وصولا الي اسعار الادوية و اسعار تذاكر السفر بالطائرات الي مدن دار فور التي اغضبت نواب تلك الولايات بالمجلس الوطني . ويمكن من الناحية النظرية ان نحدد عدد المرات التي قفزت فيها اسعار السلع منذ بداية العام وقد كانت الاولى عندما بدا الحديث عن رفع الدعم عن المواد البترولية قبل بداية العام الحالي عندما تم تقديم الميزانية العامة للمجلس الوطني. وارتفعت الاسعار ايضاد عندما تم الاعلان عن زيادت مرتبات العاملين على الرغم من ان الزيادة لم تحدث , وارتفعت مرة اخرى عندما اعلن وزير المالية عن اقتراب تنفيذ قرار رفع الدعم كما ارتفعت الاسعار عندما وافق القطاع الاقتصادي للحزب الحاكم على قرار رفع الدعم –ولاندري جدوى مناقشة قرار في اروقة الحزب بعد ان اجازته الحكومة – وزادت الاسعار ايضا عندما وافقت الاحزاب المشاركة في الحكومة على على قرار اجهزة المؤتمر الوطني برفع الدعم – ولاندري ماذا كان يتوقع من تلك الاحزاب غير الموافقة -. الحكومة كما اسلفنا لايمكن ان تكون جاهلة بالاثار المترتبة على الحديث المتكرر عن رفع الدعم في بلد يتميز بضعف الرقابة على السلع وانفلات الاسعار ولابد ان لها مقاصد تريد انجازها قبل ان تشرع في تنفيذ قرارتها وقد شهدنا في الماضي ان السيد وزير المالية نفذ قرار رفع اسعار الوقود قبل ان يكمل المجلس الوطني مداولاته حول الموضوع ولكن هذه المرة نشاهد ترددا ومناورات كثيرة حتى ان المواطن بات يرغب في انفاذ القرار ليرى ما اذا كان سيظل حيا وسط هذا الركام من المآسي . لقد تحققت الان بعض مقاصد الحكومة من الكلام عن رفع الدعم فقد انخفضت القوة الشرائية للمواطن الي ادني درجة وتم تجفيف السوق من كثير من السلع و احتفلت الحكومة هذا الشهر بما قالت انه انخفاض في نسبة التضخم ! يبدو ان الحكومة تفضل ان ترتفع الاسعار بشكل متدرج حتى تصل الي تلك المرحلة التي يمكن ان ترتفع منها بشكل طفيف عند تطبيق قرار رفع الدعم ويكمن ان تغلف القرار بحدث اخر مثل توقيع اتفاق مع حركة متمردة او اعلان التشكيل الوزاري الجديد حتى يتوزع اهتمام الناس على اكثر من قضية . ولكن يبقى من الواضح ان سياسات رفع الدعم عن السلع لاتشكل حلا لمعضلات السودان الاقتصادية بدليل ان الزيادة القادمة هي الثانية في عهد الوزير علي محمود وفي كل مرة تزداد الازمة الاقتصادية استفحالا وتزداد تبعا لذلك صعوبة انتشال الاقتصاد من الهوة التي انحدر اليها , لان الحلول المطروحة الان لاتخاطب جزور الازمة التي هي في الاساس ازمة سياسية ادت الي الحروب التي انهكت الاقتصاد بحسب تشخيص وزير المالية نفسه وهو تشخيص متفق عليه بين عدد كبير من الخبراء والسياسيين . ولو ان الحكومة اتجهت الي سياسات توصل الي انهاء الحروب الاهلية فقد ينفتح امامها الباب لمناقشة اعفاء ديونها التي تجاوزت الاربعين مليار ويمكنها عند ذلك العودة الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية وتوفير ما تنفقه الان على الحرب لاحداث التراكم الراسمالي اللازم للبدء في عملية تنموية يمكن ان تنهض بالاقتصاد .